فضيلة الشيخ حكمت الهجري المحترم
شيخ العقل الأول للموحدين المسلمين – جبل العرب
الجمهورية العربية السورية
ع. ط. الأخ رأفت أبو راس المركز الإعلامي للمشيخة
تحيّة حارة وبعد
الموضوع: مشروع التواصل
يشرفني بهذا وعطفا على حديث هاتفي بيني وبين الأخ رائف، أن أطرح عليكم وأمامكم صورة وافية عن المشروع وانطلاقته التاريخيّة وتطوره وإشكالياته وآفاقه، علّنا نجد أمثل الطرق للحفاظ عليه وتعزيزه رغم كل الظروف الصعبة التي نعانيها وتعانيها أمتنا العربيّة وبالذات قلبها وطليعتها سوريّة.
كذلك أن أطرح لمحة موجزة عن أحوالنا الوطنيّة بشكل مقتضب وعام.
بداية يعزّ علينا ويؤلمنا ما يحصل اليوم في سوريّة، ولكننا كنّا ومنذ اللحظة الأولى ودون تأتأة أو تردد واثقين أن سوريّة، الشعب والجيش والقيادة، قادرة على تخطّي هذه الحرب العدوانيّة الاستباقيّة، وإن طال الزمن أكثر مما توقعنا لكن ثقتنا لم تهتز يوما لا بل تتعزّز.
مدخل قصير جدا:
بلغ عدد العرب الدروز بعد النكبة 13,132 نسمة حوالي %8 من مجموع من تبقى من أبناء شعبنا بعد التهجير. وعلى قلّة عددهم كان لهم دور فاق حجمهم كثيرا في التصدّي للمشروع الصهيوني قبل وحتى ال-48 وهذا كان موضوع الدراسة التي أجريتها ونشرت في كتاب تحت عنوان : “العرب الدروز- والحركة الوطنيّة الفلسطينيّة حتى ال-48”.
بعد قيام دولة إسرائيل راحت تنفذ مشروعها لضرب وحدة من تبقى من أبناء شعبنا تنفيذا للشعار القديم الجديد: “فرّق تسد” وكان أحد أوجه هذا المشروع سلخ العرب الدروز عن بقيّة أبناء شعبهم وأمتهم عبر خطوات مختلفة أهمها مشروع التجنيد الإجباري.
التّصدي:
تصدى العرب الدروز لهذه السياسة بأكثريتهم الشعبيّة وبعض قياداتهم المذهبيّة، إلا أن الغلبة كانت للتيار المتعاون العميل من القيادات السياسيّة المدعوم سلطويّا. فشل تيار التصدي بكبح المؤامرة أمام إجراءات قمعيّة مورست ضدّه بلغت حدّ التهديد بالتصفية الجسديّة كما حدث مع حامل اللواء حينها المرحوم طيب الذكر الشيخ فرهود قاسم فرهود، ولكن هذا التيار حافظ على جمرة التصدي الوطنيّة متقدة فشكّل المرحوم الشاعر الوطني الكبير سميح القاسم حركة الشباب الدروز الأحرار متابعة المسيرة ومن خلال “الحزب الشيوعي الإسرائيلي” القوّة السياسيّة الوحيدة التي سُمح لها حينها بالتنظيم والعمل وكان هذا الحزب العنوان للكثير إن لم يكن لأغلبيّة الوطنيين العرب بشكل عام.
وفي عام 1972 وعلى أثر سجن العشرات من الشباب العرب الدروز رافضي الخدمة الإجباريّة ومنهم نجل الشيخ فرهود فرهود والموقع أدناه، أطلق الشباب الوطنيّون وبمبادرة ومباركة الشيخ فرهود نداء للم الشمل وتصعيد النضال ضدّ سياسة السلطة العنصريّة ضد العرب الدروز وبالذات التجنيد الإجباري، تشكلّت على أثره “لجنة المبادرة الدرزيّة” التي قادت العمل الوطني المتصدّي بين العرب الدروز وحيدة حتى نهاية التسعينيات.
في هذه الفترة وعلى أثر انطلاق قوى وطنيّة قوميّة على ساحة فلسطينيي الداخل متمثلة في تشكيل “التجمع الوطني الديموقراطي” الذي رأسه حينها عزمي بشارة (الذي انحرف شرّ احراف في السنوات الأخيرة)، وجد الكثيرون من القوى الوطنيّة الدرزيّة المستنيرة بالفكر القوميّ، في التجمّع البيت. لاحقا وتحديدا في بداية ال-2001 شكّلنا بالتحالف مع وطنيين مستقلين وبرئاستي “ميثاق العرب الدروز الأحرار (المعروفيون)” كفصيل مستنير بالفكر القوميّ العروبيّ من فصائل الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في الداخل. عمل الميثاق على إطلاق مشروع التواصل ولاحقا شكّل “اللجنة الوطنيّة للتواصل” لترسيخ التواصل مع أبناء شعبنا وأمتنا في مواجهة سياسة العزل الصهيونيّة.
مشروع التواصل:
أخذ هذا المشروع صيغا مختلفة، تواصلا مع أبناء شعبنا في ال-48 وفي ال-67 وكذلك مع الأهل في لبنان، وكانت ناصية هذا المشروع التواصل مع سوريّة التي تبنّت المشروع بنظرة قوميّة عروبيّة وإنسانيّة ثاقبة. الأمر الطبيعي والمتوقع أن يلقى المشروع المعارضة الإسرائيليّة وهو المناقض لاستراتيجيتها في عزلنا نحن عرب الداخل وبضمنهم العرب الدروزعن فضائنا الفلسطينيّ والعربيّ وبالذات مع سوريّة ولبنان.
انطلق المشروع تحديدا يوم الأربعين للمرحوم الراحل الرئيس حافظ الأسد بلقاء جمعنا حينها رئاسة الوفد الشعبي المشارك في المناسبة ونائب الرئيس السيّد فاروق الشرع، فيه زُفّت لنا بشرى الموافقة على فتح أبواب سوريّة أمامنا. (بالمناسبة في هذه الزيارة زرنا المرحوم والدكم في بيتكم العامر في قنوات والتقيناه لاحقا في احياء الذكرى في القرداحة).
ابتداء من العام 2007 بعد ترك عزمي بشارة البلاد، توليّت وتابعت أنا المشروع، وقد تكلّل الانطلاق المجدد للمشروع بالوفد الكبير أيلول 2007 بمرافقتي (وقد كان والدكم المرحوم على رأس مستقبلي الوفد في الأشرفيّة). لاحقا وفي نهاية ال-2007 مع بدء التحقيق معي على خلفية زيارتي بلدكم على رأس الوفد، وقف المشروع لأسباب لا نعرف كليّة كنهها.
وبدأت هنا سنوات من الملاحقة التي تعرضت لها وانتهت إلى أن قدّمتني المؤسسة الإسرائيليّة وستة عشرة شيخا من رئاسة اللجنة للمحاكمة التي تعرفون تفاصيلها، وكما هو معروف فقد أدانتني المحكمة وفرض عليّ السجن لمدة سنة ونصف في أيلول 2014، وما زلت أنتظر الاستئناف الذي كان مقررا البت فيه أوائل آذار ال-2015 إلا أنه تأجل هذه الأيام لأواخر أيار ال-2015.
فشل الزيارة في أيلول عام 2009:
في أيلول من العام 2009 حاول بعض أعضاء “لجنة التواصل” وعلى رأسهم الشيخ علي معدّي وبشكل انفراديّ ودون تنسيق مع الغالبيّة العظمى من اللجنة زيارة بلدكم ضمن زيارة مذهبيّة رغم أن المشروع لا يُختزل لزيارة دينيّة فالزيارة بحدّ ذاتها ليست الهدف وإنما جزء من المشروع التواصلي القوميّ الأوسع. ولشديد الأسف اتخذت هذه الخطوة ورغم أنّ المشروع مجمّد منذ أواخر ال-2007، رغم تنبيهنا من فشلها المتوقع وأبعاد ذلك، واتخذت بادعاء أن الأمر منسق مع سلطات بلادكم والسلطات الأردنيّة.
وتبيّن سريعا أن هذا العمل جاء بهدف ضرب وحدة لجنة التواصل بدعم بعض قيادات “التجمع الوطني الديموقراطي- عزمي بشارة” والذي كان بعد لم تسقط عنه ورقة التين، قيادات هنا في الداخل رغم معرفتها حقّ المعرفة أنّ مصير هذه الخطوة الفشل ولكن منطلقها كان لحسابات حزبيّة داخليّة لضربي أنا شخصيّا بعد أن فشلت محاولات إقصائي على يد هذه القيادات سابقا حين حسم مؤتمر الحزب لصالحي، وقد تمّ تجاهلنا كليّا لا بل أكثر من ذلك ومن خلال التحريض علينا رغم موقفنا المحذّر من الفشل خصوصا وعلى ضوء حقيقتين:
الأولى أن هذا العمل هو انشقاقيّ وغير مدروس ولا يجيء من خلال المشروع العام “المُوقَف” لأسباب لا ندرك كلية كنهها، والحقيقة الثانية أنه قد تسلّقت عليه عناصر مشبوهة بعلاقاتها أبعد ما تكون عن أهداف التواصل الحقيقيّة وجدت في ذلك فرصة انتهازيّة وهي التي لا تستحق أن تُشمل في مشروع تواصل أُسسه وطنيّة وقوميّة. ورغم تنبيهنا أن هاتين الحقيقتين لا بدّ أن تفشلا الخطوة وفي هذا تقويّة للقوى المتعاونة مع السلطة لضرب المشروع من أسسه، إلا أن المنشقين وبتشجيع من بعض قيادات “التجمّع- عزمي بشارة” وتنسيق معها ولتصفية حسابات معنا تمادت في خطوتها.
فشلت الخطوة وامتلأت وسائل الإعلام المحليّة بعد عودتهم من الأردن ببيانات من المنظمين تتهمني أنا بإفشال الزيارة وتتهم موظفين سوريين بالمساعدة على إفشالها لدرجة مطالبة الرئيس ومن على وسائل الإعلام الإسرائيليّة “بفتح تحقيق”!
بغض النظر عن ذلك، إن هذه الخطوة غير المسئولة والدعم الذي لاقته من بعض قيادات “التجمع-عزمي بشارة” في الداخل بعيدة كل البعد عن كل مستوى للعمل الوطنيّ، أدّت هذه الخطوة إلى شقّ الصف الوطنيّ، ووضعت المشروع وأهدافه على كفّ عفريت محولة إياه من مشروع وطنيّ عروبيّ إلى مشروع طائفيّ حزبيّ لن يستفيد منه على المدى البعيد إلا المناهضون له من داخلنا وأسيادهم في السلطة.
لشديد الأسف وأنا في خضمّ المعركة القضائيّة غير السهلة وألقى دعما وتضامنا من كل القوى الوطنيّة خصوصا وأن محاكمتي تجيء انتقاء دون غيري ممن زاروا سوريّة من النواب، وانتقاما لقيادتي المشروع، لم ير هؤلاء الذين يرون أنفسهم “متابعي” المشروع ممّن كانوا أعضاء في لجنة التواصل وفُصلوا وعلى رأسهم الشيخ علي معدّي، ولم ير داعميهم الحزبيين من “التجمع الوطني-عزمي بشارة” إلا أن يقفوا جانبا في أضعف الإيمان أو أن يفتحوا علينا معارك في توقيت يتزامن مع معارك السلطات ضدّنا.
ولكن الأنكى من ذلك والأخطر هم الحقيقة التاريخيّة الآتية، عندما انطلق مشروع التواصل في نهاية عام ال-2000 بداية العام-2001 كان الحزب التقدّمي الاشتراكيّ اللبناني برئاسة الوزير وليد جنبلاط جزءا فاعلا وداعما لهذا المشروع إلى أن ساءت علاقته بسوريّة عام ال-2005، فاتخذنا هنا في اللجنة الوطنيّة للتواصل صفّ سوريّة وقد عبّرنا عن موقفنا جهارا ضدّ موقفه، وانطلقنا بوفدنا الكبير أيلول ال-2007 المذكور إلى سوريّة في عزّ الخلاف بين جنبلاط وسوريّة، ولاحقا وبعد أن عاد جنبلاط وعدّل موقفه خرج وفد في تموز ال-2010 إلى لبنان وسوريّة من قبل “اللجنة الوطنيّة للتواصل” والتي يرأسها الشيخ عوني خنيفس.
في هذه الفترة وتحديدا في العام 2010 وكان عزمي بشارة بعد لم تُكشف أوراقه أمام الكثيرين ومنهم سوريّة رغم أنها كانت انكشفت أمامنا، فخرجنا من حزبه – التجمّع، فعمل على تبنّي المنشقين المفصولين من لجنة التواصل برئاسة علي معدّي (للمعلوميّة 8 أعضاء من أصل 35 عضوا)، والغريب العجيب ولحسابات سياسيّة لبنانيّة داخليّة تبنّى الأمير طلال أرسلان هذا الشّق (شقّ عزمي بشارة) وحسب قناعتنا بسبب تزويده بمعلومات خاطئة ومشوّهة، وبعد خروج وفدنا المذكور في تموز ال-2010 إلى لبنان وسوريّة والاستقبال الكبير الذي لاقاه في البلدين، رتبّ جماعة عزمي بشارة هنا ومن يُسموا أنفسهم (لجنة التواصل الدرزيّة عرب ال48- علي معدّي) وبالتنسيق مع الأمير طلال أرسلان وفدا إلى سوريّة يرأسه علي معدي في أيلول ال-2010، ومن خلال التطاول علينا وبثّ السموم والشائعات.
للمعلوميّة عندما عاد وفدنا خضع للتفتيش المهين على المعبر الأردني الإسرائيلي، وصودرت جوازات سفر أعضائه، واستدعُي كل أعضائه للتحقيق، ولاحقا قُدّمت رئاسته للمحاكمة على هذه الزيارة (تموز -2010)، في حين لم يعترض أحد من السلطة ولم تحقق مع أحد من الوفد الآخر (أيلول- 2010 وفد علي معدي- جماعة عزمي بشارة) فقد خرج وعاد دون أية مساءلة لا في خروجه ولا في عودته.
ورغم أن أوراق عزمي بشارة سقطت نهائيّا وكُشف المستور بعد فترة وجيزة عند انطلاق المؤامرة الكبرى على سوريّة، إلا أن جماعته أو من يسمّوا أنفسهم (لجنة التواصل الدرزيّة عرب ال-48) ما زالوا “يدبلجون” البيانات الإعلاميّة دعما لسوريّة، معتقدين أن مثل هكذا بيانات تغنيهم أمامكم عن تساوقهم الكليّ هنا مع حزب عزمي بشارة والتصويت له، وحتى في الانتخابات البرلمانيّة الإسرائيليّة الحاليّة زاروا وبرئاسة الشيخ معدّي قيادة التجمع مطالبين ومرشحين من قبلهم مرشحّا على لائحة حزب عزمي البرلمانيّة وهو المدعو (إحسان مراد) المُطلق على نفسه لقب (المنسق العام لمشروع التواصل).
من الناحية الأخرى وفي سياق المشروع يحاول الشيخ موفق طريف ومنذ سنوات وقبل الأزمة، أن يشكّل وفدا من قبله وبموافقة السلطات الإسرائيليّة لزيارة سوريّة، ونحن نعرف أنه أجرى ويجري الكثير من الاتصالات حول هذا الموضوع.
إن هذا المشروع كان وما زال أهمّ مشروع وقف في وجه سياسة العزلة المفروضة علينا منذ ال-48، والسلطة الإسرائيليّة تعرف هنا من هم أصحاب المشروع الحقيقيين وبكل أهدافه العروبيّة، ومن هم المتسلقين على هذا المشروع ولضربه، وإن كنّا بحاجة لبيّنة فليس هنالك بيّنة أكبر من ملاحقتنا ومقاضاتنا نحن في اللجنة الوطنيّة للتواصل وفرض الأحكام بالسجن الفعليّ علينا في حين تتعامل مع المتسلّقين من جماعة عزمي بشارة أو ما يُسمّون (لجنة التواصل الدرزيّة عرب ال-48) بالكفوف الذهبيّة.
هذا المشروع والحفاظ وعليه وتعزيزه الآن وفي المستقبل، وبعد أن تنجلي الغيمة القاتمة من على ربوع سوريّة أكبر كثيرا من أن تتلاعب فيه أياد انتهازيّة أبعد ما تكون عن القوميّة والعروبة الحقّة، ومهمتنا الأساسيّة كما هي مهمتكم فضيلة الشيخ الكريم أن نحافظ عليه نقيّا من كل الشوائب.
العمل الوطني العروبيّ العربيّ الدرزيّ:
العمل الوطنيّ العام في الداخل خصوصا ذاك المستنير بالفكر القوميّ لاقى ويلاقي صعوبات جمّة ويّلاحق حاملو لواءه من السلطات ومن أزلامها بكل السبل القمعيّة. والعمل على قمع النشاط الوطنيّ القومي بين العرب الدروز هو أشرس بكثير، ورغم ذلك استطاعت القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة وعلى رأسها “الحركة الوطنيّة للتواصل: ميثاق العرب الدروز الأحرار واللجنة الوطنيّة للتواصل” ليس فقط أن تصمد إنما أن تُحدث وفي العقد الأخير وبعمل دؤوب اختراقا هاما وما من شك أن أحد العوامل كان مشروع التواصل داخليّا وخارجيّا وناصيته مع بلدكم قلب العروبة النابض.
بلغ هذا الاختراق حدّا جعل مؤتمر “هرتسليّا للشؤون الاستراتيجيّة” يضع على جدول أعماله في دورته التاسعة موضوع “التراجع في الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة” لدى العرب عامة والعرب الدروز خاصّة مُتوصلا إلى أنّ العقد الأخير شهد تراجعا وصل إلى أن معيار هذا الشعور لدى الدروز تراجع إلى 1.6 نقطة من أصل 6 نقاط ، وأن نسبة المتهربين من الخدمة الإجباريّة تعدّت ال-%50 لدى الشباب الدروز.
تبع ذلك دراسة أكاديميّة لقسم العلوم السياسيّة في جامعة حيفا أفادت أن %63.7 من العرب الدروز يرفضون الخدمة العسكريّة الإلزاميّة. وبنفس النسبة يرى العرب الدروز أن الانتماء العربيّ يشكّل أساسا في هويتهم.
هذه المعطيات تحتّم ثلاثة أمور، ألأول:
وحدة عمل وتنسيق بين القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة وكل محاولة لشقّها أو تشجيع انشقاقيين تحركهم انتهازيّة ليس إلا هو ليس فقط وضع عصيّ في مسيرتها إنما إهداء السلطة وأعوانها “هديّة” طالما انتظروها، بشرذمة الجهد المطلوب لاستيعاب المعطيات أعلاه وتحويلها من تبنٍّ لموقف إلى تبنٍّ وممارسة للموقف. إنّ ثمرة جهد عشرات السنين يمكن أن تضيع أو تُفوّت فرصة قطفها إن فشلت هذه القوى في توحيد جهدها والتنسيق فيما بينها وإن أعطي لعناصر انشقاقيّة أقلويّة لا امتداد جماهيريّ لها دعم وأي كان هذا الدعم داخليا أو خارجيّا.
القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة ذات الامتداد الجماهيريّ والتاريخيّ هي : لجنة المبادرة الدرزيّة حليفة الحزب الشيوعيّ وميثاق العرب الدروز الأحرار حليف القوى القوميّة مؤسس لجنة التواصل. وكل ما عداها هي فُلق لا امتداد جماهيري لها ولا تاريخ وانشق أصحابها عن الأصل لدواع انتهازيّة ودون أية خلفيّة فكريّة. لا بل أكثر من ذلك فإن بعض من يُسمّون أنفسهم رؤساء لمثل هذه الفُلق لم يكونوا رافضي خدمة عسكريّة لا بل أكثر من ذلك خريجي وحدات عسكريّة خاصّة، استوعبتهم هذه القوى بداية انطلاقا من توجهها إعطاء الفرص لكل من يتراجع عن ماضيه. ولكن المفاجيء أن مثل هؤلاء سريعا من انشقوا على قلّتهم مستغلين كل خلاف ومتسلقين عليه حتى الخارجيّ منه مؤسسين حركات تحت مسميّات شتى ك-“حركة الحريّة للحضارة العربيّة” و-“حركة المبادرة العربيّة الدرزيّة” و-“الهيئة العربيّة لدعم رافضي الخدمة الإجباريّة” وحتّى استمرار انتحال أسماء لجان قائمة ك- “لجنة التواصل” على يد نفر فصلتهم اللجنة.
هذا الواقع يحتّم تنسيقا بين القوى الأساسيّة وتعاونا على برنامج عمل لسدّ الطريق أمام هذه الحركات وهذا ما هو معمول عليه، وقد خطونا في هذا الاتجاه خطوات كبيرة ستتبلور نتائجها قريبا.
الأمر الثاني: وحيث أن هذه القوى هي جزء من القوى الوطنيّة العربيّة العامة والهم الذي تحمله هو جزء من الهم العام، وحيث أن القوى الوطنيّة العربيّة وصلت إلى نتيجة أن عليها تقع مسؤوليّة تاريخيّة تجاه هذه الشريحة من أبناء شعبنا من منطلق أن قضيّة التجنيد الإجباري المفروض على العرب الدروز هي قضيّة عربيّة عامة وليس قضيّة درزيّة، خصوصا على ضوء محاولة السلطة فرض الخدمة المدنيّة على العرب بشكل عام وعلى ضوء حالات التطوع العسكري المتّسعة بين الطوائف الأخرى. كل هذا يحتم على هذه القوى إعطاء مظلّة للقوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة وأولا بدعم وحدة مجهودها والمشاركة في هذا المجود. وهذا أيضا معمول عليه وبجهد كبير وتلتف حوله الغالبيّة العظمى من الأحزاب والحركات الوطنيّة في الداخل.
كل ذلك حتى نخرج القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة من بين حجري الرحى: حجر السلطة وأعوانها وضاربي وحدتها وإن كانوا منها من جهة، ومن الجهة الأخرى حجر استسلام بقيّة أبناء شعبهم وقواه الوطنيّة للمخطط التفتيتي والتخلّي حتى عن القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة والتعامل معها ليس من منظور وطنيّ إنما حزبي انتخابيّ.
الأمر الثالث: التواصل مع أبناء شعبنا وأمتنا يجب أن يتم على أسس وطنيّة ولما فيه رفد القوى الوطنيّة بقوّة وبالأساس في وحدتها بعدم مد اليد لفئات انشقاقيّة، وبما يضمن كذلك سلامتها انطلاقا من الظروف الخاصّة التي تعيشها.
وأخيرا:
أرجو أن أكون زوّدتك بصورة وافية عن الوضع الوطنيّ العربيّ الدرزيّ لم فيه من فائدة عملنا الوطنيّ القوميّ العروبيّ لرفعة أمتنا. تستطيع أن تطلع كل من تشاء على هذا التصوّر فلا شكّ فيه إفادة لكل من يعزّ عليه العمل الوطنيّ.
دام قلب العروبة النابض سليما معافى.
باحترام وتقدير
سعيد نفاع- الأمين العام للحركة الوطنيّة للتواصل
أواخر كانون ثاني 2015