نيسان 2019
الوقفة الأولى… مع الشافعي وفولتير.
قبل أن يخلق فولتير، والذي يحلو لبعضنا أن يذكر قوله الشهير حول حريّة التعبير عن الرأي، ينطقه مُفخّمًا تدليلا على سعة معرفته وثقافته وهو أبعد ما يكون عنه حينما يتعلّق الأمر برأيه. وبغضّ النظر، فقبل أن يخلق فولتير بكثير كان قال الشافعي: “رأيك صواب يحتمل الخطأ ورأيي خطأ يحتمل الصواب”.
لعنّا عظام الشافعي في قبره، هذا إن كان غالبيتنا أصلا يعرفونه، كما لعنّا عًظماء كثرا غيره ومثله وإن اختلفت مجالات إبداعهم، وصار “تراثنا” تسفيه آراء الآخرين، جاعلين منها أخطاء لا تحتمل الصواب وجاعلين من آرائنا ربّ الصواب وكيف يحتمل الرّب الخطأ!؟
أضعف الإيمان في الثقافة البشريّة أن نعطي الرأي الآخر ولو فسحة من الصواب لأن الحُكم في النهاية هو للأيام، وليس رأيي ورأيك محور الدّنيا، فهو مجرّد اجتهاد ربّما تذروه الأيام كما تذرو الرياح الغبار.
الوقفة الثانية… مع المقدّمة والمشتركة.
كُفّر أو كاد كل من رفع عقيرته ضدّ “المشتركة” وعرّابيها يوم ولادتها القيصريّة، وحتّى أكون أكثر تحديدا فأنا على المستوى الشخصيّ “كلّفني” موقفي “إمبارجو” على قلمي وحتّى الأدبيّ منه في صحيفة “الاتحاد” والتي اهترأت قدماي يوما في إيصالها إلى القرى البور، وما زال ال-“إمبارجو” قائما، رغم إنّي اعتبرت وأعتبر نفسي صديقا للجبهة وصوّتُ لها وأكثر وبغضّ النظر.
نتائج الانتخابات عندنا اليوم وما رافقها هي الوليد غير الشرعيّ لزواج لم يكن شرعيّا أصلا لا سياسيّا ولا وطنيّا ولا اجتماعيّا، القائمة المشتركة، شرعنّاها تعدّدا في الأزواج وجعلنا منها غاية الغايات والمُخلّص المهدي المنتظر، ولكن ما فتِأ هذا الزواج أن دبّ فيه الخلاف كما كان توقّع “الكَفرَة” وانتهى إلى طلاق بائن بينونة كُبرى.
ووجدنا أنفسنا وعلى حين غرّة أمام سؤال الأسئلة؛ كيف سنُفهم ناسَنا أو هل كان بالإمكان إفهام ناسِنا ورغم الخلاف الزوجيّ، إن غاية الغايات يمكن أن تتحقّق في بيتين متصالحين وأفضل من بيت واحد؟!
كان بالإمكان موضوعيّا أن يتمّ ذلك ولكنّا فشلنا، والأسباب كثيرة لم يعًد يفيد الحديث فيها في هذه المرحلة. وعندما أقول فشلنا يعني هذا قيادات الأحزاب، والمعلّقون ومهما اختلفت مواصفاتهم، وكل الذين اعتبروا أنفسهم أئمة العقد.
الوقفة الثالثة… مع كفر ياسيف والرّامة.
سأورد هنا نتائج الانتخابات في البلدين اعتمادا على أرقام دائرة الإحصاء المركزيّة ولجنة الانتخابات المركزيّة %97 من الأصوات.
كفر ياسيف: أصحاب حقّ الاقتراع: 7148 (215دروز*). صوّت منهم: 4696 أي %66.
الأحزاب الصهيونيّة (13 حزب): 822 صوتا.
الرامة: أصحاب حقّ الاقتراع: 5935 (دروز 1840*). صوت منهم 3329 أي %57.
الأحزاب الصهيونيّة: (15 حزب): 1693 صوتا.
وليقرأها كلّ كيفما شاء، ولكني ادّعي أن هذه النتائج إحدى إفرازات قيام المشتركة لا تفكيكها، بعد أن تركت الأحزاب عملها التواصليّ التثقيفيّ مع الناس، وتأكيدا ليس تجديدا حيث أن لا فراغ في الدّنيا، ملأت هذا الفراغ الطوائفيّة والعائليّة والآفات الاجتماعيّة معبّدة طريقا تسلّلت عبرها الأحزاب الصهيونيّة.
غاية الغايات ومُنية المُنى “أعفت” الأحزاب من التواصل التثقيفيّ المطلوب، فما حاجته وقد كفتنا المشتركة شرّ القتال؟!
الوقفة الرابعة… ومع لا تكرهوا شيئا لعله خير لكم.
النتائج وبغض النظر عن تراجع نسبة المشاركة وبالتالي عدد أعضاء الكنيست، وضعت كلّ من الأحزاب في حجمها الطبيعيّ نسبيّا لبقيّة الأحزاب وما كانت لتغيّر هذه النسبيّة الزيادة في نِسَب التصويت، وعلى الأقل ريّحتنا هذه النتيجة للمستقبل من “النّعْط” وهذا بحدّ ذاته أمر جيّد.
ولكن الأهم أن النتائج، وهذا أقصى ما يتمناه كلّ غيور على شعبه، أنارت في وجه الأحزاب أولا ووجهنا جميعا “لمْبة” نورها كلون الجمر إن لم تهتدِ ونهتدِ بنورها إلى سواء السبيل “ستُشرْقِط” نارا تحرق الأخضر واليابس. ورغم إنّي ومنذ سنوات لست حزبيّا ولكنّي أعتقد إن دور الأحزاب في مشهدنا الوطنيّ هو مهمّ جدّا، لأن غيابها معناه أن تطغى علينا الانتماءات التخلّفية الطوائفيّة والعشائريّة والعائليّة، ولعلّ في الانتخابات المحليّة البيّنة الفاقعة ولا يقلّلن أحد من آثار نتائجها وتصرّف الأحزاب فيها على نسبة التصويت. وعلى الأحزاب في هذا السياق أن تكفّ عن “تصفيط” قوائمها القطريّة والمحليّة اللهم إلا حسب الكفاءات.
ولا يقلّلَنّ أحد من شأن التعدديّة فهي ثقافة، والتنافس وطنيّا وسياسيّا واجتماعيّا هو غاية عند المجتمعات وليس بالضرورة أن يكون تناحريّا. وعلينا أن نرفض كليّا أن تطغى أو نُطغي على أنفسنا “ثقافة القطيع”.
الوقفة الخامسة والأخيرة… مع أعضاء الكنيست.
مساء يوم الانتخابات وبعد نشر العيّنات اتصلوا بي من “راديو الشمس” لأدلي بدلوي تعليقا، فاعتذرت لأني ادعيت صادقا: “إني بعدُ لم أبلور فكرة”. وعلى الصبح يا فتّاح يا عليم وقد كنت نمت ملء جفنيّ، بدأت أسمع ال- “געוואלד” على أعضاء الكنيست، مثل؛ أن عليهم أن يستقيلوا فورا فهم يتحمّلون المسؤوليّة ووو… إلى أن بلغ الأمر بأحدهم أن حمّلهم مسؤوليّة نجاح نتانياهو. لا يا سادة يا كرام كلّنا نتحمّل المسؤوليّة عن نتائجهم ليس عن نجاح نتانياهو من “الكبير لل… في السرير”!
نتانياهو نجح كلّ هذه السنين بسبب التغيّر الديموغرافي الذي حصل في إسرائيل، ألا وهو ازدياد عدد اليهود الشرقيّين واليهود المتزمّتين، وثقافة القطيع السائدة بينهم، ولا يتّهمني أحد بالعنصريّة فلست كذلك، ولكن هذه حقيقة.
وفيما يخصّنا نحن يحضرني الحديث الشريف، وأنا العلمانيّ حتّى النخاع، والقائل: “كما تدينون تدانون كيفما تكونوا يولّ عليكم”. فأعضاء الكنيست منّا وفينا وأحزابهم رشّحتم ونحن انتخباهم فإن كانوا سيّئين فنحن كذلك. ومن ناحيتي أعرف من موقع من كان بينهم وفي دورتين، إن غالبيّتهم لا يألون جهدا في خدمتنا، علما أن الكنيست ليست مربط خيلنا ولن تكون، فلا يحسدنّهم أحد على هذا الموقع… واتّقوا الله فيهم!
** لقد درست النتائج في القرى الدرزيّة وسوف أعود إليها في وقفات أخرى، فهي تستحقّ وقفات.
سعيد نفّاع
10 نيسان 2019