لجريدة الغد الأردنيّة 6.2.2009
العرب في إسرائيل هم 18% من السكان ولكن قوتهم الإنتخابية لا تتعدى الـ 13% فنسبة صغار السن عند العرب أكثر منها عند اليهود، ورغم ذلك ستحافظ الأحزاب العربيّة بتياراتها الثلاث: القومي (التجمع)، الإسلامي (الموحدة) والشيوعي (الجبهة)على مقاعدها ال-10 من أصل مقاعد الكنيست ال-120، تتقاسمها الأحزاب الثلاثة سواسية وبقيّة قوة العرب ستذهب للأحزاب الصهيونيّة وامتناعا عن التصويت.
الخشية لدى الأحزاب العربية هو تدني نسبة التصويت بين العرب وارتفاعها بين اليهود كما تشير الدلائل نظرا للتنافس بين أحزاب متقاربة القوة، فارتفاع نسبة التصويت لدى اليهود بنقطة واحدة يستوجب أضعافها لدى العرب إن أرادوا الحفاظ على قوتهم البرلمانيّة، فالامتناع عن التصويت، مثلما ينادي البعض، هو عمليا من حيث ندري أو لا ندري الموافقة على الترانسفير السياسي، والذي بدا واضحا في محاولة منع التجمع والموحدة من خوض الانتخابات بدعم كل الأحزاب الصهيونيّة، ومثل هكذا ترانسفير هو مقدمّة لترانسفير جسدي .
تُخاض المعركة كما هو معروف في ظل العدوان الهمجي على غزّة، ولا يستطيع مراقب اليوم أن يقرر أي تأثير تركه العدوان على مشاركة العرب في الانتخابات، هل سيرفع نسبة المقاطعة أو سيستنفر الناس لبعض انتقام بتقوية التمثيل العربي؟ الإجابة على هذا السؤال ما زالت مبكّرة رغم قرب موعد الانتخابات، الأمر المؤكد أن الأحزاب الصهيونية لن تجني نسبتها المعتادة (30%) بين العرب.
بغض النظر عن ذلك، يجب النظر للعدوان من زاوية أخرى استراتيجية الأبعاد، فالعدوان على غزة وبهذه الهمجية التي اعتمدتها إسرائيل هو تعبير صارخ عن أزمة وعن مأزق يسودان الحركة الصهيونية بعد أكثر من مائة عام على تأسيسها، وهذه الأزمة وهذا المأزق كانا كذلك وراء المحاولة لشطب الأحزاب العربيّة ومنعها من خوض الإنتخابات، أي ممارسة ترانسفير سياسي على العرب.
ألمدرسة الصهيونية، ومن ثم وليدتها دولة إسرائيل، وضعتا وتابعتا استراتيجية محدّدة للتعامل مع العرب وذات شقّين، الأول: إقناع الفلسطينيين بأن قدوم اليهود إلى هذه البلاد هو نعمة وليس نقمة، ولقد استمرت هذه الإستراتيجية تجاه من تبقى من العرب في البلاد بعد النكبة. أما الشق الآخر: إما أن تقبلوا وجودنا كنعمة عليكم، ويصح هذا ليس فقط تجاه الأقلية العربية التي بقيت وإنما تجاه المحيط العربي بأسره، أو أنكم ستقبلون بقاءنا بالقوة، من منطلق ذهنيّة تعتقد أن العرب لا يفهمون إلا لغة القوة.
وقد تأتّى هذا الأمر للحركة الصهيونية بدء بالنكبة عام 1948 وانتهاء باجتياح لبنان ودخول بيروت العام 1982،
ولكن مأزق وأزمة الحركة الصهيونية ووليدتها دولة إسرائيل بدأا بدء في العام 1987 في انتفاضة الحجر للشعب الفلسطيني لا بل الطفل الفلسطيني وانتهاء بالعدوان الأخير على غزة، بسقوط مبدأ استعمال القوة لجعل العرب يقبلون وجودهما. ومن هنا تفسير همجية العدوان على غزة، حيث رأت الصهيونية أن استراتيجية التعامل مع العرب، بشقيها “النعمويّ” و”القوّتي”، قد فشلت فشلا ذريعا وذلك على المستويين الفلسطيني والعربي، وذلك برغم الزمن العربي الرديء.
ألأمر الآخر المهم في هذا السياق، أن الحركة الصهيونية أضحت أمام خيارين: إما المضي في اعتماد استراتيجية القوة مع العرب والفلسطينيين، والتي تم إفشالها عربيا وفلسطينيا، وهذا سيزعزع بيتهم الثالث ويقرّب نهايته (إذا صحّ أنهم بصدد بنائه) أو أن يقبلوا بما قدمه لهم العرب، مدعومين بكل العالم الإسلامي، مبادرة بيروت 2002 مبادرة السلام العربية.
حقيقة تاريخيّة أنه قد تبقى على هذه الأرض بعد النكبة 156 ألفا من الفلسطينيين، وعليه فقد كان السؤال المطروح علينا كما على الحركة الصهيونية، ماذا نريد نحن من بقائنا وماذا يريدون هم من هذا البقاء؟
لقد اعتبر هذا البقاء من وجهة نظر الحركة الصهيونيّة خطأ تاريخيا استراتيجيا لا يمكن أن يتم تصحيحه بالطريقة التي اتبعوها في العام 48، أي الترحيل. وعليه، تفتقت أذهانهم عن وجوب تدجين أو أسرلة هذه الأقلية الباقية، هذه هي الإستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل مع من تبقى من العرب، ولقد اعتقدوا أنهم استطاعوا تدجين العرب فعلا، حيث عززت اتفاقيات أوسلو يقينهم هذا.
هذا ما أرادته إسرائيل ممن تبقى من العرب، فماذا أردنا نحن؟
أولا أن نعيش، أي أن نمارس حقنا الإنساني الطبيعي في العيش، نتعلم ونتزوج ونقيم عوائل، وثانيا، وهو الأساس، أن لا يجري هذا بمعزل عن انتمائنا الوطني والقومي أو أن يجري كجزء من هذا الإنتماء ومن خلال حفاظنا على انتمائنا الوطني والقومي مع كل ما يترتب على ذلك. فالقضية ليست أن أحرص على أكل المجدرة وأن يتاح لي أن أتحّدث بالعربية كما يطرح ، بل إنني أريد أكثر من ذلك حيث أن لنا حقوقا جمعية ووطنية، ومن هنا جاء مشروع التجمع بـ „دولة المواطنين” كحل يضمن عمليا الناحية الحقوقية الإنسانية من خلال المحافظة على الإنتماء الوطني والقومي وليس بمعزل عنه.
في هذه السياقات دارت وتدور معركة الانتخابات، ومشاركتنا فيها نحن التيار القومي هي استغلال أو استثمار آلية نحقق من خلالها بعض حقوقنا الحياتيّة ولكن من خلال حرصنا على انتمائنا الوطني وهويتنا القوميّة، ومساهمتنا في معركة شعبنا الفلسطيني بإحقاق حقّه بناء على ثوابته الوطنيّة وفوق كل الانقسامات.
النائب المحامي سعيد نفاع