تموز 2007
في الأيام الأخيرة وفي جو احتفالي ملوكي أقسم رئيس الدولة التاسع شمعون بيرس يمين الولاء أمام الكنيست، وبتغيَب غالبية أعضاء الكنيست العرب، وبعض أعضاء الكنيست المتدينين المتشددين الأشكناز.
رئيس الدولة في إسرائيل منصب رمزي تكاد لا تكون له أية صلاحية تذكر، إلا في الطقوس. ويقال، وللقول أساس، أن مقيم الدولة بن غوريون رئيس وزرائها الأول وصحبه استحدثوا المنصب حينها ليبعدوا أو يكافئوا غريمهم في الحركة الصهيونية حاييم وايزمان رئيسها الأول.
المراقب أو الإنسان العادي غير العارف ببواطن الأمور الإسرائيلية وخصوصا في الغرب وبين العرب، يظن وكأن إسرائيل انتخبت رئيسا كونه حاصلا على جائزة نوبل للسلام سيمهد الطريق للسلام المنشود لدى طيَبي النفوس، وسيأتي الرئيس الجديد بما لم تأته الأوائل.
رصيد هذا الرئيس كغيره من رؤساء إسرائيل وساستها مليء بخدمة المشروع الصهيوني الذي لم يتطور يوما إلا على حساب المشروع الوطني الفلسطيني والقومي العربي وبكل الوسائل الغير مشروعة، ولم تخل دربه يوما من الدم الفلسطيني والعربي عامة، ولعل البعض نسي دماء أطفال قانا اللبنانية سنة 1996 في حرب عناقيد الغضب التي قادها الرئيس المنتخب كرئيس وزراء حينها، لولا أن دماء “أترابهم” عادت في حرب تموز لتذكر من في ذاكرته خلل.
أعضاء الكنيست المتدينون المتشددون الأشكناز لم يشاركوا سابقا حتى في انتخاب الرئيس، أما في الفترات اللاحقة فقد غيروا الموقف، لكن مشاركتهم تقتصر على التصويت ليس إلا ، بمعنى أنهم لا يشاركون في كرنفال الاتصالات التي تسبق الانتخاب وحتى بعضهم لا يشارك في كرنفالات “التتويج”، كل ذلك من منطلق موقفهم من الصهيونية التي يرونها منقوصة الشرعية لاستباقها للدولة “المشيحيّة”، ومن منطلق ما يرمز إليه هذا الموقع.
التمثيل العربي في الكنيست وأقصد المستقل منه، الحركة الإسلامية والتجمع الوطني وشبه المستقل الجبهة الديموقراطيّة، يشتمل في داخله حتى عند الذين يرون جوهر الصراع قوميّا، على تناقض لا يخل القبول به من انتهازية أو بعضها على مذبح البراغماتيّة المتمثلة بالواقع المعاش. بالنسبة للجبهة والإسلامية وحلفائها ليس الأمر ذا بال فالأمر محسوم بقبول الدولة الإسرائيلية مبدئيا على ما هي في نظر الصهيونية ونظرتها للوجود أو على الأصح للبقاء الفلسطيني فيها وما له وما عليه، ويقتصر العمل على تحسين الأوضاع لهذا الوجود راضين بالديموقراطية المشروطة وفي بعض الحالات أكثر من ذلك راضين بإسرائيلية منقوصة، لا يمكن أن يشفع لها الحفاظ على المزايا والصفات الوطنيّة والقوميّة، يعملون على استكمالها بالحقوق المدنية المتساوية التي لا يمكن أن تحصل يوما،ولنا في السنين الماضيات البيَنة، في دولة تعرف نفسها “يهودية” وإن أضافت لذلك صفة “الديموقراطية”.
بالنسبة لهذه القوى، المشاركة في انتخاب رئيس الدولة، هذا الرمز من رموزها، أمر طبيعي لا فرق بينه وبين المشاركة في الانتخابات العامة للكنيست. ولذلك رأينا وسمعنا أحد أعضاء الكنيست من هذه القوى يرد على الوزيرة روحاما أبراهام التي استغلت ردها على اقتراح حجب ثقة قدمته كتلته لتهاجم النواب العرب لغيابهم عن طقس تتويج الرئيس: “لقد صوتنا له وكنا عند محمود درويش”!
بالنسبة للتجمع الوطني الديموقراطي ليس الأمر بهذه البساطة، والتناقض القائم بين عدم القبول بالتعريف الصهيوني للدولة والقبول بالتمثيل البرلماني في “كنيسيتها” ليس سهلا على الفهم وما هو أمر مفروغ منه رغم التفسيرات التي رافقته وبرَرته، وهي صحيحة جزئيا لما فيها من براغماتية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بين البراغماتية والانتهازية شعرة. هذا التناقض من المفروض ألا يكون قائما، في حال المشاركة في انتخاب رئيس الدولة أو المشاركة في تتويجه فالرئيس ليس أداة تنفيذيّة يمكن استغلالها منبرا إنما أداة رمزية، فلا يتخلل مثلا افتتاح الكنيست ما يتخلل التتويج من مراسم، كأن يهتف مثلا أعضاء الكنيست: “يعيش رئيس دولة إسرائيل”!
لذلك جاء رد التجمع على الوزيرة أبراهام واضحا: “الرئيس يرمز لدولتك اليهودية الغير ديموقراطية، ولهذا لم يشارك من لم يشارك من النواب العرب حفل التتويج”!.
نهاية وإن كان هذا هو الموقف الذي يجب أن يكون، وحتى لا نكون كالمتجمّلين، لم تكن هذه بوصلتنا في كل مراحل انتخاب الرئيس، وكوننا ندّعي وبحق التميّز، وبكل تواضع، في قضايا هي في صلب كينونة هذه الدولة وكينونتنا فيها، علينا أن لا نضيّع هذا التميّز البوصلة.
النائب المحامي سعيد نفاع