أيلول 2010
الفرزدق وجرير!
من منّا وحتى حسب المنهاج الدراسيّ الإسرائيلي، لم يتعلّم عن الفرزدق وجرير ومعلقاتهما الهجائيّة الواحد في الآخر. كان الفرزدق إذا هجا جريرا قابل نسبه بنسبه وجبنه بشجاعته وبخله بكرمه، حتى يقول:
أولئك آبائي فجئني بمثلِهم……إذا جمَعتنا يا جريرُ المجامعُ.
وفي مكان آخر يهجوه قائلا:
يا ابنَ المراغةِ كيف تطلب دارما……وأبوك بين حمارةٍ وحمارِ
وإذا كلابُ بني المراغةِ ربّضت……خطرتْ ورائي دارمي وجماري
ولم يكن جرير طبعا أقل قدرة وهو الذي قيل عنه: كان إذ ينحت الفرزدق في صخر فيغرف هو الشعر من بحر، فمن قوله في الفرزدق:
فغضّ الطرفَ إنك من نميرٍ……فلا كعبا بلغتَ ولا كلابا
وهو القائل في قوم الفرزدق:
قوم إذا ضُرب الحذاءُ بوجههِم……صاح الحذاءُ بأي ذنبٍ أُضربُ
ولكن المهم عندما توفي الفرزدق رثاه جرير قائلا:
لعمري لقد أشجى تميما وهدّها على نكباتِ الدهر موتُ الفرزدقِ
عشيّةً راحوا للفراقِ بنعشِه إلى جدثٍ في هوةِ الأرضِ مُعمّقِ
لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي إلى كلِّ نجم في السماءِ مُحلّقِ
ثوى حاملُ الأثقال عن كل مُغرِم ودامغُ شيطانِ الغَشومِ السَّملَقِ
عمادُ تميمٍ كلِها ولسانُها وناطقُها البذّاخُ كلَّ منطقِ
فمن لذوي الأرحامِ بعد ابنِ غالبِ لجار وعانٍ في السلاسل موثَقِ
ومن ليتيم بعد موتِ ابنِ غالبِ وأمِّ عيالٍ ساغبينَ ودَرْدَقِ
ومن يطلق الأسرى ومن يحقن الدمَا يداه ويشفي صدر حرانٍ مُحنَقِ
وكم من دمٍ غالٍ تحمل ثقلَه وكان حمولاً في وفاءٍ ومَصْدَقِ
وكم حصنُ جبار هُمامٍ وسوقةٍ إذا ما أتى أبوابَه لم تُغلقِ
تُفتح أبوابُ الملوك لوجهِه بغير حجاب دونَه أو تملّقِ
لتبك عليه الإنسُ والجن إذ ثوى فتى مُضرٍ في كل غربٍ ومشرقِ
فتىً عاش يبني المجدَ تسعينَ حجّة وكان إلى الخيرات والمجد يرتقي
فما مات حتّى لم يُخلِّف وراءه بحيّة واد صولة غير مُصعِقِ
أولا “سقا الله أيام زمان”!
وثانيا ما أعادني إليهما هجّاؤو آخر زمن مذكرينني ب”شويعريي” زمانهم إذ كانوا يهجونهما متطاولين لعلّ أحد منهما يلتفت إليهم فينالون سمعة لا يستحقونها فلم يلتفتا، فاندثر هؤلاء إلا واحد تقمّص على ما يبدو، اسمُه: حمّاد الحاج بن بدران!
ولا توقفني عزيزي القارئ في محطّة أخرى لأسرّ لك في أي مكان وجدت اسمه!
ال”حزبجيّون”!
وُجدت الأحزاب كأدوات لتأدية أهداف فكريّة و/أو سياسيّة و/أو اجتماعيّة، لا لأن تكون هي الأهداف، وعندما تتحوّل إلى أهداف بحدّ ذاتها تتهاوى، ولنا في الأحزاب الشيوعيّة في المنظومة الاشتراكيّة البيّنة ولنا في الأحزاب القوميّة في العالم العربيّ بيّنة، لأنه ركب على هذه وتلك مع الوقت “حزبجيّون”.
أمّا الفارق بين الحزبيّين والحزبجيين فهو الفارق بين أن يكون الحزب أو لا يكون، فالحزبيّون هم المنتمون للأحزاب فكرا وممارسة بغض النظر عن أي مقابل ماديّ، وهنالك الذين ينالون مقابلا ماديّا وبحق، وهنالك الذين حزبيتهم وممارستها مرتبطة ترابطا طرديّا بالمقابل الماديّ وهؤلاء هم “الحزبجيّون” ما أن تفنى الغنائم حتى يفنون.
قيادات الأحزاب عادة وبحكم ظروف موضوعيّة تتشكّل من أناس لا مقابل مادي لمواقعهم وآخرون بمقابل مادّي وهذا طبيعيّ، ولكن غير الطبيعي يبدأ عندما يُوجد أو يتحول بعضٌ منهم إلى موظفين مع امتيازات يصير همّهم الحفاظ على مواقعهم فيصير أولاء الأكثر رفعا للشعارات الرّنانة والتغنّي بها و”الأحرص” على مصلحة الحزب “الضيعة” فلا يطول الوقت حتى تراك أمام “الضيعة وكفّك عليها” وتندثر هجائياتهم كما يندثرون.
سعيد نفّاع
أيلول 2010
ملاحظة لم تكن في الأصل: أوائل العام 2010 قرّرت اللجنة المركزيّة للتجمّع الوطني فصلي من الحزب، وللذكرى والتاريخ تمّاما أيّام قليلة قبل أن تقرّر لجنة الكنيست رفع حصانتي لتقديمي للمحاكمة على خلفيّة مشروع التواصل.
وشنّ عليّ أعضاء قياديّين في التجمّع وبتعليمات وتوجيهات من “القيادة العليا” هجومًا مكتوبًا فرأيت أن أرد بهذه الطريقة.