شباط 2007
“ابتليت ” الحركة الصهيونية بعد قيام الدولة بصمود اقلية فلسطينية في البلاد ، اعتبرتها سرطانا بكل ما يعنيه هذا الاعتبار من مدلولات . الكثير من القادة الصهيونيين عبروا عما يدور في خلد الكل وبشكل علني وآخرهم احد اعضاء الكنيست قبل ايام . على ضوء ذلك دأبت المؤسسات خصوصا الظلامية منها على التفتيش عن طرق واساليب لمداواة جسم الدولة من هذا “السرطان”، خصوصا وان اجتثاثه لم يتأتى .
الحد من هذا ” البلاء ” جعل الدولة بكل اجهزتها تمارس العديد من الخطوات الّا-إنسانية على اقل ما يمكن ان يقال فيها ،أهمها :
1 . التعامل مع هذه الاقلية كمجموعة اقليات لا روابط بينها .
- قطع مصدر لقمة عيشها المستقل بمصادرة الأراضي ، لجعل لقمتها رهنا بيد الدولة ومؤسساتها .
- تضييق سبل العيش إلا اقلها .
كل ذلك عبر فرض حكم عسكري لم يدخر وسيلة بطش ، فالكل متاح ؛ اعتقال لأتفه الاسباب ، ابعاد ،اقامات جبرية ، الطرد من العمل والقائمة طويلة .
الاخطر من كل هذا والذي يجىء في الباب الاول فرض سياسة العدمية القومية عبر محاولة ” تدجين ” هذه الاقلية بأسرلتها ،عبر المؤسسة العسكرية التي اعتبرتها الحركة وما زالت ؛ فرن التماهي الاساس للطوائف اليهودية ،وهذا الفرن يمكن ان يستعمل كذلك للعرب بحدود معينة كأسرع واقرب وسيلة لأسرلتهم والحد من مخاطر وجودهم بين ظهراني الدولة. تفتقت الذهنية الصهيونية عن فكرة تأسيس وحدة عسكرية للأقليات كثيرة المغريات جندت في صفوفها كل المتعاونين ، واتبعتها لوزارة الخارجية ليس ” الدفاع “! لم تستطع هذه الوحدة وعلى مدى سنوات ان تكون فرن التماهي المرجو، وكان لا بد اعتقادا بصحة المبدأ من تعديل التخطيط ، وبدأت تحاك في الخفاء مؤامرة فرض التجنيد الاجباري على بعض قطاعات هذة الأقلية، فاختيرت اقليات الاقلية ؛الدروز، الأرثوذوكس والشركس المسلمين غير العرب.
قانون التجنيد الالزامي الاسرائيلي الذي سن سنة 1951 اقر ان كل مواطن اسرائيلي ملزم بالخدمة الإلزامية ، وخوّل الحكومة اعفاء افراد او مجموعات من منطلقات دينية او قومية او ما شابه .الحكومة اعفت كل الاقليات وبضمنهم العرب من الخدمة الالزامية ظانة ان الفرقة الطوعية التي اقامتها كفيلة في المرحلة اياها ان تفي بالمطلوب لمخططاتها تجاه العرب داخليا وخارجيا. لكن هذا لم يأت المرجو كما سلف، فلم يقدم الشباب العرب على التطوع بما يلبي نوايا السلطة، فبدأت مؤامرة فرض الخدمة على بعض الشرائح.
تم للسلطة ذلك على العرب الدروز والشركس واكتفت بفرق المتطوعين من بقية العرب، ليس طبعا بدون دعم ومساندة من اهل البيت، في تنفيذ المؤامرة اولا وقمع المتصدين ثانيا. لأسباب كثيرة موضوعية وذاتية تم للصهيونية ما ارادت ،وعلى مدى العقود التي تلت اتت المؤامرة ثمارها ،دقت الاسافين وثبتت ،واعتبرت الاقلية العربية القضية خاصة بالشرائح التي طالتها المؤامرة ،وعلى ضوء الهموم الحياتية الصعبة والتي دأبت السلطة ان تبقيها كذلك ،وعلى ضوء الدعاية التي روجت وبنجاح كبير وكان المجندين هم من ارادوا ذلك لم تحظى القضية على مكان متقدم في جدول النضال العربي ،وبقيت هم ومهمة قوى هذه الشرائح الوطنية دون ان تحصل هذه على الدعم والسند المطلوب اللهم بعض التعاطف والضريبة الكلامية من بعض الاحزاب.
اما ظاهرة التطوع التي كانت تسري بين ظهرانينا تغذي وتتغذى من التجنيد لم نعرها الاهتمام المطلوب، بل وتجاهلناها وقللنا من حجمها وفي الكثير من الاحيان على طريقة النعام ،فسرت سريان الميا ه من تحت “بسطنا” تجمعت برك آسنة لم تضايقنا روائحها الا بعد ان قاربت ان تخنقنا وصار لا بد من تصريفها .
القوى الوطنية القومية العربية الدرزية ممثلة ب”ميثاق المعروفيين الاحرار” وبحكم قربها من الموضوع، وفي لقاء التواصل القومي الذي عقدته في عمان آب 2001 ، وضعت القضية في السياق الصحيح الآتي : “التجنيد الاجباري والتطوع جانبين لعملة واحدة مصكوكة في معمل واحد وقضية كل عرب الداخل”. ومطلوب علاجها في هذا السياق والسبيل هو عقد مؤتمر وطني قومي لبحث سبل التصدي، وقبل فوات الاوان.
هذا القرار ظل غير قابل للتنفيذ ولم تسعف القوى الوطنية الدرزية نداءاتها المتكررة لعقد مثل هذا المؤتمر والانكى من ذلك ،ان بعض القوى الوطنية اعتبرت الامر مبالغة في احسن الحالات والاشد نكاية اعتبرت النداء تبريرا وتغطية على تجنيد الدروز،الى ان فاضت البرك الآسنة بتقرير لجريدة “هآرتس”مؤخرا جاء ليظهر ان نداءات القوى الوطنية الدرزية ليس فقط لها ما يبررها،انما ليظهر ان المعطيات التي كان يسوقها “الميثاق”هي اقل بكثير من الواقع ومن مدى تفشي هذا هذا السرطان في جسم الاقلية العربية في البلاد.فمثلا عندما ابرز “الميثاق” اقوال القائد العام للشرطة في مقابلته في جريدة “معريف “قبل اكثر من سنة بمناسبة انهائه مهامه، عن آلاف المتطوعين العرب في الشرطة الجماهيرية لم يعر احد هذا الكشف وابعاده الاهمية المطلوبة ،لكن بعد ان تناولت “هآرتس” الموضوع كاشفة ان الكلام يدور عن 7000 متطوع في الشرطة الجماهيرية فقط ،عدا الخدمة الوطنية والاذرع الاخرى ،خالصة الى الاستنتاج ان الامر يشكل نجاحا باهرا للاسرلة.اضاء هذا الضوء الاحمر وهذه المرة غامقا زاهيا ولكن قاتما بطبيعة الحال،فاستفز العديدين من حملة الاقلام وبدا الموضوع يدخل جدول اعلام الراي العام العربي بوتائر اعلى ، وما نتائج تفجير المعسكر الاحتلالي في رفح مؤخرا الا تاكيد آخر لمن ما زال يتصرف تصرف النعام في هذا الموضوع،ودفع للتفتيش عن طرق لتصريف هذه البركة الآسنة قبل ان تغرق الاخضر واليابس.
ما من شك ان همنا الاساس في وطننا هو ليس فقط الحفاظ عليه انما الحفاظ على هويتنا الوطنية وانتمائنا العروبي، وهذا بالذات الذي لا تالو الصهيونية جهدا في ضربه عبر تقسيمنا في همومنا وفي تطلعاتنا، فالتجنيد الاجباري والتطوع هما همنا الواحد جميعا مثلما نحن ابناء للشعب الواحد جميعا، بغض النظر عن شكل الجريمة المرتكبة في حق كل منا . التجنيد الاجباري والتجند الاختياري هما الوجه الابرز لأسرلتنا ، وهذا اخطر الهموم .لذلك يجب الا ننقسم في التصدي لكل ما يضرب تطلعاتنا الواحدة .
النكبة كانت مثلما الهزات الارضية له ارتدادتها الكبيرة منها والصغيرة ،وما زلنا نعاني من تلك الارتدادات ،وهذا الارتداد الذي نحن بصدده اليوم ربما أخطرها ويتطلب ان نحشد له كل قوانا والاهم متراصة موحدة بغض النظر عن اختلاف الاجتهاد لنلتام في” مؤتمر وطني قومي”للتصدي لهذا الارتداد وقبل فوات الاوان.
المحامي سعيد نفاع_
رئيس ميثاق المعروفيين الاحرار
شباط 2207