الخدمة الوطنيّة للعرب تقرير لجنة عبري

كانون الثاني 2007 – يقع هذا التقرير الذي جاء تحت عنوان “توصيات مرحلية”، والمقدم الى رئيس الحكومة، وزير الامن ووزير الرفاه في 15 صفحة، وهو يفصّل المبنى المقترح من حيث الهيكل وتدريج الصلاحيات، للسلطة التي ستتولى تنفيذ مشروع “الخدمة المدنية”. وهو تقرير يتحدث بلهجة الأوساط وليس المواطنة، ولا يتعامل مع القضية بأدنى المفاهيم المدنية. وهذا ما يفسّر لماذا جاء كما جاء، إذ أن العقلية والتصور فرضت النتائج.

 

لقد ضمت اجزاء التقرير العديد من الشروحات الادارية عن مركبات الاجسام المقترحة للمشروع، وسنكتفي بالإشارة إلى، واقتباس، أهم النقاط، وتقديم خلفيات موجزة لها متى أمكن. ولكن قبل ذلك يجب أن نشير الى أن التقرير يتعاطى مع “الخدمة القومية” و”الخدمة المدنية” بنفس واحد تقريبًا، على الرغم من فصلهما الشكلي، وهو ما يتجلى في العرض وفي الاستنتاج والتوصية على السواء.

 

يبدأ التقرير بتحديد المبادئ الأساس للمشروع، وفيها تأكيد لطابعه الرسمي رغم الحديث عن استقلاليته. واللافت للانتباه هنا هو تأكيد معديه على اعتمادهم منطلق: “النجاعة والمرونة، من خلال الاستناد الأكبر في الموارد على مصادر غير حكومية”. فمنذ البداية “تحرر” الحكومة نفسها من تكاليف ما تنسجه. ويرتبط هذا المبدأ الموجّه مع التوصية الصريحة بأن تخصص الحكومة سنويًا 10 ملايين شيكل لمشروعها كميزانية جزئية، إذ أن العبء الأساس سيقع على كاهل الجمعيات التي ستقام كشريكة في إدارة المشروع وأيضًا على المؤسسات التي ستستوعب المتطوعين..
وقد جاء هذا صراحة في فصل “الميزانية والادارة”، حيث يكتب معدو التقرير: “تؤكد اللجنة ان الاجسام التفعيلية ستكون مطالَبة بالمساهمة في تمويل التكلفة المباشرة لمن يؤدون الخدمة، والمقدرة بـ 20 الف شيكل سنويا مقابل كل شخص”. ومن غير الواضح هنا إن كان المقصود هو أن يتم إلزام المؤسسات التي سيتم التطوع فيها للأشخاص الذين يتطوعون، مما يلقى علامة استفهام كبيرة على معنى هذا التطوع. فهل سيُطالب مستشفى ما بتحمل تكاليف المتطوعين، وما الذي سيدعوه لذلك في ظل الأزمة الخانقة التي يعاني منها قطاع الصحة، بسبب السياسة المدمّرة التي تنتهجها نفس الحكومة التي تقترح هذا التطوّع العجيب!

 

وبالطبع فإن مثال الصحة ينطبق على كل القطاعات الاجتماعية التي يمكن افتراضها عناوين للتطوع. وممّا يمكن استشفافه، فإن اعفاء الحكومة لنفسها (من خلال ميزانية الدولة) من تغطية كامل تكاليف المشروع المفترض، هو أمر يقول الكثير.. ليس أقله ان المشروع سيساعد مؤسسات قوية أصلا وهي قائمة في بلدات وبين شرائح قوية اقتصاديا، وهذا ما لا يشمل البلدات والمؤسسات العربية! فأين يخططون للشباب العربي “التطوع”؟!

 

بالإضافة فإن واحدا من بين المبادئ الأساس التي وجّهت واضعي التقرير، كما يكتبون، هو “الحفاظ على أفضلية وأولوية الخدمة العسكرية الالزامية”، وهنا يُثار السؤال حول صحة تلك الوعودات التي قد يسمعها الشبان من “فوائد الخدمة”. ويزيد من التشكيك ما ورد صراحة في بند آخر منفصل. وقد جاء فيه: “ان اللجنة تتبنى النظام السائد بشأن حقوق من يخدم في الخدمة القومية والامتيازات التي يستحقها، والموازية للحقوق والامتيازات المعطاة للجنود من الوحدات غير المقاتلة. وهي (اللجنة) توصي بسريانها على من يخدمون في الخدمة القومية والمدنية من الآن فصاعدًا”. وتكتسب هذه النقاط أهمية، لا بل خطورة، في ظل الرسم الذي أُلحق بتقرير التوصيات والذي يقسم مجموعات الخدمة الى “وطنية” وأخرى “مدنية” بحيث يضع العرب في الثانية. ويمكن الإدعاء ان العرب سيكونون هنا في الدرجة الثانية، وسيصبحون في الدرجة الثالثة إذا اخذنا بالاعتبار ان فوق هاتين الخدمتين (القومية والمدنية) هناك الخدمة العسكرية، التي يدعو التقرير الى ابقائها ذات “الافضلية والاولوية” الاولى!

 

وما سلف يناقض الادعاء الوارد في التقرير، بأن التوصيات من شأنها خلق “التسوية بين مبدأ المساواة والواجبات المدنية المرافقة لها، وبين المشكلة القومية الموضوعية التي تمنع تجنيدهم للجيش”. فحتى في حال جرى جرّ شبان وشابات عربًا الى مشروع الخدمة هذا، سيظلون خُدّامًا من الدرجة الثالثة. وهو ما يناقض مفهوم المساواة بالشكل الذي تفهمه وتطالب به الجماهير العربية. ونشير هنا الى ذلك الاشتراط المفهوم ضمنًا لحق المساواة بتقديم خدمات، يتعارض مع الديباجة الاساسية لكل مواثيق حقوق الانسان التي لا تشترط الحق بأية واجبات لدولة، كون حقوق الانسان (وبينها الحق في المساواة) كونية وأساسية لا يسبقها أي اشتراط. ولكن غني عن القول ان المؤسسة لا تخاطب الجماهير العربية بهذه اللغة، بل بمفاهيمها هي عن المساواة وكأنه سلعة يجب أن يُفع مقابلها للحصول عليها.. ومن يعلم، ففي دولة يُخَصخَص فيها كل شيء، لماذا تبقى حقوق الانسان خارج منطق السوق؟!

 

في بند “الوسط العربي” يقول التقرير: “اللجنة توصي بفتح… إطار الخدمة المدنية لأبناء وبنات الوسط العربي… بهدف ايجاد بديل للخدمة العسكرية لهم، و (توصي) بإقامة إطار بديل يسمح للشباب العرب بخدمة الجمهور والمجتمع والدولة معًا”.

 

وحتى نفهم كيف يمكن تقديم هذه الخدمات “معًا”، يجب أن نقرأ.. نقرأ التقرير الذي يعلن أنه يتبنى توصيات “لجنة لبيد” (نسبة الى وزير القضاء السابق يوسيف لبيد) التي شكلتها الحكومة لتنفيذ توصيات “لجنة أور”. وهي (توصيات لبيد) شملت بندين مرتبطين كالتالي:

 

  1. تقوم الحكومة بدفع فكرة انشاء خدمة قومية رسمية مدنية، يقوم بها مواطنو اسرائيل الذين لا يُستدعون الى الخدمة العسكرية. هذه الخدمة يمكن القيام بها تطوعًا وفي إطار جمهورهم كمرحلة مبكرة.

أما البند الثاني مباشرة بعد “المرحلة المبكرة” المذكورة فيقول بالحرف:

  1. الحكومة ستشجّع امكانيات توسيع دائرة المتطوعين من أبناء الوسط العربي الى الجيش، شرطة اسرائيل وأطر اضافية، وتفحص الطرق لدفع خطوات التطوع هذه”.

 

ومع أن البندين صريحان بشكل “يثير الإعجاب”، فيجب اعادة التأكيد هنا على ان التقرير يقول صراحة انه يرى في “الخدمة المدنية” خطوة أولية أو “مبكرة” كما يصفها، بحيث تسبق الهدف المعلن للحكومة وهو استعمال قاعدة التطوع هذه لفرض الخدمة العسكرية بالإغراء والترغيب، وتجنيد الشباب العرب للشرطة و”أطر إضافية” (ما هي هذه “الأطر”؟!)

 

هذه النقطة الاخيرة بشأن نوايا الحكومة المعلنة ترتبط بما توصي به اللجنة بوضوح، وهو ما يُشتق من “رسمية” المؤسسة التي يراد لها ادارة هذا المشروع الحكومي. ففي الحديث حول “المجلس الجماهيري” الذي جرت التوصية باقامته ليكون الجسم صاحب الصلاحية العليا، توصي لجنة عبري بأن يضم المجلس 25 عضوا “يعيّنهم رئيس الدولة، حسب توصية الحكومة”.. بين هؤلاء الأعضاء:

10 شخصيات جماهيرية “تختارها الحكومة”.

4 ممثلين للحكم المحلي.

و-11 ممثلا للحكومة مباشرة، عن الوزارات المختلفة ومكتب رئيس الحكومة، بمن فيهم “ممثل لوزارة الأمن أو الجيش”.

 

ومن الواضح هنا أن القرارات والسياسات ستكون سلطوية حكومية بحتة. فليس فقط ان هناك 11 ممثلا مباشرًا للحكومة، بل ان قائمة الشخصيات الجماهيرية المذكورة ستضعها الحكومة بنفسها. وكل التركيبة النهائية بمن فيها ممثلو الحكم المحلي ستخرج من طاولة الحكومة. إذن، من الواضح أن العنصر المدني الذي يفترض أن يترك مساحة للمجتمع والجمهور لصياغة اولوياته بعيدا عن اعتبارات السلطة بكل ما تعج به من معايير واعتبارات فوقية وحزبية ومصلحيّة وغيرها، هي مساحة تكاد تكون معدومة. أي أن المشروع الذي يختبئ تحت التعريف “المدني” إنما يواصل تضييق المساحات المدنية ومصادرتها.

ومما يؤكد ما سلف هو ما جاء حرفيًا في مكان آخر في التقرير: “بما أن المبنى الدستوري القائم في دولة اسرائيل لا يتيح اقامة سلطة الخدمة المدنية كسلطة (Agency بالمعنى المتعارف عليه في النظام الامريكي) مستقلة تمامًا، فقد فحصت اللجنة البديل ووجدت انه من المفضل الحاق معالجة موضوع الخدمة المدنية بمكتب رئيس الحكومة”. وتشير هنا الى ان ممثل وزارة الرفاه يعارض هذا التوجه ويطالب بإلحاق الخدمة بوزارته. ومن غير المعروف ما هي الاعتبارات التي اعتمدتها اللجنة ضد هذا الموقف. ولكن من الممكن أنها الاعتبارات الأمنية المعهودة. وهي نفس الاعتبارات التي قامت عليها هذه الخدمة “المدنية” التي يجري الاعتراف في التقرير الرسمي بشأنها صراحة أنها ليست سوى الرافعة للمرحلة القادمة التي ستشجّع فيها الحكومة “توسيع دائرة المتطوعين من أبناء الوسط العربي الى الجيش، شرطة اسرائيل وأطر اضافية”. لا حاجة لأي تعليق على هذا الاقتباس الصريح.

استعراض – سعيد نفّاع

كانون الثاني 2007

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*