وقفات على المفارق مع العنف

المعركة ضد العنف وفي عقر داره وطنيّة بامتياز

تشرين الأول 2017

هذا ما كتبت تماما قبل سنة، وليغفر لي المحرّر إذ أعيد النشر والقارئ إذا كان قد أقرأ!!!

 

الوقفة الأولى… العنف وشكل وجودنا.

 

فقط أعمى البصر والبصيرة هو الذي لا يرى أن العنف هو جزء من معركة المؤسّسة على شكل وجودنا كأقليّة وطنيّة قوميّة في بلادنا، ولكن هذا لا يعفينا، ولا بأي شكل من الأشكال، عن تحمّل مسؤوليتنا الذاتيّة والبحث عن مصادره في جذورنا، ولا من أن نقرّ وعلى رؤوس الأشهاد أن العنف هو جزء وبتأثير من موروثنا وبكلّ مركباته، والذي يجب أن يُشذّب وبشجاعة.

فيما يتعلّق بالمؤسّسة، يجب أن نذوّت أن مجرّد بقائنا في بلادنا هو “مثل عمى عينيها”، ولكنها تدرك أن وجودنا الكينونيّ حُسم، فلا قهر ولا تهديد بترحيل ولا كلّ ما تفتّق ذهنها عن مخطّطات وما سيتفتّق عنه، بقادرة على وجودنا هذا، وهذا يؤرّقها، ولذا فيجب ضرب شكل هذا الوجود، والعنف أداة جيّدة لتشويه هذا الوجود، وحين يتفشّى ف- “كمن يحكّ لها على بيت جرب”، وبالذات إذا جاء من موروث نحن أصحابه، ويهاب من هم مطالبون منّا أكثر من غيرهم في التصدّي لما في هذا الموروث من عاهات.

 

الوقفة الثانية… العنف عنفان والجذور واحدة.

 

العنف الإجراميّ “الصافي” وهذا فرديّ، القتل والسطو والاتجار بالمخدّرات وتعاطيها وما شابه، آفة في كل المجتمعات البشريّة و استفحالها ومحدوديتها منوطين بتقدّم وتطوّر تلك المجتمعات ثقافيّا، ولكن بغض النظر ففي هذا السياق تتحمّل المؤسسات الرسميّة المسؤوليّة الكبرى، في سياقنا الدولة وأذرعها.

غير أن هناك عنف إجراميّ “غير صافي” وهو الأخطر لأنه جمعيّ، ال-“طوشات” مختلفة الخلفيّات، والفساد، والقتل على خلفية ما يُسمّى شرف العائلة، وال-“زعرنات” على أشكالها بدءا بالسياقة وإتلاف الأملاك العامة والتسيّب، وغيرها. هنا يتحمّل المجتمع المسؤوليّة الكبرى، وعليه تقع المسؤوليّة وطريقه هي التفتيش عن الجذور وفقط حين يجدها يكون خطا خطوات إلى الأمام في كبح جماح هذا النوع من العنف.

أقليّتنا المستهدفة في وجودها على يد أعدائها تعاني من النوعين انتشارا، وتعاني من القصور الذاتيّ في مواجهة الآفتين وليس دائما عن عجز وإنما تهرّبا وعن سبق إصرار من تحمّل المسؤوليّة وعلى طريقة “إن ما طلعت الخبيزة الحق على السلطة” !

 

الوقفة الثالثة… وما أشبه اليوم بالأمس.

 

حين نويت أن أدلي بدلوي على ضوء الطَّوَفان في مظاهر العنف في الفترة الأخيرة، وجدتني أعود إلى أوراقي القديمة فوجدت اللاحق. وكان كُتب حينها ردّا على تهجّم كنت عرضة له من رفاق طريق على مشاركتي في مسيرة ضدّ العنف والحجّة أنه كانت شاركت فيها شخصيّات سلطويّة، ولذا فسجّل لي هؤلاء منقصة في “سجلّي العدليّ”.

حينها، وما أشبه اليوم بالأمس، كتبت:

“من منّا الذي “يخالط” الناس، يستطيع أن يشير إلى جلسة في مناسبة وأي كانت فرحا أو ترحا، لم يُطرح فيها موضوع العنف المستشري في قرانا وبلداتنا؟! من منّا لا يتخبط بالسؤال أنحن المسؤولون أم السلطة؟! أو ما هي حصتنا وما هي حصة السلطة في استشراء هذا الوضع؟ وما العمل؟!

 

صارت أيادي أهل الخير في هذه الأقليّة، لا تفارق قلوبهم كلما قرب موعد الانتخابات المحليّة وعلى ألسنتهم “الله يستر” و”الله يمضّي هاليوم على خير”، ومع هذا وما أن يمضي هذا اليوم حتى تعلو النيران من بيوت الناس، ويطير من أجفانهم النوم على صوت إطلاق الرصاص في الهواء وعلى البيوت وإلقاء القنابل عليها وعلى السيارات وإحراقها، وفقط لأن “أحمد” فاز في الرئاسة و”محمد” خسرها، ففي شعب وأبو سنان لم ينم طفل قرير العين ولا  اتّكأ عجوز هاديء البال منذ انتخابات المجالس في ال-10 من تشرين الثاني ال-2008 وحتى اليوم. (أواخر ال2009- الكاتب).

 

في الطيرة والطيبة والرامة واللد يُردى شباب قتلى في وضح النهار والأماكن العامة، وفي كفرياسيف ويركا تُستل الخناجر لامعة تحت نور الشمس لا تلبث أن تحمر من الدماء، وفي مجد الكروم تطلق النار في اتجاه الناس (14) رصاصة “بالكمال والتمام” وفقط لأن “الله ستر” لم تصِب أحدا، في المغار وعيلبون وعرعرة وحورة تثور غبار “البسوس وداحس والغبراء” ويسقط الجرحى كرامة للطائفة والحمولة والعائلة.

 

الشرطة التي تحشد الآلاف والقادرة على مواجهه أهل أم الفحم في احتجاجهم على تدنيس قدسيّة تراب بلدهم على أيدي مجموعة من المأفونين، وخلال ساعات تنجح في أن “تضبط الأمن”، يصيبها الشلل فتعجز عن ضبط الأمن في شعب وفي أبوسنان والمغار وعلى مدى أشهر (!).

 

غالبيتنا يسمع عن هذه الأحداث ويقرأ عنها وربما يطرحها في ندوة أو مقالة يعلل أسبابها ويطرح الحلول لها، لكن لقِلّتُنا قيّض أن تقوم بدور “المصاليح” حين اختلاط الحابل بالنابل وتصاب بالحجارة وأحيانا بعيارات ناريّة، فالذي أصيب بعيار ناريّ في المغار كان من “المصاليح”. لِقلّتنا قيّض أن توقظ في الليالي لوقف “طوشة” أو اعتداء، وواجهت هؤلاء “الأبطال” عن قرب وخاطبتهم وسمعتهم وأسمعتهم ونجحت في وقف أعمالهم وأحيانا في عقد “رايات الصلح” وأحيانا كان نصيبها إصابات جسديّة وفشل و-“البهدلة”.

 

قبل سنوات عقدت لجنة المتابعة مؤتمرا ضد العنف في أم الفحم، وأُسمِعت فيه المحاضرات والمداخلات ومن وعلى أعلى المستويات ولُخصت الاستنتاجات والخطوات المطلوبة، فهل قللّ ذلك من أعمال العنف؟

لا أقول ذلك استهانة، فالمؤتمرات والندوات والمحاضرات والأبحاث ومن ثم التثقيف وبالذات الوطنيّ الاجتهادِ منه، أمور هامة لكنها الوجه الواحد، أمّا الجانب الآخر المطلوب هو أن نتواجد بين هؤلاء وفي مواجهتهم، خصوصا في حالات “الطوشات” و- “الاعتداءات” طائفيّة كانت حمائليّة أو عائليّة، ودون اعتبار لوجود آخرين ربمّا يلطخونا بوجودهم أو يلطخون حتى المساعي، لا بل في الكثير من الأحيان وجودنا يسدّ الطريق على النوايا السيّئة إن وجدت.

 

فقط الذين عايشوا مثل هذه الأحداث يدركون أهميّة هذا التواجد وأهميّة ألا تترك الساحة حين احتدامها والأهم قبل احتدامها، لتواجد آخرين تزلفا أو حتى غرضيّا ولا تحكم تواجدهم الأبعاد الوطنيّة، وليس في أيدينا اشتراط وجودهم أو عدمه.

 

في المفاضلة بين وجودنا وعدمه، إن تواجد مثل هؤلاء، يجب أن تكون البوصلة أن تواجدنا هو جزء من عملنا الوطنيّ وبالذات نحن الذين نصْبو لسلامة أقليتنا القوميّة، فسلامتها أولا من نفسها وقبل سلامتها من أعدائها والمتربصين بها، وسلامتنا من سلامتها. فالمهم الرسالة التي نحمل والقول الذي نقول والمسعى الذي نسعى وليس المهم من يتصادف وجوده في مثل هذه الحالات، فأن يمنع تواجدنا أن تدخل شوكة قدم طفل من شعب أو من أبو سنان وأن تسيل منها نقطة دم أغلى وأرفع من كل المجالس، وهذا عمل وطنيّ من الدرجة الأولى، ومحاربة العنف في عقر داره هو الأهم وهو مهمّة وطنيّة بامتياز “تكعيب”(!)، ورحم الله أجدادنا إذ قالوا: “درهم عمل خير من قنطار وعظ” (!)- النائب المحامي سعيد نفاع.”… انتهى الأمس!

 

الوقفة الرابعة… مع اليوم.

 

ثلاثة وخمسون (53) ضحيّة ومنها ثمان (8) نساء هي “حصاد” العنف المباشر هذه السنة، هكذا تفيد الأرقام، ولا ضمان ألا يزيد العدد قبل أن ترى هذه الكلمات النور. أوليس ضحايا حوادث الطرق التي تصل ال%40 من مجمل الضحايا، على الأقل بجزئها وليدة نوع آخر من العنف، فإن أضفناها فنحن نتحدّث عن قرابة ال (200) ضحيّة؟!

اليوم أكثر من الأمس ونحن نحيي ذكرى هبّة أكتوبر وذكرى ضحاياها ال (13)، رغم الفارق الكبير، ألا يجب أن نسأل: هل من فوارق، بالنتيجة، بين عنف وعنف؟! وهل كلّ هذا قدر من السماء؟! ويظلّ السؤال الأهم ما العمل؟!

أنا من وجهة نظري أرى أن الخلفيّة موجودة هنالك في محلّ ما في موروثنا “الحضاري” بكلّ مكوناته ومصادره، ومع ذلك أترك سؤال “ما العمل؟!” مفتوح على مصراعيه، وليدخل فيه من يشاء ولكن المهم أن يدخل، خصوصا إذا كان ينتمي إلى “أكثريّة” ويتبوّأ مركز مسؤوليّة “نستحلي” أن  نسميه: قيادة!

 

سعيد نفّاع

أوائل تشرين أول 2017

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*