مع… “قراءة ما لا نحبّ”.
كانون الأول 2010
قال محدّثي: “إن لم نقرأ ما لا نحبّ فلن نتعلّم أبدا” لا أعرف من صاحب هذه المقولة ولم أسأل محدّثي عن صاحبها منعا للمسّ به وهو الذي لم ير أن يشير لصاحبها وأنا العارف أنه ليس بصاحبها، ولكنها وبغض النظر فهي فعلا تحوي بين أحرفها حكمة حكيم. نحن عادة نحبّ أن نقرأ ما نحب أو عُوّدنا أن نقرأ ما أرادوا لنا أن نحب لدرجة أن وجدنا أنفسنا بعد مدّة نجهل الكثير من الأمور حتّى البسيطة وفي مجالات شتّى.
خطر هذا ببالي وقد وقع تحت نظري مؤخرا اجتهاد صحافيّ يستكثر على القيادات وبالذات أعضاء الكنيست كتابة المقالات، لدرجة عُزي سبب الاستكثار هذا لفيض وقت عندهم متعلق بعدم قيامهم بواجباتهم الملقاة على عاتقهم بحكم مواقعهم.
ولكني حقيقة لم أفهم وأنا أحد هؤلاء السياسيين الذين يكتبون لماذا هذا الاستكثار ولماذا الاعتقاد أنّ ذلك يجيء على حساب الواجبات الأخرى. لقد تحيّرنا نحن أعضاء الكنيست أو على الأقل بعضنا ماذا نفعل، فإن تحدثنا في السياسة فتصير هذه تهمة مفادها “ملتهيين في السياسة وتاركين هموم الناس” وإن عالجنا هموم الناس وهذا يستحوذ على القسط الأكبر من مجهود الكثيرين منّا، فلا يُغطّى الأمر صحافيّا لأنه ليس “شعبويّ”.
وعندما يكتب أحدنا يصير الأمر من فرط “فضاوة”، استنفرني الأمر لأني كما قلت من هؤلاء الذين يكتبون ورحت أتساءل هل جاءت هذه التهمة من باب التأثير على مستوى المقالة كون السياسيين ليسوا أصحاب شهادات في الصحافة ؟ أم من باب “أتركوا لنا حقلنا وارعوا في حقلكم” ؟ أو من باب عدم حبنا قراءة ما لا نحب وبغضّ النظر عن الدافع؟
الله وأعلم!
ولكن ليس أكثر من السياسيين مطلوب منهم أن يكتبوا ففي نهاية الأمر كتاباتهم هي مرآتهم ومن المهم أن يروا بين الفينة والأخرى أنفسهم بالمرآة وليس فقط لضرورات شدّ ربطة العنق، ورغم أن أكثر ما يقضّ مضجع كل كاتب وفي أي مجال، هو السؤال الذي يراوده مع كل جرّة قلم: لمن أكتب وهل ما أكتب يستحق القراءة وهل من يقرأ وليس بالضرورة لتوك في القاريء ؟ وكم بالحري إذا كنت أكتب ما لا يُحَبّ خصوصا إذا كان بعيدا عن الشعوبيّة أو خارجا عن السياق أو لا يعجب هذا المحرر أو ذاك !
كلّ ذلك لا يحطّ من الحكمة الكامنة في مقولة محدّثي “إن لم نقرأ ما لا نحبّ فلن نتعلّم أبدا” وهذا طبعا لا يعني أن نكفّ عن قراءة ما نحبّ فبالاثنين معا يكمل تعلّمنا!
مع… “أيام زمان وشادي الريف”.
وجدتني في الأشهر الأخيرة تذكّرت وعلى خلفيّة سأجيء على ذكرها الشاعر المرحوم سميح صبّاغ إبن البقيعة (شادي الريف)، كان سميح ابنا لعائلة فقيرة استثمر فيه والده كل ما استطاع ليتخرّج معلّما آملا أن يعينه في تعليم أخوته الأصغر وهو الفلاح الذي رأى أن في ذلك توفير الشقاء الذي عاناه، عليهم إذا هم تعلّموا، ولكن ليضمن ذلك كان لا بدّ من يد أخرى وجدها في بكره سميح.
تخرّج سميح لكنه كان قد أحبّ الشعر وأحبّ شعبه فراح يقرضه تحت اسم مستعار (شادي الريف) وفي الصحف المتاحة حينها لمثل شعره، وتخرّج وبدأت رحلته مع المخابرات التي انتهت إلى حرمانه من التوظيف لأنه لم يقبل أن يدفع الثمن المطلوب بالتنكر لانتمائه ولو ب-“صك اعتراف” يكتبه ويوقعه بأنه لا ينتمي إلى حزب رغم أنه فعلا لم يكن بمنتم، وراح يبحث عن طرق أخرى على الأقل حتى لا يخيّب أمل والده “البَقِيَت” أياديه تزداد صفرّة من قطف وشكّ ورق الدخّان الجليلي.
حتى قبل مدّة قصيرة كانت هنالك معركة حامية الوطيس على لجان تعيين مديري المدارس والمعلمين في وزارة المعارف، وبالذات لأن المخابرات الإسرائيليّة ممثلة دائما فيها. نجحت هذه المعركة جزئيّا على الأقل شكلا إذ غيّرت الوزارة لبوس الممثل والوصف الذي يحمل، وحتى هذا اعتبرناه نصرا مؤزرّا نحن الأحزاب العربيّة ليس قبل أن رحنا نبزّ الواحد الآخر في الدور الذي كان له في الإنجاز، ولا يفهمنّ أحد إن في هذا صبغ ّ للمربّين أو المعلّمين والكثيرون الجيّدون منهم يعرفون تماما عمّا أتحدث.
قرأنا مؤخرا إذا صحّت المعلومة، عن حالة غريبة في إحدى مدننا أن مرشّحة لوظيفة مديرة لإحدى المدارس طُلب منها التنازل عن انتمائها ومركزها الحزبيّين وقبلت ودون إكراه ولا إجبار هذا التنازل وباركتها هيئة هذا الحزب القياديّة متمنيّة لها النجاح، كلّ ذلك بدل أن تُخاض معركة على الحقيّن الوظيفة والانتماء.
ف-“سقى الله أيام زمان وسبحانه مغيّر الأحوال”، والله يرحمك يا سميح صبّاغ وبحكم معرفتي بك لم تكن لتقبل لو قيّض لك أن “تتقمص” في هذه الأيام، أن تتنازل عن شدوك الريفيّ مقابل وظيفة مدير مدراء حتى، فابقَ حيث أنت أريح لك.
النائب سعيد نفّاع
كانون الأول 2010