آذار 2009
من منّا الذي “يخالط” الناس يستطيع أن يشير إلى جلسة في مناسبة وأي كانت فرحا أو ترحا، لم يُطرح فيها موضوع العنف المستشري في قرانا وبلداتنا ؟ من منّا لا يتخبط بالسؤال أنحن المسؤولون أم السلطة؟ أو ما هي حصتنا وما هي حصتها في استشراء هذا الوضع ؟ وما العمل ؟
صارت أيادي أهل الخير في هذه الأقليّة لا تفارق قلوبهم كلما قرب موعد الانتخابات المحليّة وعلى ألسنتهم “الله يستر” و”الله يمضّي هاليوم على خير” ومع هذا وما أن يمضي هذا اليوم حتى تعلو النيران من بيوت الناس ويطير من أجفانهم النوم على صوت إطلاق الرصاص في الهواء وعلى البيوت وإلقاء القنابل عليها وعلى السيارات وإحراقها، وفقط لأن “أحمد” فاز في الرئاسة و”محمد” خسرها، ففي شعب وأبو سنان لم ينم طفل قرير العين ولا اتّكى عجوز هاديء البال منذ انتخابات المجالس في ال-10 من تشرين الثاني ال-2008 وحتى اليوم.
في الطيرة والطيبة والرامة واللد يُردى شباب قتلى في وضح النهار والأماكن العامة، وفي كفرياسيف ويركا تُستل الخناجر لامعة تحت نور الشمس لا تلبث أن تحمر من الدماء ، وفي مجد الكروم تطلق النار في اتجاه الناس 14 رصاصة “بالكمال والتمام” وفقط لأن “الله ستر” لم تصب أحدا، في المغار وعيلبون وعرعرة وحورة تثور غبار “البسوس وداحس والغبراء” ويسقط الجرحى كرامة للطائفة والحمولة والعيلة.
الشرطة التي تحشد الآلاف والقادرة على مواجهه أهل أم الفحم في احتجاجهم على تدنيس قدسيّة تراب بلدهم على أيدي مجموعة من المأفونين وخلال ساعات “تضبط الأمن”، يصيبها الشلل فتعجز عن ضبط الأمن في شعب وفي أبوسنان والمغار وعلى مدى أشهر (!).
غالبيتنا يسمع عن هذه الأحداث ويقرأ عنها وربما يطرحها في ندوة أو مقالة يعلل أسبابها ويطرح الحلول لها، لكن لقِلّتُنا قيّض أن تقوم بدور “المصاليح” حين اختلاط الحابل بالنابل وتصاب بالحجارة وأحيانا بعيارات ناريّة، فالذي أصيب بعيار ناريّ في المغار كان من “المصاليح”.
لِقلّتنا قيّض أن توقظ في الليالي لوقف “طوشة” أو اعتداء وواجت هؤلاء “الأبطال” عن قرب وخاطبتهم وسمعتهم وأسمعتهم ونجحت في وقف أعمالهم وأحيانا في عقد “رايات الصلح” وأحيانا كان نصيبها إصابات جسديّة وفشل و-“البهدلة”.
قبل سنوات عقدت لجنة المتابعة مؤتمرا ضد العنف في أم الفحم وأُسمعت فيه المحاضرات والمداخلات ومن وعلى أعلى المستويات ولُخصت الاستنتاجات والخطوات المطلوبة، فهل قللّ ذلك من أعمال العنف ؟
لا أقول ذلك استهانة، فالمؤتمرات والندوات والمحاضرات والأبحاث ومن ثم التثقيف وبالذات الوطنيّ الاجتهاد منه، أمور هامة لكنها الوجه الواحد، أمّا الجانب الآخر المطلوب هو أن نتواجد بين هؤلاء وفي مواجهتهم، خصوصا في حالات “الطوشات” و- “الاعتداءات” طائفيّة كانت حمائليّة أو عائليّة، ودون أعتبار لوجود آخرين ربمّا يلطخونا بوجودهم أو يلطخون حتى المساعي لا بل في الكثير من الأحيان وجودنا يسدّ الطريق على النوايا السيّئة إن وجدت، ففقط الذين عايشوا مثل هذه الأحداث يدركون أهميّة هذا التواجد وأهميّة ألا تترك الساحة حين احتدامها والأهم قبل احتدامها لتواجد آخرين تزلفا أو حتى إغراضا ولا تحكم تواجدهم الأبعاد الوطنيّة، وليس في أيدينا اشتراط وجودهم أو عدمه.
في المفاضلة بين وجودنا وعدمه إن تواجد مثل هؤلاء يجب أن تكون البوصلة أن تواجدنا هو
جزء من عملنا الوطنيّ وبالذات نحن الذين نصْبو لسلامة أقليتنا القوميّة، فسلامتها أولا من نفسها وقبل سلامتها من أعدائها والتربصين بها وسلامتنا من سلامتها، فالمهم الرسالة التي نحمل والقول الذي نقول والمسعى الذي نسعى وليس المهم من يتصادف وجوده في مثل هذه الحالات، فأن يمنع تواجدنا أن تدخل شوكة قدم طفل من شعب أو من أبو سنان وتسيل منها نقطة دم أغلى وأرفع من كل المجالس، عمل وطنيّ من الدرجة الأولى، ومحاربة العنف في عقر داره هو الأهم وهو مهمّة وطنيّة بامتياز “تكعيب”(!)، ورحم الله أجدادنا إذ قالوا : “درهم عمل خير من قنطار وعظ” (!)
النائب المحامي سعيد نفاع
آذار 2009