4 آذار 2008
عقدت في بروكسيل – بلجيكا في الأسبوع الفائت محكمة المواطنين الضميرية الدولية، جلسة مفتوحة برئاسة خمسة قضاة دوليين من الهند شرقا وحتى كولومبيا غربا، وعلى مدى ثلاثة أيام وبحضور المئات من الكثير من الدول عربية وأجنبية، لمحاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الشعب اللبناني خلال حرب تموز 2006، وذلك بناء على الدعوى التي رفعها ضحايا الحرب من أبناء الشعب اللبناني، أمامها بواسطة تكتل جمعياته الخيرية والمدنيّة وجمعيات حقوق إنسان من أوروبا، ممثلين على يد ثلاثة مدّعين من كبار الحقوقيين اللبنانيين، أعلنوا أمام المحكمة وبناء على استفسارها، أنه تم استدعاء المتهمة (إسرائيل) لسماع ردها طبقا للأصول المحاكمتية المرعيّة في المحاكم الدوليّة، ولكنها لم تحضر، فأقرت المحكمة الاستماع إلى الشهود من الضحايا والخبراء، وثم أصدرت قرارها في اليوم الثالث مدينة إسرائيل بالجرائم موضوع الدعوة.
وكان قد جاء في نص الدعوة التي وُجهت لمئات الشخصيات العالمية من شتى أنحاء العالم لحضور المحكمة والتي لبّاها كاتب هذه السطور، الآتي:
“حيث أن حديث المشاعر لا يعدّ حجة في القانون، لا بدّ من استجلاء الحقائق كاملة، ثم تقييمها في ضوء القانون الدولي. يتم ذلك في إطار من التجرد والتدقيق اللذين يستبعدان الاستنتاجات المسبقة من أجل أن تكون النتائج التي يتم التوصل إليها مقنعة لكل من يحترم أسبقية القانون الإنساني على القوة”.
وجاء كذلك:
” ليست المجموعة الدولية هيئة سياسية وقضائية مستقلة، بل هي محصلة لمواقف يتبناها عدد من الحكومات. لكن في مواقف كثيرة ثبت عجزها عن تطبيق القانون القائم بعيدا عن الانحياز الجيوسياسي والأيديولوجي، الأمر الذي أعطى حصانة لعدد كبير من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بشكل متواتر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
إن النهج الأحادي الجانب للإدارة الأميركية ، واللغة المزدوجة لكثير من الحكومات الأوروبية، يحتّمان على كل المدافعين عن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي ملء الفراغ الناجم عن فشل الحكومات.
فالإدارة الأميركية تقف بقوة ضد أية مساءلة لإسرائيل عن الأعمال التي ارتكبتها، سواء في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة … في هذا مبرر كاف لقيام مبادرة يضطلع بها المواطنون أنفسهم”.
تزامن مع انعقاد المحكمة عقد ندوات بادرت إليها اللجنة العربية لحقوق الإنسان، تناولت الحالات الإستثنائية (قوانين الطواريء) في قوانين دول مختلفة، والاختصاص القضائي العالمي. خلصت هذه الندوات إلى إطلاق مبادرة لتشكيل “طاقم محامين دوليين” من كل قارات العالم لمتابعة جرائم خرق الحقوق الإنسانية واستثمار الاختصاص الجنائي العالمي لملاحقة ومحاسبة المجرمين التي لم تقتص منهم قوانين دولهم، وهذه هي الحالة الملائمة لمجرمي هبّة القدس والأقصى عندنا والتي طرح ملفهم على طاولة هذه الندوات.
الأمر الملفت للنظر ولم يكن متوقعا، هو الاهتمام الذي أولاه الإعلام العبري للمحكمة بكل جوانبها ، وأكثر من ذلك للمبادرة لتشكيل “الطاقم الدفاعي العالمي” للاقتصاص من مرتكبي الجرائم ضد الإنسان أينما تواجدوا، كون هذا الأمر يمكن أن يطال المسؤولين الإسرائيليين بكل مواقع مسؤولياتهم، عن قتل ال-13 شهيدا وجرح ما يزيد عن 680 متظاهرا في هبّة القدس والأقصى أكتوبر ال-2000.
فقد تناولت، بتوسع، وسائل الأعلام العبرية هذه المحكمة، انعقادها ومداولاتها وقراراتها التي أدانت إسرائيل باقتراف جرائم حرب ضد الشعب اللبناني إبان حرب تموز 2006. وبنفس التوسع والاهتمام تناولت وسائل الإعلام هذه، المبادرة لتشكيل “الطاقم الدفاعي العالمي” معنونة إحداها تقريرها بالعنوان التالي : “الطاقم سيطال باراك (رئيس الوزراء حينها وزير الدفاع اليوم) وشلومو بن عامي (وزير الشرطة حينها) وبقية “مجرمي” (الأهلة حول مجرمي في المصدر س.ن) أكتوبر ال-2000.”
في حين أن وسائل الأعلام العبرية كانت يقظة متيقظة للحدث استنهضت فيه كذلك همم نواب الكنيست للرد فجاء ردّهم : : “أن يشارك عضو الكنيست سعيد نفاع في المحكمة معناه أنه أصبح جنديا في حزب الله وحماس وتجب محاكمته” مقابل كل ذلك لوحظ سبات غامر على وسائل الإعلام العربية الداخلية إلا أقلها وهذا الأمر بحد ذاته يثير الكثير من التساؤلات!!!
ألم يسأل القيمون أنفسهم لماذا هذا الاهتمام العبري ؟!
أم أن القيمين لا يتابعون؟
أو عسى الأمر لا يستحق الاهتمام؟
وإلام سنظل نخاطب أنفسنا؟
تزداد هذه التساؤلات قيمة على ضوء قرار لجنة المتابعة الجمعويّ، بالتوجه للمحافل الدوليّة لمتابعة قضية شهداء أكتوبر ال-2000 وجرحاه. وكانت المحكمة آنفة الذكر والندوات التي تزامنت مع انعقاد المحكمة فرصة لأطلاق رصاصة أولى على الساحة الدوليّة مصادفة مع قرار لجنة المتابعة.
الكل مقتنع أن القرار الجمعويّ هذا جاء ليس بالسهل وبعد عملية مخاض عسيرة، وبعد أن اختمرت الفكرة لدى كل الفاعليات الوطنيّة وبالذات تلك منها التي كانت مترددة، أن المستشار القضائي للحكومة قبر كل إمكانية للاعتماد أو المراهنة على القضاء الإسرائيلي في إحقاق حقنا الإنساني.
هذا من ناحية أمّا من الأخرى وما دمنا اقتنعنا بحاجة خوضه على الساحات الدوليّة وحتى ولو من باب “مكره أخوك لا بطل”، فكيف يصح أن نمر مرّ “الكرام” على هكذا محكمة وهكذا مبادرة ؟ أم أننا استسغنا الكلام والخطابة والكتابة لأنفسنا و”كفى المؤمنين شرّ القتال”، وهذه ساحة لا أسهل ولا أهون منها للمؤسسة الإسرائيلية، ولنا العبرة من الاستنفار الذي أصاب وسائل الإعلام العبرية لخطوة أولى ووضع قدم في ساحة تعتبرها الصهيونية حكرا عليها ونصرها فيها ما زال مؤزرا، فما أدراك ماذا ستكون الحال في الخطوات الثانية والثالثة ووو… إذا خطوناها واثقين مسلحين بكل طاقاتنا كذلك وسائل إعلامنا .ّ…أتمنى أن يكون عدم انتباه وسائل الإعلام العربية الداخلية هذا، كبوة فارس ونبوة صارم وإن لم يكن كذلك فلن نستطيع الانتصار بفارس كابي وصارم مثلوم.
النائب سعيد نفّاع
آذار 2008