آب 2006
في هذا الزمن العربي الرديء صار انتصار الهزائم جزء من تاريخنا الحديث، فلا نحن انتصرنا على الفقر ولا نحن انتصرنا على الجهل ولا نحن انتصرنا عل القمع، قبلنا الفقر والجهل والقمع لأننا عولنا على انتصارنا، الآتي حتما، على الاستعمار والإمبريالية أعلى مراحله، والصهيونية والرجعية. وقبلنا أن نخرس حتى صار فقرنا غنى وجهلنا علما وقمعنا حرية في سبيل المعركة التي لا صوت يعلو على صوتها. وتفرق بعض “نخبنا” أيدي سبأ تحارب الفقر والجهل والقمع في ساحات باريس ونيويورك ولندن وأوتوا وسدني ومن على شاشات الفضائيات بدل أن تبقى محاربة بين ظهراني أهلها .
انتصرنا في ال-67 لأن الثالوث الإمبريالي الصهيوني الرجعي هدف من الحرب أن يسقط الأنظمة العربية التقدمية في الدول العربية وفشل(!)، وانتصرنا في ال-82 لأن إسرائيل هدفت من الحرب أن تدخل شارع الحمرة في قلب بيروت فوصلت فقط الضواحي(!)، وانتصرنا وانتصرنا و… فحذار من انتصار على شاكلة تلك الانتصارات كي لا نقضي على ما تبقى لدينا من طاقات لننتصر انتصارا حقيقيا على القمع والجهل والفقر وحينها سننتصر حتما في أية معركة نخوضها لإحقاق حقوقنا السياسية.
صار مبتذلا أن يقال أن أحدا لا يصدق أن مثل هكذا عدوان على غزة وعلى لبنان وليد أسر ثلاثة جنود، ولكن لم يسأل أحد هل هكذا تضحية، كانت متوقعة أم لم تكن، جاءت وليدة تحرير ثلاثة أسرى وثلاثة كيلومترات مربعة في شبعة احتلت سنة 1967 بعد أن توجه أهل قرية الغجر للجيش الإسرائيلي أن يدخلها بعد أن بقيت دون رب؟!
عقيد في الجيش الإسرائيلي رئيس مكتب هيئة القيادة الشمالية يقول: تستطيع أن لا تحب نصرالله بل تستطيع أن تكرهه لكنك لا يمكن أن لا تقدره!(لو قال هذا الكلام سياسي عربي أو حتى مواطن في الداخل لاعتبر داعما لمنظمة إرهابية ومصيره المحاكمة !) ما الذي يحدو بضابط إسرائيلي أن يقول مثل هذا الكلام؟
ما تعلمه نصرالله والذي جعل أشد أعدائه يقدرونه يمكن تلخيصه في أن الرجل يعمل أكثر بكثير مما يتكلم، وإن تكلم يحترم المتلقي فيتوجه إلى عقله في غالب الأحيان بروية وأناة عارفا حدود قدرته وقدراته، وتماما كما إسرائيل يضمر ما لا يقول وتماما كما إسرائيل لا توجه سلاحها داخليا اللهم ضد العرب ولأنه كذلك ولأنه ابن لبلد لأنه ديموقراطي توحد أهله أمام العدوان، لكن ليس هذا فقط ما دفع الضابط الإسرائيلي رفيع الرتبة أن يقول ما قال.
نصرالله فهم جيدا الفرق بين انتصار الأضعف وانتصار الأقوى في وضع سلم فيه العرب بحتمية قوة إسرائيل التي لا تضاهى في نظرهم فتنازلوا لها عما ليس لها ولم يشبع نهمها. زد على ذلك أنها راحت وعلانية تساعد الغرب في نهب ما تبقى لشرقنا من خيرات لم تكفهم فترة استعمارهم لنهبه شرقنا ، وغير المعلن أعظم.
لنسبر غور الحاصل لا بد من العودة إلى الوراء قليلا، ففي سنة 2000 انسحب الجيش الإسرائيلي من لبنان وبغض النظر إن كان ذلك نتيجة لضربات المقاومة أو لحسابات إسرائيلية فالجنوب اللبناني تحرر عدا مزارع شبعة. التحرير ليس معناه انسحاب الجيش الإسرائيلي المجرد، معناه أن مئات آلاف اللبنانيين الجنوبيين عادوا إلى قراهم ليمارسوا حياتهم الطبيعية في بيوتهم وعلى أرضهم هذا المعنى للتحرير انهار اليوم، فإذا كان هدف حزب الله أن يحافظ على هذا التحرير فقد فشل وإذا كان هدفه أن يحمي لبنان فلبنان دمر إذن ففي هذا كذلك فشل. وهنا أعود إلى السؤال هل يستأهل سمير القنطار(لو سئل لقال لا) وتستأهل مزارع شبعة كل هذا الدمار والترحيل، والأهم كل هذه الدماء المسفوكة على يد آلة وحشية ونهين بذلك الوحوش؟!
(لا يحسبّن أحد أني بهذا أتهم حزب الله). من المستبعد أن هذا غاب عن حزب الله وبالذات أمينه العام وإذا كان قد غاب فمعناه أن تقديرا فادحا قد حصل، أنا أميل إلى الاعتقاد أن ذلك لم يغب. إذن لماذا هذا الإصرار من قبل حزب الله أن يحافظ على قدراته العسكرية بل أن يدأب على تطويرها وتحديثها ويتحدى هذه القوة التي سلم العرب بأنها لا تقهر؟
أمام الأضعف في ميزان القوى المظلوم المهضوم الحقوق، طريقان لا ثالث لهما إما الخنوع والخضوع والاستسلام ضعفا أو انتهازية حتى لو سميت براغماتية أو عقلانية، أو حتى عمالة وهذا أقصى ما يتمناه الظالم ويعمل عليه، وفي سياقنا أقصى ما تتمناه إسرائيل والدول الغربية لنا ولكل شعوبنا العربية إحدى هذه الثلاث. أما الطريق الثاني هو طريق المقاومة بدون إعطائها أي أسماء دخيلة أخرى كالممانعة وما إلى ذلك ، هذه الطريق محفوفة بالتضحيات وحتى بدم الأطفال في غالب الأحيان، صحيح أن ملك الدنيا لا يساوي قطرة دم من طفل معلقة “مصاصته أو بزه الكذاب” في رقبته منتشل من تحت الأنقاض، ولكن هذه حال الدنيا. ورغم أن المقاوم المظلوم ليس بحاجة لشهادة تقدير من ظالمه لكن إن كان هذا ما وراء مقاومته فحتى ظالمه يضطر أن يقدره.
مقاومة الظلم والظالم وأيا كانت تضحياتها ووسائلها هي الطريق وإذا كان الظالم لا يفهم إلا طريق القوه، فبالقوة حيث توفرت. هذا هو الهدف الذي يجب أن يكمن وراء أي موقف مقاوم لمظلوم هو الأضعف أمام الظالم الأقوى قيل هذا الهدف صراحة أو تورية. وكل ما غير ذلك في هذه الحال يصح فيه عندها أن ينسب للمغامرة أو في سياقنا خدمة لأهداف أخرى ينتفع بها أصحابها دون ثمن يدفعونه وعلى حساب الأبرياء من غيرهم. ومهما كانت النتائج عن هكذا مقاومة هكذا هدفها فلن يكون ذلك انتصار هزائم وعندها لن تسبب النتائج الإحباط أعدى أعداء المظلومين أيا كانوا وأنما كانوا.
سعيد نفاع
آب 2006
لكن ما أن ينهي كلامه حتى ينبري بعض المعلقين و”الخبراء” العسكريين وجلهم لم يخض في حياته معركة، وبعض المراسلين الذين بقدرة قادر تحولوا إلى محللين سياسيين وعسكريين يعطون كلامه معان ليس فقط لم يردها بل لم يقلها، خالقين عند الناس انطباعا عن انتصار لم يكن. ومن كثرة ما تعودنا على مثل هذه الانتصارات حتى صرنا نحسب الهزائم الأشد نكرا انتصارا وما أن بدأنا نشتم رائحة بداية انتصار معنوي أبعد ما يكون عن الانتصار العسكري، نجدهم يعيدونا إلى انتصار الهزائم.
لست عسكريا ولا كنت ولكني مهتم، “جولاني” ليس طليعة الجيش الإسرائيلي بل وحدة من الدرجة الرابعة جل أفرادها من اليهود الشرقيين ما عدا بعض الضباط مثلها مثل حرس الحدود، ولا غرابة أن زجت أولا في بنت جبيل. فرفقا أيها الخبراء والمراسلون