أيّام الغبار ثنائيّة روائيّة للكاتب سعيد نفاع 2021، إصدار دار الهدى – عبد زحالقة، كفر قرع. يقع الكتاب في 365 صفحة من القطع الكبير.
تتألّف هذه الثنائيّة من روايتين؛ الرواية الأولى (وطني يكشف عريّي) ألّفها الكاتب عشيّة أسره وصدرت في فترة أسره عام 2016 عن دار الأماني للطباعة والنشر- عرعرة، الرواية الثانية (وطني يكسو عريّي) 2018.”لكنّ الروايتين التوأمين وعن طيب خاطر قبلتا اسمًا مشتركًا” :” أيّام الغبار”.
تحكي الرواية عن علاقات حبّ وصداقة وخيانة ووطن فُقد وهُجّر أهله، وغبار كثيف يلّف البلاد والمنطقة بأسرها.
حرص الكاتب سعيد نفّاع في اختيار شخصيّات روايته، حيث اختلفت هذه الشخصيات في المنشأ، الدين، العقائد، الفكر السياسي، إضافة إلى اختيار متعمّد للبلد التي جاءت منها كلّ شخصيّة ولمعتقداتها الدينيّة. الدكتور راشد وهو الشخصيّة المركزيّة درزيّ من قرية عريقة، نجلاء زوجة راشد من بلدته وهي مديرة قسم الشؤون الاجتماعيّة في قريتها، الصحفيّ أنس صديق راشد مسلم من قرية البروة المهجّرة، الممرضة جوليا عشيقة راشد مسيحيّة من قرية إقرث المهجّرة، الدكتور عماد مسلم سنيّ لاجئ في كفر سميع من قرية سحماتا المهجّرة. لقد جاء هذا الاختلاف في العقائد والمذاهب الدينيّة ليدلّ على أنّ الدين لله والوطن للجميع. فجميع الشخصيّات عانت من نير الاحتلال ومن التهجير واللجوء والاغتراب.
الدكتور راشد الشخصيّة المركزيّة في الرواية: درزيّ من قرية العريقة الدرزيّة، رفض الخدمة في الجيش ولم تكن منطلقاته وطنيّة وإنما بدافع: “دير بالك على مستقبلك” و” ألف أم تبكي ولا أمي تدمع” مستعملًا واسطة شيخ البلد. ص 28. لذلك ابتعد راشد أيضًا عن السياسة وانهمك في دراسة الطب فنجح بتفوّق.
عرف الدكتور راشد بمهنيّته العالية وترقّى إلى منصب نائب مدير قسم ثم مدير قسم في مستشفى رمبام، كما فتح له عيادة خاصّة في حيفا وعملت معه فيها الممرضة جوليا التي تعرّف عليها في المستشفى أثناء إجرائه لعمليّة جراحية خطيرة لأحد الأطفال. جوليا كانت جميلة جدًا فأحبّها وهام بها وأقام معها علاقة خارج إطار الزوجية استمرت سنوات عديدة.
جوليا: ممرضة مسيحيّة من قرية إقرث المهجّرة، تعرّضت جوليا لاغتصاب من قبل خالها عندما كانت طفلة لم تتجاوز الحادية عشرة، لكنّ أمها أوصتها أن لا تخبر أحدًا. وحفظت جوليا هذا السرّ الذي أثّر على شخصيتها وحياتها، وقد تزوجت في سن الثامنة عشرة من رجل قريب لها يكبرها بعقد ونيّف، وأنجبت منه ابنها المسمّى توما والمنادى بتمّام، لكنها تطلّقت منه وتابعت دراستها في التمريض وعملت في مستشفى رمبام وارتقت في السلّم الوظيفي. أحبّت الطبيب راشد وأقامت معه علاقة عاطفيّة وقد انتهت هذه العلاقة حين بدأ الشك يداعب راشد خاصة بعد أن حدّثته جوليا عن علاقة صداقة بينها وبين شخص أجنبيّ تعرّفت عليه عبر الشبكة العنكبوتيّة وزارته في بلده وقام هو بزيارتها، مع زوجته حسب ادّعاء جوليا الكاذب.
تحتفظ جوليا برسالة والدها التي يحكي فيها عن تهجير سكان إقرث رغم أنّ القرية استسلمت ولم تحارب: “في صبيحة يوم الحمعة 11/5/1948 طلب قائد الجيش المدعو “موشيه إيرم” من سكّان القرية تجهيز أنفسهم للرحيل إلى الرامة لمدة أسبوعين، معلّلًا ذلك بالمحافظة على سلامة السكان. بدأ الترحيل فجر11/6/1948 واستمرّ ثلاثة أيّام، بواسطة شاحنات الجيش الاسرائيليّ. أُبقي في إقرث حوالي ستون شخصا برفقة الخوري لحراسة البيوت كما ادّعى ضباط الجيش، لمدة ستة أشهر. بتاريخ 29/4/1949 نقلت شاحنات الجيش المجموعة التي بقيت في إقرث إلى الرامة وهكذا أُخليت القرية من أهلها تماما”. ص 254. ورغم توجه أهالي إقرث الى محكمة العدل العليا عام 1951 بطلب السماح لهم بالرجوع الى بلدتهم، وموافقة المحكمة على ذلك، إلا أنّ هذا القرار بقي حبرًا على ورق.
أنس: مسلم من قرية البروة. هُجّر أنس من قريته البروة حين كان طفلًا وسكن فترة في قرية عريقة وهناك تعرّف على راشد، ثم انتقل بعدها مع أهله للعيش في كفر ياسيف، والتقى مرة أخرى مع راشد في ثانوية كفرياسيف، ثم في الجامعة حيث تعلّم علم اللغات. انغمس أنس في حياة السياسة وعمل في الصحافة فكان محرّرًا في صحيفة معروفة في حيفا. بعد انفصال راشد عن جوليا تقرّب أنس منها ونشأت بينهما علاقة انتهت بالزواج. والغريب أن راشد وزوجته حضرا حفل الزفاف.
نجلاء: ولدت في قرية العريقة وكانت تلميذة مميّزة، هي أوّل طالبة في قريتها تعلّمت في الجامعة، وقد تعرضت نجلاء وعائلتها إلى حُرم دينيّ في بلدتها؛ بسبب تعليم نجلاء في الجامعة. “والحُرْم في مذهب وعُرْف أهل القرية إجراء يتعدّى المقاطعة الاجتماعيّة إلى أبعاد إيمانيّة، تعني أن موتَ الإنسان “مبعودًا” عن الصلاة جماعة، أو مقاطَعًا أو محرومًا، هو من علامات عدم رضا الخالق، وهذا عقاب أشدّ من الموت.” ص34 .
تعرّفت نجلاء على راشد خلال التعليم في المدرسة الثانوية ونشأت بينهما علاقة حب، انتهت بالزواج. لكن هذا الحبّ لم يدم، فقد تخلّلته خيانة راشد لزوجته. أحسّت نجلاء بفتور في العلاقة بينها وبين راشد وبدأت الشكوك تساورها، لكنها لم تتخذ أي خطوة لتقطع الشك باليقين أو تحاول استرجاع زوجها. وحين انفصل راشد عن جوليا وسافر إلى غرناطة ليخلو بنفسه لم يخبر زوجته بسفره لكنها عرفت من ابنها سلمان، وحين عاد راشد الى البيت مع ابنه سلمان من المطار، سألته زوجته كيف كانت غرناطة؟ استغرب راشد ونظر الى ابنه وكان قد أوصاه ألا يخبر أحدًا، قالت زوجته: “ما يخبي عليّ شيء.. مش زي غيره..”. ص 333. لقد احتملت نجلاء خيانة زوجها وغدره لها خوفا على أولادها، فآثرت الهزيمة: “وهكذا تراكمت هزائمها وصارت جزءًا من أيامها هزيمة متراكمة تتقبّلها صاغرة حينا وتبرّرها حينا، لكنها ظلّت تحلم بالنصر”. ص.338
خلال هذه العلاقات المتشابكة بين شخصيّات الرواية، يهبّ في الآفاق غبار كثيف:” غبار “داحس والغبراء” بين الحزب الشيوعي والتقدميّة، دخول اسرائيل الى بيروت وقتالها مع الفلسطينيّين، مذبحة صبرا وشاتيلا وطرد منظّمة التحرير الفلسطينيّة من لبنان، الحرب بين العراق وايران، ضرب اسرائيل للمفاعل النووي في العراق عام 1981،نشوب الانتفاضة الأولى عام1987 ، ضرب مخيم اللاجئين في جنين، هدم وقتل وتدمير و…انتفاضة أهل بيت جن ضد سلطة حماية الطبيعة وصدامات غير مسبوقة مع الشرطة وذلك بعد أن قررت سلطات حماية الطبيعة السيطرة على أرض الزابود التابعة لقرية بيت جن: “وما كادت الجموع تصل حتى اشتبكت مع رجال المحميّة الطبيعيّة والشرطة التي قابلتهم بالغاز المسيل للدموع والكلاب الشرسة، غبر أن أيادي الناس وحجارتهم كانت الأقوى، فتراجعت أمامهم القوات بآلياتها وكلابها وجرحاها، ليس قبل أن تتسبّب في جرح العديد من الأهالي. ص 282. كان من بين الجرحى الطبيب راشد الذي قدم متضامنا مع السكان ووجد نفسه في خضمّ المواجهة وراح يعمل في تقديم العلاج للجرحى، وقد أصابه المعتدون في رأسه وهو جاثٍ فوق جسد جريح. ص 283.
تنتهي الرواية باستشهاد الدكتور راشد وذلك بعد أن أخذ تهريبًا من طرق خلفيّة، شاحنة أدوية كتب عليها ” أطبّاء بلا حدود” حيث قدم مع الشحنة هو وعدد من زملائه الأطباء وبرفقة ممرّضات إلى مستشفى جنين في خضّم الانتفاضة الثانية لتقديم العلاج للجرحى والمصابين مساعدةً للمستشفى، لكنّ القصف الذي استهدف المستشفى أودى بحياته.
سمات الحداثة في الرواية: أسلوب السرد
من أبرز الأساليب السرديّة والتقنيّات الحديثة التي استخدمها سعيد نفاع نذكر: المونولوج والمناجاة، الاسترجاع، تعدُّد الرواة، المونتاج الزمانيّ والمونتاج المكانيّ، تنوُّع الشخصيّات، وسيطرة الراوي بضمير المتكلّم (الأنا).
تميّز السرد في هذه الرواية بتعدّد الرواة، حيث كان السرد ينتقل بين الراوي (باستخدام الضمير هو) وبين الشخصيّات المركزيّة في الرواية (باستخدام الضمير المتكلم أنا). كما يمكن القول إنّ الرؤية السرديّة الغالبة في الرواية هي ما تسمّى: “الرؤية مع”، أو “الرؤية المصاحِبة”: وهي رؤية سرديّة كثيرة الاستخدام، إذ يُعرض العالم التخييليّ من منظور ذاتيّ وداخليّ لشخصيّة روائيّة بِعينها، إنّ السارد في هذه الرؤية، على الرغم من كونه قد يعرف أكثر ممّا تعرفه الشخصيّات، إلّا أنّه لا يقدّم لنا أيّ تفسير للأحداث قبل أن تصل الشخصيّات ذاتها إليه. تُحكى الروايات التي من هذا النوع بضمير المتكلم، وبذلك تتطابق شخصيّة السارد مع الشخصيّة الروائيّة. (بوطيّب، 1993، ص. 72-73.). ويستخدم السرد في هذه الرؤية ضميرَي المتكلّم أو الغائب، مع المحافظة على تساوي المعرفة بين السارد والشخصيّة؛ (شبيب، 2013، ص117.)
تقنيّة الاسترجاع: هو توقُّف الروائيّ عن سرد الأحداث في نقطة معيّنة، والعودة بالسرد إلى الماضي لاسترجاع أحداث تقادمت بعُطل الزمن؛ إذا رأى ضرورة لذلك. من الامثلة على الاسترجاع حادثة اغتصاب جوليا من قبل خالها: ” كانت الدماء تملأ فخذيّ وبكائي يملأ البيت ألما… شلّحتني أمي ملابسي وغسّلتني بماء بارد.. وبدأ الألم يخفّ.. واختبأت في حضنها أشهق ونمت.. وعندما فتحت عيني كانت ما زالت تحضنني.. فقبّلتني ربّما للمرّة العشرين وقالت:” لا تحكي لأبوك ولا لحدا..” وربّما من حبّي لها أو من خوفي لم أحك حتى اليوم”. ص 105.
تقنيّة المونولوج: يُعرّف المونولوج على أنه “نقل لكلام توجّهه إحدى الشخصيّات لنفسها. الضمير المسيطر عليه هو المتكلّم وله مقدّمة غالبًا ما تشتمل على ضمير الذات “نفسه”(القواسمة، 2006، ص. 185.) قال في نفسه، خاطب نفسه”. ويُعدّ استخدام تقنيّة المونولوج والكشف عن مكنونات النفس وما يعتريها من مشاعر واحدة من تقنيّات رواية التيّار التي تُعنى بتقديم الخارج من خلال الداخل؛ أي من داخل الشخصيّة وليس من خارجها، وهو نوع من أنواع الصوت المتداخل الذي يقدّم، كذلك، داخليّة (وعي) الشخصيّة من الداخل. (عن رواية التيار والصوت المتداخل) انظر: غنايم1992 .
من الامثلة في الرواية حين خاطب أنس نفسه:” أوليست أيام جوليا مغبرة هي الأخرى؟ أوليست أيام راشد وأيامهما معا مغبرة هي الأخرى؟ أصلا هل في هذه الحياة؛ حياتنا، يوم لا يشوّه وجهه الغبار في إقباله وإدباره؟ وهل فعلا هنالك غيث آتٍ؟ وإن أتى هل سيكون قادرا أن يجلو الغبار عنّا؟”. ص242.
اللغة في الرواية: اللغة هي الركيزة الأولى والأهمّ لبنائها الفنّيّ، فهي تصف الشخصيّة أو تُمكّنها من وصْف شيء ما. واللغة هي التي تحدّد غيرها من عناصر الرواية وتبنيه، كحيّزَيِ الزمان والمكان. واللغة، أيضًا، هي التي تحدّد الحدث وتبنيه. وعليه فإنّ لغة الرواية الحديثة تتميّز بلغتها الشعريّة المكثّفة والموحية؛ إذ تصطنع الجُمل القصار، وتحدث نوعًا من الإيقاع الموسيقيّ الذي يُحدِث عند المتلقّي ما يُعرف بالمتعة الفنّيّة (انظر: بغدادي، 2012)، تميّزت اللغة في رواية نفّاع بجزالتها تخللتها لغة شاعرية جميلة، وأمثلة شعبية وحوارات باللغة الدارجة والكثير من التناص الذي أخذه الكاتب من تراثنا الشعبي وكنوز لغتنا الجميلة.
من الحوارات العامية نقتبس حوار راشد مع ابنه سلمان:
– تعرف… يوم من الايام لازم تروح على إسبانيا على الاندلس
–خير؟
– راح تحسّ إنه لك تاريخ
– لا…ما عندك ما هو تاريخ… ما عنا هو اختلاق تاريخ.. بندقة تاريخ
– مش فاهم.(ص 205).
وفي حوار بين أنس وجوليا نقتبس ما يلي:
– هل تعرف الدكتور عماد؟
– عمادات كثير… وخير على الصبح يا فتاح يا عليم؟
عماد شو؟ شو اسم عيلته؟
-الحمود
– ماله؟
– اتصل وطلب يقعد معي
– أف… خير؟
ومن اللغة الشاعريّة التي تكثر فيها التشبيهات والتعابير المجازية نقتبس ما يلي:” كان الليل صيفيًّا قمريًا بدرًا، والبحر القريب من المستشفى الممتدّ إلى ما لا نهاية متداخلًا مع الليل هادئ الموج، لا بل لا تكاد ترى على صفحته الموج لولا اللآلئ التي يهبها القمر للبحر دون منّة، وكانت أنفاس زبد خفيفة يوديها الليل إلى شرفة غرفة راشد في جناح الأطباء”. ص19.
ومن الأوصاف الجميلة لأفروديت إلهة الجمال نقتبس ما يلي:” وهناك من يقول إنّ صدفة خرجت من الزبد الأبيض انفتحت عن طيف نوراني فسجد الماء تحت قدميها الصغيرتين متمتمًا بصلاة الحبّ لربّ الحبّ مرتلا أنشودة الجمال لربّ الجمال، فهرعت عرائس الماء إلى الطفلة وتولّين تنشئتها، وإذ شبّت هرعن بها إلى “الأولومب” مسكن الآلهة”. ص.21
وصف نفّاع الزابود وصفا شاعريّا جميلا:” كل الكلمات تضيع أحرفها وتعجز عن لمها حين يرى العقل في الزابود ما لا تراه العين.. الزابود يهشّم المقولة” جبل مع جبل لا يلتقيان”.. الزابود شوق وحنين أزليّان وأبديّان بين شقيقين.. أحرق الشوق “الجرمق الأكبر” وألهب الحنين” عروس” الأصغر في زمن قبل الزمن.. فمدّ الجرمق يسراه مبسوطة الراحة تفيض شوقا، ومدّ عروس يمناه مبسوطة الراحة تفيض حنينا، فتعانق الشوق والحنين وفراشهما أنامل راحتين تشابكت وغطاؤهما السماء قبلتهما.. وما زال العناق حميميًّا منذ ذلك الزمن ما قبل الزمن.. هذا العناق تقمّص أرضًا خيّرة هي الزابود”. ص 307.
من الامثال الشعبية:” ضربة على الحافر وضربة السندان” ص 78. :” بعْر الجمال ما بيجي الا بالعرض” ص 232.:” عيش كثير بتشوف كثير”. ص 204. .:” ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما”. ص230. وجاء في الرواية أمثال شعبية عن المرأة مثل:” آمنكم الله عارها، وكفاكم مؤونتها وصاهرتم قبرها”. ص 233.:” ماشي الحيط الحيط ويا رب السترة”. ص.125.
ومما قيل في ندب راشد عند وفاته:
“غيبتك عنا طويلة ضاع حلم الصبر منا
قلوبنا صارت ذبيلة بس وجهك غاب عنا
يا دموع العين سيلي غاب راشد عن وطنا
وما بقي باليد حيلة الموت بالمقتل طعنّا”. ص 358.
ومن العتابا ما يلي:
” يا ديرتي ما لك علينا لوم لا تعتبي لومك على من خان
حنّا روينا سيوفنا من القوم نفني العدو ما نِرْخصك بأثمان
لالا بدّ ما تمضي ليالي الشوم.. ويطلع لنا نهار في لنا عزّ كان
وإن ما خذينا حقنا المهضوم.. يا ديرتي ما نستاهلك سكّان”. ص 116.
وقد ورد في الرواية الكثير من القصائد والأناشيد مثل قصيدة “بساط الريح” لبيرم التونسي التي غناها فريد الأطرش، والموجة تجري ورا الموجة لأم كلثوم، والعتابا والميجانا إضافة الى ذكر الكثير من البلاد والأماكن والنباتات والأشجار.
إجمال:
تتسم رواية الكاتب سعيد نفاع بالحداثة حيث استخدم الكاتب تقنيّات حديثة في السرد، مثل الاسترجاع، المونولوج، تعدد الرواة وغير ذلك، بأسلوب شائق ماتع مستخدما لغة شاعرية جميلة ولغة حواريّة تخللت الحوارات في بعض الاحيان حوارات باللغة المحكيّة. وهي إلى جانب ذلك رواية واقعيّة تصف معاناة شعبنا الفلسطينيّ بعد الاحتلال وتهجير الكثير من سكان القرى مثل: البروة إقرث سحماتا الهوشة وغيرها..، وقد ورد في الرواية ذكر لأحداث سياسيّة عديدة واجهتها بلادنا والمنطقة بأسرها، مثل: حرب العراق وإيران، احتلال اسرائيل لبيروت، مجزرة صبرا وشاتيلا، إخراج منظمة التحرير من لبنان، المواجهات في الزابود واستبسال سكان بيت جن في الدفاع عنها وغير ذلك من الأحداث. كما يسرد الكاتب من خلال شخصيّات الرواية، العلاقات المتشابكة بين الأبطال والتي شابتها الخيانة والغدر والصداقة، كما وردت في الرواية شخصيات ثانويّة أخرى منها من تعامل مع السلطات والمخابرات و”الشين بيت” مثل والد جوليا، ومنها من حفظ العهد وأحبّ الوطن ودافع عنه. ومنها من رفض الخدمة العسكرية في الجيش مثل سلمان ابن راشد وسجن بسبب ذلك. كما طرح الكاتب مواضيع جوهرية وأساسية في حياتنا مثل: مفهوم الصداقة، ما هي الوطنيّة، الخيانة وتعريفاتها المتشعبة، منها خيانة الزوج لزوجته، وسكوت الزوجة على مضض خوفا على أولادها، وخيانة الحبيبة أو الحبيب وخيانة الصديق وخيانة الوطن. ومن هو الشخص الوطني؟ هل هو الذي ينتقد الوضع القائم ويتحدث عنه ويخوض في السياسة؟ ام ربما يكون شخصا بعيدا عن السياسة لكنه يفدي شعبه ووطنه بروحه؟ كما فعل الطبيب راشد الذي خاطر بحياته وذهب الى مستشفى جنين لتقديم العلاج للمصابين واستشهد فيه؟
المراجع:
**بغدادي، 2012 بغدادي، محمّد (2012)، “لغة السرد في الرواية الجديدة”، موقع ملحق الخليج الثقافيّ الإلكترونيّ. الرابط www.alkhaleeg.ae
**بوطيّب، 1993 بوطيّب، عبد العالي (1993)، “مفهوم الرؤية السرديّة في الخطاب الروائيّ”، مجلّة عالم الفكر، الكويت: وزارة الإعلام، مج. 21، ع. 4، أبريل-مايو-يونيو، ص. 32-48
**غنايم، 1992 غنايم، محمود (1992)، تيّار الوعي في الرواية العربيّة الحديثة، بيروت: دار الجيل.
**شبيب، 2013 شبيب، سحر (2013)، “البنية السرديّة والخطاب السرديّ في الرواية”، مجلّة دراسات في اللغة العربيّة وآدابها، ع.14.