صار من نافل القول واجتراره سرد خلفيات السلوك الوطني والسياسي للعرب الدروز في ال-48، على الأقل على ضوء تحول العالم باتصالاته وكالقول المتداول إلى “قرية صغيرة”، فصار المرء “يستصبح ويتمسّى” بخطاب “وطنيّ” هنا ومقال “وطنيّ” هنالك ل”رئيس” هذه الحركة هنا و”لرئيس” هذه اللجنة هنالك، وكلّهم سياسيّ وكلهم مؤرخ فيسيئون للسياسة ويسيئون للتاريخ وبالتالي يسيئون للخطاب “الوطنيّ” ليغدو المتلقّي حتى المحبّ في حيرة من أمره على أيّ بر خطاب يرسو.
تعرّض الوطنيون العرب الدروز الفلسطينيون بعد النكبة وإقامة دولة إسرائيل إلى نكبة وليدة الأولى وكل محاولاتهم لمّ الشمل كانت كالنّحت في صخر صلب وأدواتهم المتوفرة مثلومة رغم قوة سواعدهم، إلى أن استطاعوا في بداية السبعينات وبهمّة المرحوم الشيخ فرهود فرهود وثلة من الشباب أبرزهم سميح القاسم ومحمد نفاع تأطير أنفسهم من جديد بعد إطار “الشباب الأحرار” في الستينات في إطار وطنيّ عربيّ درزيّ هو “لجنة المبادرة الدرزيّة”، جئنا نحن الجيل الذي بعد لنشدّ على السواعد ولنعمّق الأخاديد.
كان بإمكان اللجنة تعميق الأخدود لتفلق الصخرة إلا أن ظروفا غير مرتبطة دائما بحملة المعاول حالت دون ذلك، إلى أن رأى جزء منهم وغالبيتهم من الجيل الثاني أن الانتقال إلى متراس آخر والنحت في مكان آخر من الصخرة ربّما أفيد، فاختار الخندق القوميّ مشكلا “ميثاق المعروفيين الأحرار”. بحكم النتائج نستطيع أن نقرر أنّ هذا التنافس شحذ الهمم أكثر وتعمقت الأخاديد أكثر، ولكن لو كان النحت متناسقا ومتزامنا دائما لجاءت النتائج أفضل بما لا يقاس ولكانت الصخرة قد قُدّت منذ زمن.
الوطنيون العرب الدروز اليوم أكثر ممّا نتصوّر ولكنهم متشظّون ولتشظيهم هذا لا يوجد مبرر موضوعيّ، وإذا كان الانتماء الفكريّ مدعاة لتعدد الأطر الوطنيّة ما بين وطنيّ أممي “لجنة المبادرة العربيّة الدرزيّة” ووطنيّ قوميّ “ميثاق المعروفيين الأحرار” لكن هذا التعدد المبارك والطبيعي أصلا يجب ألا يكون حائلا من وحدة المجهود في عمل على الأقل على الأهداف المشتركة وهي أكثر من المفرّقة وهذا ما فشل فيه حتى الآن الإطاران، ولا يستطيعنّ أحد أن ينتّل يديه ويدّعي أنّي براء.
إنّ عدم استطاعة هذان الإطاران العريقان في العمل الوطنيّ إيجاد السبل حتّى الآن لجهد وعمل مشترك يحملهما مسؤوليّة تاريخيّة عن التشظّي الحاصل في الصف الوطنيّ العربيّ الدرزيّ، ومن نتائجه جزئيّا:
أولا : اعتكاف العشرات من الوطنيين العرب الدروز احتجاجا أو يأسا أو إحباطا وهم يرون التعاضد في الصف “غير الوطنيّ” والتشظّي في الصف الوطنيّ، غير قادرين لا بل غير مستعدّين لفهم ولا لتفهم هذا التشظّي.
ثانيا: تسلّق الكثيرين من الانتهازين على أكتاف هذا الإطار أو ذاك وانتقالهم من هنا لهناك وفي الكثير من الأحيان بعدما تتكشّف أوراقهم في الإطار الأصل، خصوصا وأن سهولة الأستقبال نكاية وبخفض الأكتاف مضمونة !
ثالثا: “فطرشة” حركات ولجان وإجزاء لجان لا خلفيّة نضاليّة لها ولا خلفيّة فكريّة لها اللهم إلا هياما في الحبيب العربيّ الدائم “الرئاسة” تستقطب أحيانا بعض المؤيدين وبعض الشباب المخلصين والسؤال الصعب المطلوبة إجابته من المبادرين والأحرار: لماذا لم يجد هؤلاء العنوان في اللجنة أو الميثاق ؟!
المعيار الحقيقيّ لأي إطار أو عضو في إطار هو ليس اعتلاء المنابر ولا الظهور الإعلاميّ ولا الوعظ وقد سمعت من الشاعر نايف سليم قولا محورا لمثل شعبيّ ما زلت أكرره “درهم عمل خير من قنطار وعظ”. لجنة المبادرة وميثاق المعروفيين وراءهما دراهم عمل وعليهما أن يضاعفا هذه الدراهم ويستطيعان ولهما امتدادهما الجماهيري، ومضاعفتها أولا وقبل كل شيء بتلافي إسقاطات هذا التشظّي لا بل محاربة إسقاطات هذا التشظّي… فلا مبرّر لهذا التشظّي الوطنيّ وعلى الأقل أن العشرات من شبابنا ومنهم أبناء المبادرين والأحرار يدخلون شهريا السجون العسكريّة !
وأخيرا: هل للخلفيات الحزبيّة والحركيّة دور في ذلك؟ نعم !
وإن جاز لي النصح فلا أنصح أي من هذه الأحزاب أو الحركات وأي منّا نحن المنتمين حزبيا أن نخلط الأوراق، فالقضيّة تطال موطن القوة الأساس لأقليتنا الفلسطينيّة ، وحدتها، وهذا أكبر وطنيا من كل الأحزاب وأكبر من كل الحركات، ففي النهاية الأحزاب والحركات هي آليات عمل وليس أهداف عمل.
وحتى “نضع الحدّ في مارسنا” كمثلنا الشعبيّ أدعو إلى تشكيل إطار وحدوي العمل بين الأطر العريقة يحافظ من خلاله كل إطار على استقلاليته التنظيميّة والفكريّة، ولتكن رئاسته إذا كان هذا العائق دوريّة والباديء الإطار الأقدم .
سعيد نفّاع
ميثاق المعروفيين الأحرار