لا شك أن العرب الدروز ومنذ العام 1956 عام فرض التجنيد الإجباري عليهم شكلوا في المشهد السياسي للأقليّة العربيّة في إسرائيل حالة خاصّة والولوج فيها ليس بالأمر السهل حتى لدرزي يعيش بين ظهرانيهم، فكم بالحري ل”دارسين تحت الطلب” سلوكهم، وهم لا يعرفون عن الدروز إلا بعض ما يكتب والغالب فيه وعليه مبدأ “التقيّة” الشيعي، أصلهم المذهبيّ.
إن الإضراب الأخير للمجالس الدرزيّة الذي أعلنه الرؤساء الدروز مدعومين شعبيا، وقياديا إذا صحّ التعبير، كان يمكن أن يكون بداية نقطة تحول هامّة خصوصا وأن شعاراته والخطوات التي اتخذت كانت غير مسبوقة رغم التفاوت بين الرؤساء في رؤيتهم. البعض رأى أن الإفلاس الذي تعاني منه سلطاتهم المحليّة هو سياسة استهتار واستخفاف فيهم وبالتالي في مواطنيهم وبسبب سياسة “القطيع” التي يعاملون بها: “فما دام الراعي راض فالكل راض”!، فرأى الفرصة ملائمة للتحرر من الرعاة أصحاب “الزواويد” الدسمة ولجعل المواطنة ركيزة للمعركة. والبعض الآخر رأى أن المعركة وشعاراتها وخطواتها هي تكتيك ليس إلا حاسبا نفسه أفهم من “الشاباك” الذي جلس مع بعض الرؤساء أكثر بكثير ممّا جلس معهم الوزراء، وكل ذلك من خلال ذهنيّة المرتزق ” أنا أخدم في الجيش وأريد حقوقا” وليس ذهنيّة المواطن كما “الحريدي” اليهودي المتشدّد على الأقل.
يوم 14\7\09 وبشكل مفاجيء وعشيّة مظاهرة السلطات المحليّة العربيّة التي صادفت في نفس الزمن للمظاهرة التي كان خطط لها الرؤساء الدروز يوم إقرار قانون الميزانيّة، بهذا الشكل المفاجيء وقع غالبيّة الرؤساء ومن الاتجاهين أعلاه عدا واحد رفض التوقيع بسليقته ليس بسياسته لأنه “لقطها”، على “اتفاق” من صفحة واحدة لا يستطيع أن يفك طلاسمه إلا موظفو وزارة الماليّة والعالمون ببواطن الأمور. ولكن الملفت أن الاتفاق وحسب التاريخ الذي يحمله كان طبع قبل يوم من التوقيع أي 13\7\09 وما زال لغز “طبخه” خاف حتى اليوم عن غالبيّة الرؤساء.
أُفهم الناس أن المعركة هذه المرّة هي على المساواة الكاملة ولا عودة عن الإجراءات إلا بتحقيقها، وإلا بالعودة تتم باتفاق هو العاشر من نوعه لا بل “أخبث” ممّا سبقه، ولم يطل الوقت فعندما ذهب بعض الرؤساء ل”يصرفوا” بنده الرابع والخامس ذاب الثلج سريعا وبان المرج وإذا بالمرج مليء بمياه المجاري تماما مثل شوارع القرى الدرزيّة.
دُعيت بحكم موقعي كعضو كنيست لجلسات المنتدى وطرحت لاحقا على جدول أعمال الكنيست الموضوع وأقرت الكنيست الموضوع محيلة إياه للجنة الداخليّة التي بحثته وخرجت بتوصيات هامّة إيجابيّة، إلا أن الاجتماعات التي لحقت بان عليها وبأضعف الإيمان الهزال وكان واضحا أنّ وراء الأكمة ما وراءها.
الخلاصة أن “الاتفاق” الذي وقع لا يغني عن جوع ولا عن عطش وما تحقق به ليس إلا فتات وبقيّة بنوده ليست إلا عودة و”علك” لخطط الإشفاء الموجودة أصلا وإن غدا لناظره قريب ! لا بل أكثر من ذلك ضمّ الاتفاق بندا خطرا جدا فيه إيقاع بين الرؤساء.
ما زال العرب الدروز في الذهنيّة الصهيونية ذخرا يجب من وجهة نظرها الحفاظ عليه حتى لو تشوه هذا الذخر، ولعلّ في الاستطلاع الذي نشر مؤخرا عن قسم العلوم السياسيّة في جامعة حيفا والذي بيّن أن 64% من الدروز لا يؤيدون التجنيد الإجباري وبنسبة متقاربة يعطون الأهميّة لانتمائهم العربيّ. والأهم ما جاء في مؤتمر هرتسليا عن دالّة الشعور بالانتماء الوطني الإسرائيلي لمواطني الدولة من شتى الانتماءات والذي بيّن أن الدالة لدى الدروز في تراجع وصل عام 2008 إلى 1.4 من أصل 6 نقاط. لعلّ في كل ذلك وفي توصية مستطلعي مؤتمر هرتسليا: “يجب الحفاظ على الدروز وإلا فالمضرة كبيرة” الدافع وراء الالتفاف على الإضراب وبهذه السرعة باتفاق سمّه أكثر كثيرا من دسمه.
القيادات الوطنيّة الدرزيّة وهي اليوم أقوى بما لا يقاس ممّا مضى وتشكل حالة لها تأثيرها واحترامها، إذا استنتجت الاستنتاجات الصحيحة وتعاملت مع المعطيات العلميّة وأولا بوحدة برامج، لتحويلها من مواقف استطلاعيّة يمكن أن تتغيّر إلى ممارسة مواقف، ستكون لهذه القوى كلمة الفصل وليس بعيدا.
أمّا القيادات العربيّة بشكل عام فعليها أن تقرر هل تريد لهذا العضو من الجسد أن يشفى بعودته لأصوله أم لا تريد وليبقى الجسد مشوها، إذا أرادت فلتستغني عن إعطاء أنفسها “الأليبي” حتى لو جاء ذلك على شكل “دراسات” ولتمد يدها لدعم القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة التي هي جزء منها في النضال العام لوحدة وبوحدة وطنيّة حقيقيّة لا لوحدة وبوحدة طوائف خلفيتها مكاسب متخيّلة في الانتخابات البرلمانيّة.
سعيد نفّاع