صباح السبت كنت في طريقي إلى أبو سنان وطبيعي حاملا معي ما جاء في وسائل الإعلام أن “طوشة حدثت بين المسلمين والدروز” على خلفية اعتمار طلاب مسلمين الكوفيّة في المدرسة واعتراض طلاب دروز على ذلك”. (عندنا هنالك من يصر طبعا أن يتبنى الرواية المؤسساتيّة أن الدروز في إسرائيل هم دروز رغم أن ال-%95 من دروز الشرق الأوسط في سوريّة ولبنان يُدعون المسلمون الموحدون).
استثمرت وقت السفر للاتصال ببعض الشخصيّات لسماع التفاصيل والغريب أن كل واحد روى رواية تختلف وقائعها عن الآخر، وصلت باكرا حاملا ما لا يقل عن ثلاث روايات والتقيت رئيس المجلس على انفراد فروى لي ما جرى وكانت روايته مختلفة عمّا سمعت في الكثير من التفاصيل.
كنت على علم أن الأخوة طلب الصانع ومسعود غنايم وصالح طريف في الطريق، وشاءت الصدف أن جلسة طارئة للمجلس كانت محددة مسبقا ومفتوحة للناس ووسائل الإعلام التي تواجدت بكثافة، وشاركنا فيها وروى رئيس المجلس أمام الحضور الرواية، لم يعترض أحد على رواية الرئيس من أعضاء المجلس، وملخصها:
” الإشكال الذي كان حول اعتمار الكوفيّة كان انتهى قبل الطوشة وبالتنسيق بين المجلس وإدارة المدرسة وأولياء الأمور، ولكن كتابات على الفيس بوك طالت الكثير من طالبات المدارس بدأت تشحن الجو، إلى أن التقى في قهوة شابان (مسلم ودرزي) كل يتهم الآخر بالتطاول على اخته تطور الشجار بينهما إلى طعن الشاب الدرزي بسكين، فكانت هذه الشرارة التي أطلقت الشيطان من القمقم وإن غرباء كثيرين تواجدوا في القرية أثناء الأحداث وشاركوا فيه وهذا بح ذاته خطر كبير”.
هذه الرواية لم يعترض عليها أحد من كامل هيئة المجلس ولا من الحضور ممّا معناه أنها الرواية الأصح، إلا إذا كان إجماع الحضور مصطنعا علما أن الحضور كان شاملا، وربّ سائل وما أهميّة ذلك ؟!
كل من شارك في النقاش أكد على أن الأمر ورغم شكل تطوره ليس بين المسلمين والدروز في أبو سنان وليس حول اعتمار الكوفيّة الذي كان فهذا الإشكال سُوّي، ومع هذا يبقى السؤال لماذا أخذ الشجار هذا المنحى؟! ومن المعني بترويج الروايات والإصرار أن الطوشة “إسلاميّة درزيّة” ؟!.
في نقاشي قلت دعونا لا نطمر رؤوسنا في الرمال فأن الأجواء المحليّة وحتى الإقليميّة مهيأة لتطورات لا تُحمد عقباها، والأهم أن هنالك أياد متربصة للاصطياد في المياه العكرة، ولذا يجب وأد الأمر حالا.
لم تمض ساعات حتى خرج إلى الهواء تقرير التلفزيون الإسرائيلي الذي كان حاضرا، وكل من سمع التقرير لن يحتاج إلى كثير تفكير ليستنتج أي أداة هذه فأصر المراسل أن يُسوّق الرواية “السوقيّة” متجاهلا رواية هيئة المجلس بكامل هيئته وأمام حضور آخرين، وظلّ في نظره الشجار بين “مسلمين ودروز” وعلى الكوفيّة !!! والمؤسف أن مواقع عربيّة ظلّت على روايتها على طريقة “عنزة ولو طار” !!!
الذي حدث في أبو سنان خطر جدّا وطعن الناس يالسكاكين وإلقاء قنبلة إنشطاريّة على الناس عمل إجراميّ ولكن يظلّ فرديّا إن لم يُغذى جمعيّا جاهليّا، ويظل الأخطر المصطادين في المياه العكرة والترويج الإعلاميّ المحرّض من ناحية والبعيد عن المسؤوليّة جهلا أم قصدا من الأخرى.