ما بين الشيخ القاتل والشيخ العاقل!

تقدمة:

تناول الشيخ رائد صلاح في زاويته الثابتة في “كل العرب” عدد 16\1\09 في حلقته ال-29 من الراصد المتفائل قضية خدمة العرب الأمنيّة في المؤسسات الإسرائيليّة المختلفة وعلى ضوء وفي سياق العدوان على غزّة العزة، مخصصا الجزء الأكبر للخدمة الإجباريّة المفروضة على الشباب العرب الدروز، ودون أن يذكر الشباب الشركس المسلمين السنّة المعانين من نفس المصير.

 

بدأ الشيخ حلقته بسؤال: “أخبرني متى تغضب؟” هو عنوان لقصيدة للشاعر عبد الغني أحمد التميميّ، موجّه إلى ذلك القوم من أبناء طوائف شعبنا في الداخل سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين وسواء كانوا فلاحين أو بدوا ، وسواء كانوا في الشمال الفلسطيني وسطه أو الجنوب، الذين يخدمون المؤسسة الإسرائيليّة  في أذرعها الأمنيّة المختلفة ويرون ما تفعل هذه المؤسسة في أطفال أبناء شعبهم.

 

قال العرب يا شيخ : “خاف من غضب الكريم!” فيا أيها الشيخ لا أنصحك أن تنتظر الغضب ممن رضي لنفسه طوعا خدمة عدو أبناء شعبه وأمته شرطيا جماهيريا كان أم شرطيا مدنيا أو شرطيا حارس حدود أو متطوعا في الجيش أو خادما مدنيا فليس أولاء من الأكارم وغضبهم وعدمه سيّان، أمّا لأولاء الملزمين بالخدمة قسرا فسؤالك أكثر من في محلّه ومهما كلّف ثمن الغضب، فالغضب مطلوب.

 

أنت القاتل يا شيخ !

يتطرق الشيخ هنا إلى عنوان كتاب رأى الشيخ من مرصده ألا يعير أهميّة لصاحبه وربما أن الأمر نابع من نسيان، فصاحبه هو الكاتب سلمان ناطور إبن دالية الكرمل وعنوانه: “أنت القاتل يا شيخ” . ولكن ما يهمنا في السياق ما راح إليه الشيخ في موضوع هذا الكتاب ليس بذنبه إنما وبذنب الكاتب أولا، ولكن الذنب المغفور إذ لم تتوفر في الذنب النيّة السيئة لا لدى الكاتب ولا لدى المتناول.

يقول الشيخ:

“ألمتمعن في هذا الكتاب يقف على هجوم غاضب من صاحبه على قيادة من بني معروف وقّعت قبل عشرات السنوات على وثيقة تبارك فيها وتوافق علانيّة على فرض التجنيد الإجباري على شباب بني معروف في الداخل الفلسطيني وإلزامهم بالانخراط في الجيش الإسرائيلي.”

ويضيف:

“وكأن صاحب هذا الكتاب يعتبر كل من وقّع من قيادة بني معروف على الزج بشباب بني معروف في الداخل الفلسطيني وربط مصيرهم مع الدلوعة “تساهل- جيش الدفاع الإسرائيلي” كأنه يعتبر كل من وقّع على ذلك من قيادة بني معروف هو القاتل!!”

 

كتب سلمان ناطور هذا الكتاب في بداياته ككاتب وكان وقتها أسوة منّا الكثيرين من أبناء معروف،  يعيش أكذوبة ما زال يعيشها حتى اليوم الكثيرون من أبناء معروف وتعيشها غالبيّة أبناء شعبنا من الطوائف الأخرى، وكأن التجنيد الإجباري فرض على الشباب العرب الدروز بناء على طلب “قياداتهم” وتوقيعها، تماما كما عرض الشيخ الموضوع معتمدا على الكتاب المذكور.

تناولنا هذا الموضوع وتناوله غيري في أكثر من مناسبة وأكثر من مقال ومعالجة، ولكن يبدو أن حقيقة شكل فرض التجنيد على العرب المسلمين الدروز والمسلمين الشركس ما زال يكتنفها الغموض رغم المصادر والوثائق السريّة التي كشفت بحكم أنظمة التقادم ونشرت مؤخرا على شكل دراسات أكاديميّة تثبت بما لا يترك مجالا للشك، أن تجنيد الدروز تمّ على يد المؤسسة الإسرائيليّة وبغض النظر عن موقف الغالبية العظمى من الدروز المعارض لفرضه، وكل الطرح الخبيث (لا أقصد من الشيخ ) وكأن القيادات الدرزيّة طلبت ووقعت على ذلك هو محض افتراء يصب في سياسة “فرق تسد” التي اتبعتها وما زالت إسرائيل تجاهنا.

 

أنت العاقل يا شيخ !

في سياقنا أعلاه أنصح الشيخ  وهو العاقل‘ أن يقرأ كتابا صدر مؤخرا لكاتب يهودي أسمه شمعون أفيفي تحت عنوان: “طبق نحاس- سياسة إسرائيل تجاه الطائفة الدرزيّة”، سيجد الشيخ فيه وغيره ممن ما زلوا يعيشون “الأكذوبة” أعلاه، سيجدوا الحقيقة حول كيف تمّ فرض التجنيد على العرب الدروز وكيف قاومته قيادتهم الحقّة عندها وقاومه الناس وكيف فرض في النهاية.

 

يضيف الشيخ من مرصده وعلى ضوء طبعا العدوان على غزّة وعطفا على سؤاله : “أخبرني متى تغضب؟” مسديا إلى بني معروف نصائح يتبعوها ليتبدل عنوان الكتاب إلى: أنت العاقل يا شيخ، ألخصها:

“إنها فرصة تاريخيّة لا يجوز لعاقل في الأرض أن يضيّعها ولذلك أتمنى على بني معروف ألا يضيعوها … أن يجتمعوا على موقف… لو سمعوا نصيحتي ليقولوا فيه: نحن بني معروف نخلع حلف الدم مع الدلوعة “تساهل” من حياتنا جميعا …”

 

لقد وقعت يا شيخ وأنت العاقل، بمجرد أن رأيت إبطال التجنيد الإجباري عن الشباب العرب الدروز فعل إراديّ بمجرد أن يتخذ شيوخهم وهم القرار لإبطاله فيبطل. التجنيد الإجباري مفروض وبقوة القانون غير مرتبط بإرادة هذا أو ذالك من الشيوخ، واستنتاجك هذا نابع من الأكذوبة التي رُوّجت بخبث وكأن الدروز أو قيادتهم هم من طلبوا ووقعوا على التجنيد، فهل القوانين في إسرائيل تُبطل أو تُلغى بتوقيع المعنيين؟

عندما فرض القانون أو على الأصح أبطل إعفاء الدروز والشركس من سريانه سنة 1956 كما كان الحال وما زال على بقيّة شرائح أبناء شعبنا، كان عدد الدروز حينها لا يتجاوز ال-15 ألف نسمة %7 ممن تبقى من أبناء شعبنا، طبعا نصفهم من النساء ونصف النصف الآخر من القاصرين، فوقع من رجالهم البالغين حينها أكثر من 1600 موقع ضد فرض التجنيد فهل شفع ذلك؟ وامتثل للتجنيد حسب شمعون أفيفي فقط %27 فهل شفع لهم ذلك؟

ولكن الأهم وأنت العاقل ياشيخ عدد الرافضين الانصياع للقانون والذي تعرف حضرتك وغيرك حقيقته، ألم ترى على الأقل ما هو ظاهر للعين ومن خلال تجوالك، المئات من الشباب الدروز في سن التجنيد المتدينين هربا من التجنيد؟ وأطمئنك أن ما لا يقل عن عددهم لا تراه يرفضون التجنيد ويسجنون السنوات والأشهر الكثيرة.

وأخيرا:

لن يقف كل الدروز سامعين نصيحتك ففي كل شريحة منّا الغثّ والسمين حتى لو كان الفعل إراديّ ويكفينا بيّنة آلاف المتطوعين في الأذرع الأمنيّة المختلفة من بقيّة شرائح أبناء شعبنا الذي يفوق مرات الملزمين من الدروز والشركس رغم أن الفعل هنا إراديّ، ولا نختلف أن الفعل الإراديّ أخطر ألف مرّة من غير الإراديّ.

 

 

 

 

 

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*