وما دام الوضع كما وصف الشيخ فلماذا وما العمل؟
نشرت الصنارة في عددها من ال-20 من نيسان 2012 مقابلة مطوّلة مع الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي للطائفة “المعروفيّة” كما جاء في العنوان أجراها الصحافي حسين سويطي. تطرق الشيخ فيها إلى العديد من نواحي الحياة التي تخصّ “رعيّته” وجاءت إجاباته شهادة سوء سلوك من الدرجة المنخفضة للمؤسسة الإسرائيليّة، ممّا يثير السؤال: فما دام الوضع هكذا فلماذا وما العمل؟!
للضرورة ومنعا للالتباس لا بدّ من ملاحظة شخصيّة، فلا استئناف عندي على مركز الشيخ لا مذهبيّا ولا قضائيّا ولا اجتماعيّا وأقدّر الدور الذي يقوم به، ولكن ليس سرّا أن لي رأيا يختلف في بعض المحطات معه في علاج بعض القضايا اليوميّة وفي قضيّة التواصل بشكل عام، وقد جرى بيننا الكثير من النقاشات والمداولات العلنيّة في بعضها والمغلقة وحتى الشخصيّة في أخرى.
مقابلته موضوع قراءاتي حريّة بالنقاش وتحديدا بعض الأمور فيها وفقط بعضها، وصولا للإجابة على السؤال “لماذا وما العمل؟”.
أولا: “الخدمة الوطنيّة” للفتيات الدرزيّات.
يتطرق الشيخ إلى موضوع ما يسمى “الخدمة الوطنيّة” للفتيات الدرزيّات فيقول: ” فوجئنا مؤخرا أن هنالك قرابة ال-300 فتاة يؤدّين الخدمة، وموقفنا هو الرفض الواضح والصريح ونأمل أن يُنفّذ القرار الصادر عن الهيئة الدينيّة بإلقاء الحرم الديني على الأهل، فنحن نخاف أو بنظرنا فإن هذا المشروع سيؤدي بالفتاة إلى نهاية لا تّحمد عقباها كالخدمة العسكريّة أو ما شابه”.
عندما أبطلت المؤسسة الإسرائيليّة عام 1956 الإعفاء من الخدمة العسكريّة الإجباريّة عن الشباب الدروز أو ما يُسمّى اصطلاحا: فرضتها، كان موقف المرحوم سلف الشيخ موفق الشيخ أمين طريف رافضا لهذا الإجراء وعندما قُمِع اشترط على المؤسسة وأزلامها قائلا بتصرّف: “ابعدوا عن النساء والمتديّنين وافعلوا ما شاء لكم ولكني لست شريكا”.
فهل جرؤ منذ ذلك الوقت وطيلة حياته أحد من المؤسسة أو الأزلام الاقتراب من المتدينين والنساء؟! فكيف ولماذا تجرّأوا الآن؟!
عقاب الأهل بالحرمان الديني هو عقاب الضحيّة التي أُلزمت على ذلك في غالب الأحيان ثمنا لتحصيلها العلميّ وقصر يد حيلة أهلها الاقتصاديّة، فالفتيات وذوو الفتيات هم ضحايا المؤسسة وأزلامها المجرمين الحقيقيّين، ولذلك فالأوْلى بالهيئة الدينيّة معاقبة المجرم ووقفه عند حدّه، ولو أخذنا على الأقل موقف المرحوم الشيخ أمين نبراسا ووجهنا الأسهم للمؤسسة بدل الأهل لقطعنا يد المؤسسة وأزلامها، وهنا مع الاحترام تكمن الإجابة على ال”لماذا” وعلى ال”كيف” !!!
ثانيا: التواصل والمحاكمات.
يقول الشيخ : “نحن مع التواصل وهذا حقنا الطبيعي كما بقيّة الطوائف، وإنّ تقديم لوائح الاتهام بحق المشايخ الذين زاروا سوريّة هو ظلم وإجحاف وطالبنا المستشار القضائي ووزير القضاء ومدير الشرطة بإغلاق الملفات” .
أين سعيد نفّاع المتهم الأول وراعي ومنفّذ المشروع؟!
مرّة أخرى ومنعا للالتباس لا أطلب تدخّلا من أحد وكلّ مطالِب أو متدّخل إذا أراد وبضمن ذلك الشيخ يفعل بقناعاته، ولكن نود الإشارة والتأكيد على أن السلطة حاولت عبر اتصالات ومنذ البداية دقّ الأسافين في لجنة التواصل وبينها وبين النائب نفّاع فأعلنها المشايخ أعضاء اللجنة الوطنيّة للتواصل وعلى رؤوس الأشهاد: “لن تنطلي علينا هذه الألاعيب!”.
ومرّة أخرى عودة للمرحوم الشيخ أمين طريف ومع الفارق في الأهميّة بين المشروع الذي نحن بصدده وموضوع العودة. عندما حصلت المواجهة الدمويّة في بيت جن عام 1987 مع الشرطة وحرس الحدود وسلطة حماية الطبيعة والتي أصيب فيها حتّى قائد المنطقة حينها واعتقل المئات من الشباب وكان أول المتهمين رئيس المجلس المرحوم شفيق الأسعد، وتدّخل الشيخ المرحوم لأنه رأى الغبن والإجحاف في حقّ أهل بيت جن، لم يفرّق بين الناس والمسؤول وفعلا أغلقت الملفات وأولا ضد رئيس المجلس الذي أرادت المؤسسة حينها أن تستفرد به.
فضيلة الشيخ موفق يعرف حقّ المعرفة أنّ النائب سعيد نفّاع هو الذي سهّل له الموافقة عام 2004 وبناء على طلبه للاشتراك بالتعزية بالمرحوم طيب الذكر الشيخ أبو عارف فايز حلاوة سوريّا ولبنانيّا، ولولا أن تراجع حينها لكانت فُتحت الطريق. ويعرف حقّ المعرفة وفي الجلسة الوجاهيّة المغلقة بيننا ما الذي حصل في المشروع عام 2010 ولماذا أُفشل وكيف أفشل ومن أفشله، ولا أريد هنا أن أُفصّل في هذه المرحلة.
فهل طريق الشيخ المرحوم أمين طريف مرّة أخرى، هي النبراس؟!
ثالثا : الحقوق والمساواة.
يقول الشيخ: ” حكومات إسرائيل المتعاقبة مقصّرة بحق الطائفة العربيّة الدرزيّة وهذا الإجحاف متراكم منذ قيام الدولة، هنالك ظلم شديد حتى اليوم، نحن نتمنى أحيانا مساواتنا ليس مع القرى والمدن اليهوديّة بل حتى مع جيراننا وأخوتنا من القرى والمدن العربيّة الذين لا نحصل على ميزانيات مثلهم للأسف.
مراسل الصحيفة: هل تعني أن القرى الدرزيّة تحصل على ميزانيّات أقل من القرى العربيّة الأخرى؟
صحيح، صحيح، وهذا مؤسف فالإجحاف والظلم الموجود بحق أبناء الطائفة الدرزيّة لا يزال كبيراً، نحن كنا عام 2011 بحاجة لميزانية للشؤون الدينيّة ب-85 مليون شيكل أعطونا 2 مليون فقط.”
عندما نقول نحن هذا الكلام يعزونه لأننا مناوئين لسياسة الدولة، فها هو شيخ الطائفة الأول يقول ذلك فهل هو أيضا مناوئا لسياسة الدولة؟ وإذا لم يكن فالسؤال إذن لماذا؟ وما العمل؟!
المؤسسة الإسرائيليّة بكل أذرعها عنصريّة ظالمة ومجحفة في حق العرب كل العرب، هذا لم يعُد موضوع نقاش والموضوع هو في أن يصل المظلومون لهذه النتيجة وإشهارها من ناحية ومن الأخرى أن يجدوا السبل لرفع هذا الظلم وهذا الإجحاف.
المشكلة تكمن في أنّ المؤسسة لا تتهيّب من القيادات العربيّة الدرزيّة التقليديّة وتحاول قمع القيادات الأخرى غير التقليديّة ولشديد الأسف بمساعدة الأولى أحيانا، وبكلمات أخرى لا هيبة للقيادات أمام المؤسسة فلو كان لها هيبة لما جرؤت على هذا الظلم والإجحاف، وعندما نعرف كيف تُأخذ أو تُفرض الهيبة عندها نكون عرفنا ما العمل، وسيبدأ على الأقل رفع الظلم والإجحاف، ألا نتغنى دائما بقول طيّب الذكر سلطان الأطرش ” الحقّ لا يُستجدى بل يؤخذ بحدّ السيف”.
أواخر نيسان 2012
النائب المحامي سعيد نفّاع