الدروز… وما الفارق بين رائد فتحي وإيال غباي؟!

ذكّر إن نفعت الذكرى… عام 1920 قام حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونيّة العالميّة حينها ولاحقا الرئيس الأول لدولة إسرائيل، بجولة في فلسطين، وجه على أثرها القسم السياسي في الحركة الصهيونيّة أن يضع استراتيجيّة للتعامل مع الفلسطينيين لتسهيل الهجرة اليهوديّة. وقد وضعت هذه الاستراتيجيّة وفي صلبها جاء:

“يجب رصد الخلافات بين الطوائف الفلسطينيّة وتنميها وحيث لا توجد إيجادها، وخلق قيادات بديلة وتمويلها، وإيجاد صحفيين وصحافة تسوّق للفوائد المعيشيّة التي سيجنيها الفلسطينيون من قدوم اليهود”.

رائد فتحي دكتور مغمور في المشهد العربي السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ، صار في الأيام الأخيرة أشهر من “نار على علم” ولم يكلفه الأمر أكثر من محاضرة استعرض فيها بعض آراء علماء السنّة في المذهب الإسلامي التوحيدي (الدرزي).

وإيال غبايّ (المتديّن) كان قبل سنوات قليلة مدير عام مكتب رئيس الحكومة، نتانياهو، ولعب دورا عنصريّا مقرفا ضدّ أهالي الكرمل (الدروز) في قضيّة الأراضي، وتمّم ذلك بتصريح عنصريّ سافل ضد الدروز واصفا إياهم وسلوكهم بأوصاف قبيحة.

وبالمناسبة عام 1987 أصدرت وزارة “الثقافة” الإسرائيليّة كراسا تعليميّا للطلاب اليهود بإشراف الوزير يتسحاك نافون ورئيس الدولة لاحقا، مليئة بالأوصاف المهينة للدروز لا تختلف كثيرا عن اقتباسات السيّد الدكتور فتحي.

محاضرة الدكتور فتحي مدانة ومستنكرة في فحواها وفي توقيتها، وإن كان لم يجلب شئيا من عنديّاته. ولكن هل تستأهل كل هذا الضجيج الإعلاميّ وكلّ هذا الانفعال؟!، ويسأل هذا السؤال على الأقل لأننا لم نشهد مثل هذا الضجيج وهذا الانفعال لا عندما وقّع نافون كراسته ولا عندما أطلق إيال جباي تصريحه اللذين لا يقلان عنصريّة ولا إهانة للدروز!!.

وإن لم تخنّي الذاكرة وأرجو ألا أكون ظلمت أحدا، فالوحيد الذي تصدّى لأيال غبايّ حينها هو كاتب هذه السطور، وبعد أن نشرت تصريحاته المواقع العبريّة ومنها موقع واينت التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت، ونشرت كذلك بياني التعقيبيّ.

لا أشك في نوايا الشيخ موفق طريف خصوصا وقد سمعته وجاهيّا في الأمر وقرأت تعقيباته الصحفيّة على الأمر، ولا أشك في نوايا الكثيرين من المعقبين. ولكن دعونا لا نطمر رؤوسنا في الرمال ولا نرى الراكبين على الموجة ونحْذَرهم، ولا أن نتجاهل الأيادي السوداء المغرضة من ممارسي الاستراتيجيّة أعلاه التي تصبّ الوقود على نار أشعلها جاهل يحمل لقب دكتور، فمن يصب الزيت على النار أخطر كثيرا من مشعلها.

يكفينا أن نراجع ما كُشف من وثائق عن أحداث شفاعمرو في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، وعينيّا تقرير قائد منطقة حيفا الانجليزي حينها لوزارة المستعمرات في الحكومة البريطانيّة والذي جاء فيه:

“أنه كلّما اقتربنا من حلّ النزاع يقوم آبا حوشي بالتخريب!!!”

ولم يطفيء النار التي كان يصب آبا حوشي عليها الزيت كلمّا قاربت أن تنطفيء، إلا وفد جبل العرب برئاسة أبطال الثورة العربيّة السوريّة الكبرى عبد الغفار باشا وحمزة الدرويش ورفاقهما.

إنّ ردود الفعل على تفوهات رائد فتحي من كثير من الشخصيّات الاعتباريّة العربيّة السنيّة وفي مقدّمتها الشيخ خالد حمدان رئيس بلديّة أم الفحم، والتي لم نر مثلها من شخصيّات يهوديّة على تفوهات أيال جباي، هي مباركة. ولكن هذا لا يعفي الآباء الروحيين لرائد فتحي وفي مقدمتهم الشيخ رائد صلاح وكذلك لا يعفي القيادات السياسيّة، من إسماع صوتهم في الموضوع، ولتغلق القضيّة نهائيّا.

نحن كأقليّة قوميّة في هذه البلاد وعلى اختلاف انتماءاتنا الثانويّة الطائفيّة والمذهبيّة مستهدفون بأغلى ما نملك وأقوى ما نملك وهو وحدتنا المصيريّة، وكل تصرّف أو قول يمسّ هذه الوحدة يخدم أولا وقبل كل شيء المتربصين شرّا فينا جميعا… والدين لله وأمّا البيت فلنا جميعا والذي يمس منه “صرارة – حجر صغير” هو الكافر بالأديان وهو المرتدّ عن الأديان والمرتدّ والكافر عن وبالوطنيّة والقوميّة والإنسانيّة، وأيا كان انتماؤه.

أواسط أيار 2013

سعيد نفاع

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*