المسيرة مستمرّة والتحدّيات كثيرة
يوم السبت ال- 28 تشرين الأول 2017م نتوخاه يوما خاصّا في مسيرة حركتنا الثقافيّة الوطنيّة في البلاد، فيه سنعقد مؤتمرنا الثاني بعد مؤتمر الانطلاقة الأول، 19\6\2014م. وكأي مؤتمر لجسم ثقافيّ تقدّميّ نيّر، سيتمّ في المؤتمر تلخيص المسيرة ووضع أسس تكملة انطلاقتها، وانتخاب الهيئات لتنطلق حاملة اللواء من الهيئات السابقة ليظلّ مرفرفا وأقوى ممّا كان، وهذا أضعف الإيمان.
جاءت انطلاقتنا قبل ثلاث سنوات ونيّف، وعمليّا تتمّة للمسيرة التي كان بدأها الرعيل الأول من كتّابنا وشعرائنا قبل عشرات السنوات بإطلاقهم اتحاد الكتاب العرب في البلاد، فقد تمّ عند الانطلاق التنسيق مع رئيس الاتحاد، إلى فترة قصيرة خلت، الأديب محمّد علي طه، والرئيس الأسبق طيّب الذكر والثرى الشاعر الكبير سميح القاسم ، وحيّا كل منهما الانطلاقة برسالة خطيّة قرئت نيابة عن كلّ منهما في افتتاح مؤتمر الانطلاقة، وانطلق “اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين”.
لا نستطيع أن نتجاهل واقعا تنظيميّا كان قائما حينها في الحركة الثقافيّة، وهو بتسميته اليوم “الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيّين في ال-48” يضمّ نخبة من الكتّاب والشعراء، ولكن الحقيقة التاريخيّة تحتّم أن نشير إلى أن الغالبيّة العظمى من الأدباء لم تكن منضوية في هذا التنظيم، وأنه جرت أوائل ربيع ال-2014م محاولات جديّة وبالتعاون مع هذا التنظيم، للتحضير لمؤتمر شامل ينطلق بحركتنا الثقافيّة، إلا أن المحاولات فشلت لأسباب شتّى لا مجال للدخول في تفاصيلها ولا أسبابها في هذه العُجالة.
انطلقنا بمؤتمر انضوى في عضويته حينها (117) منتسبا، وخلال فترة إعداد لا تتعدّى الثلاثة أشهر، وقد وصلنا مؤخّرا إلى استمارة الانتساب رقم (189)، إلا انه أبطلت أو جُمّدت خلال المسيرة (37) استمارة لأسباب مختلفة. نطرح هذا الأمر من باب الشفافيّة القصوى، عارفين أنّ عددا كبيرا كمّا وكيفا، من كتّابنا وشعرائنا خارج أيّ تنظيم.
ورغم هذا انطلق “اتحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين” نحو الأهداف التي وضعها في مؤتمر الانطلاقة هذا، تجذيرا لحركتنا الثقافيّة الفلسطينيّة في البلاد، ونستطيع أن نشير وباعتزاز إلى الأساسيّة المتحقّقة، منها:
إحياء أيام اللغة العربيّة: الكلّ يعرف أن لغتنا العربيّة في بلادنا تتعرّض لمحاولات كثيرة للنيل من مكانتها، وما كاد الاتحاد ينظمّ هيئاته ويقرّ نظامه الداخليّ النهائيّ، حتّى “داهمنا” اليوم العالميّ للغة العربيّة، ال-18 من كانون أول 2014م، فأحييناه في مدينة الطيبة إذ انتشر عشرات الكتّاب والشعراء من أعضاء الاتحاد في كلّ مدارس الطّيبة محاضرين أمام الطلّاب في الموضوع، بعد هذا داوم الاتحاد على مثل هذه الأيام في العشرات من مدارسنا.
“شذى الكرمل”: انطلاقا من الأهميّة لوجود مجلّة أدبيّة توثّق أدبيّات حركتنا الثقافيّة، وتكون منبرا لكتّبنا وشعرائنا، وما أن أطلّ العام 2015م حتّى أطلق الاتحاد فصليّته الأدبيّة “شذى الكرمل”، وما زالت تصدر وبانتظام حتى اليوم ومن جيوب أعضاء الاتحاد الخاصّة.
الأمسيات الأدبيّة: تشهد ساحتنا الثقافيّة حراكا تمثّل في إطلاق الأمسيات الأدبيّة “التكريميّة” الكثيرة، وإن كان الفعل مباركا من حيث المبدأ إلا أنه طغى عليه الابتذال في الكثير من الأحيان. قرّر الاتحاد ونفّذ، إقامة أمسيات مختلفة بعيدا عن “التكريم”، أمسيات بين الناس في بلدات الأدباء وصولا إلى أكبر كمّ ممكن من القراء، على أن يكون لبُّها الأساس نقاشا وحوارا مع الكاتب أو الشاعر حول إنتاجه، ومع المتداخل ورأيه في الانتاج، وفي القضايا الثقافيّة بشكل عام.
نستطيع أن نفخر بما أنجزنا في هذه الفترة القصيرة، ولكن العوائق في سبيل الأحسن والأفضل كثيرة، وتمكن الإشارة إلى بعض منها:
أولا: تفاعل بعض الأعضاء، وحتى بعض أعضاء الهيئات، في الاتحاد لم يرقّ إلى مستوى العطاء والمشاركة المطلوبين وليس دائما من دواعٍ موضوعيّة، ولعل عدم وصولنا إلى كلّ “حامل قلم” وهم كثر كمّا وكيفا، يكمن بجزئه في هذا العامل.
ثانيا: لعلّ وجود تنظيمين “اتحاد الكرمل” و”اتحاد ال-48″، سبب في بقاء العديد من كتّابنا خارج الصفوف التنظيميّة للحركة الثقافيّة. تتمّ هنا وهناك بعض المداولات “في القعدات المغلقة”، حول وحدة الاتحادين، ولكنها لم ترقّ إلى المستوى الجدّي المطلوب.
ثالثا: بعض كتّابنا وشعرائنا يعتقدون أن “أمجادهم وراءهم”، ولذا فهم فوق التنظيم، وبعض آخر يريد أن يكون مع “سيده بخير ومع ستّه بخير”، وهؤلاء وأولئك ربّما يكسبون على المدى القصير على المستوى الشخصيّ، لكنهم يسيئون للحركة الثقافيّة وببعدين: الأول، يبخلون بتجربتهم الحياتيّة والثقافيّة على الحركة الثقافيّة، والثاني، يرسّخون ثقافة ال-“أنا” على حساب ثقافة ال-“نحن”.
رابعا: مرّة كانت الكلمة الأدبيّة جزءا من المهرجانات في المناسبات المختلفة، وكانت القراءة أكثر شيوعا، وقد غابت هذه وتلك فصارت طرق الكلمة الأدبيّة إلى الناس صعبة تتطلّب جهدا واجتهادا خاصّين، والتنظيم إذا أحسن العمل هو الآلية الأفضل للحفاظ على الطريق سهلة وسريعة المسالك، ففي نهاية المطاف الأديب يريد لرسالته أن تصل إلى الناس، وإذا أحسنت التنظيمات العمل تستطيع أن تعمل على تحقيق هذا الإرادة الشرعيّة لدى المبدعين.
خامسا: حملة القلم الثقافيّ في كل الشعوب همّ روّاد يتقدّمون الصفوف، فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا والأدب سبيل الوصل والتواصل بين حقول الشعوب الحياتيّة المختلفة هذه، وكم بالحريّ إذا كان شعب صاحب القلم يعيش قضيّة من أعوص القضايا بجوهرها وبتداعياتها. هؤلاء، والذين “استحْلوا” أن يصنّفوا أنفسهم بالنُّخبة، عادة يتصدّرون الصفوف، غير أنه عندنا، ومن المثير للغرابة، ليس فقط أننا لا نتصدّر وإنما نسير أكثر في الصفوف الخلفيّة، هذا إذا لم ننكفىء أصلا ونتقوقع في صوامعنا.
سادسا: الثقافة الفلسطينيّة هي كلّ متكامل رغم الظروف الاستثنائيّة التي تنبت فيها هذه الثقافة، الظروف غير الطبيعيّة التي يعيشها شعبنا وطنيّا، ال-48 وال-67 وشتاتهما. هذا الواقع الوطنيّ خلق كمّا من العوائق أمام التكافل والتكامل المطلوبين بين مركّبات هذا الكلّ، تنظيميّا، وحيث تمّ عملٌ في هذا الاتجاه أخطأ أصحابه الطريق وبالتالي أخطأوا الهدف.
سابعا: هذا الكلّ المتكامل جوهريّا المنقسم تنظيميّا، جزء من ثقافة أوسع، الثقافة العربيّة، وهذه ابتدع بعض حاملي لواءها قضيّة من لا قضيّة أسموها “التطبيع”، كوّنت وما زالت تكوّن عائقا مهمّا في طرق المسيرة الثقافيّة المحليّة الوعرة أصلا، وأرخت بظلالها على أشكال التنظيم المطلوبة للانطلاق بثقافتنا الوطنيّة، هذا خارجيّا ومرفوض. أمّا داخليّا وخارجيّا معا ف-“الوطنيّة الإسرائيليّة” ووضعها قسريّا لاعبا لا مكان له البتّة في التركيب، وداخليّا اتهام كلّ من يرى تحييدها في المسيرة التكافليّة التكامليّة في خانة المزايد، كذلك مرفوض.
العوائق أعلاه، هي ليست قائمة مغلقة، ولكنها ومثيلاتها تحدّيات أمام الحركة الثقافيّة بشخوصها: الأدباء، وبآليتها: التنظيمات، مواجهتها ليست سهلة وتتطلّب رؤية ورؤيا، نحن “المثقّفون” منشغلون عنهما في أمور تتحكّم بها نرجسيّتنا والتي هي جزء منّا شئنا أم أبينا اعترفنا أو أنكرنا، نحسن إن نجحنا بجعل مؤتمرنا يضع نقاط طريق أولى نحو هذه التحدّيات، نضعها بوصلة أمام هيئاتنا المستقبليّة.
سعيد نفاع
الأمين العام لاتحاد الكرمل
أواسط أيلول 2017م