مما جاء في المداخلة أن سعيد نفاع يميل إلى الأدب الذي يحمل رسالة سياسية، تظهر الغبن اللاحق بمجتمعه، ولأنه يمتهن المحاماة حرفة فقد وجدنا لذلك انعكاسا في نصوصه ممزوجا بروح الدعابة كما في حكاية “التشذوب”. يكتب سعيد نفاع القصة القصيرة والحكاية والنص والمقالة السياسية. وهو ينطلق في معظمها من محيطه القروي الفلاحي الجبلي، فتجلى ذلك في اللغة على صعيد الفصحى والعامية.
دخل سعيد نفاع عالم السياسة منذ سن صغيرة وتبوأ مناصب سياسية عدة منذ سن الشباب، حتى وصل إلى الكنيست الإسرائيلي، ثم قُدِّم للمحاكمة بتهمة زيارة بلد معاد. لذلك يبدو لنا بعد قراءة إنتاجه أنه ليس بغريب أن ينعكس هذا الأمر على مجمل ما يكتب في قصصه وحكاياته منذ بدايته انتاجه حتى اليوم. وهو الكاتب الذي ما انفك ينشر المقالة السياسية بشكل مكثف. وليس بغريب أن نرى عبر التاريخ رجال سياسة يمتهنون الكتابة الأدبية، ولنا على ذلك أمثلة عديدة في بلادنا هنا مثل؛ إميل حبيبي ومحمد نفاع وتوفيق زياد وكل منهم شغل منصب عضو كنيست.
من المعروف عن الأدب السياسي أنه يكتب للتعبير عن الغبن والظلم ولذلك فهو يوثق لحقبة زمنية معينة يمكن دراستها في الحاضر وفي المستقبل أيضا. هناك من كتب في هذه المواضيع في ظل وقوع بلاده تحت الاحتلال، أو في ظل أنظمة دكتاتورية قمعية مثل ناظم حكمت التركي وبابلو نيرودا التشيلي، ومحمد الماغوط وزكريا تامر السوريين، وآخرين.
أما سعيد نفاع فإن شغله الشاغل يدور في فلك مقارعة السلطة كمواطن يرى أن حقوقه مهضومة غير مكتملة بدءا من مصادرة أراضي المواطنين عامة، وأراضي قريته خاصة، مرورا بالخدمة الإلزامية في الجيش وقد فرضت على أبناء الطائفة العربية المعروفية، وانتهاء بالاحتلال الاسرائيلي لأراض عربية جعلت الجيش الإسرائيلي ينتهك حرمة الأهل هناك، صغارا وكبارا. (انظر خماسية من وحي أطفال غزة، من مجموعة لفظ اللجام، 2014) فلذلك نراه يعمد إلى أسلوب المفارقة في كثير من قصصه ونصوصه.
سعيد نفاع كغيره الكثيرين من كتاب القصة القصيرة والرواية الفلسطينية يطعمون كتاباتهم باللهجة المحلية، وبالحكايات ذات النكهة الفلسطينية وكأني أرى أن مثل هذه النوادر لا تدور أحداثها إلا في مجتمع عربي فلسطيني فلاحي. ولو قمنا بتسليم هذه الحكايات لمختص في علم الاجتماع لتمكن أن ينتج دراسات وأبحاثا عميقة تبين طبيعة هذا المجتمع؛ عاداته وتقاليده وأفكاره ومعتقداته وطريقة سرده. ولا أبالغ حين أقول إن لكل تجمع سكاني هناك طرائق سردية تميزهم عن تجمعات سكانية أخرى، ليس فقط في اللهجة المحلية بل في طريقة التعاطي مع الأحداث وطريقة تقبلنا لها.
- وجدت نفسي مشدودا إلى كتابات سعيد نفاع التي تدور أحداثها في قريته أو حين تدور في جو قروي، فهناك نلاحظ مدى انسجام نفاع مع الفلاح وأرضه وعالمه ومع الطبيعة بكل مركباتها فيسبح في عالمها بمهارة العارف بكل أسرار هذا المحيط الفلاحي.
- بعد هذه التجربة الطويلة التي خاضها سعيد نفاع في الكتابة فإني أجد أن الوقت قد حان لأن يفصل بين أنواع الكتابة التي يمارسها، وأن يصدر مستقبلا مجموعة قصصية خالصة لا تتشارك معها مقالة سياسية أو حكاية أو أي نص آخر.
باحترام رياض كامل