الكاتب والشاعر فرحات فرحات يعود ويعيدنا ويستكثر فينا متعة العودة

شاركت حاضرا مستمعا، الكاتب والشاعر فرحات فرحات ابن دالية الكرمل أمسية توقيع كتابه “ريترو – محطات مبعثرة” الصادر هذا العام عن دار راية للنشر، إذ كان ضيف “الخميس” الواقع هذه المرة في ال-22 من ت. ثاني 2012 في النادي الثقافي التابع للمجلس الملي الأورثوذكسي– حيفا.

لم أكن أعرف فرحات إلى قبل سنة ونيّف إلا كقاريء قرأت له ما وقع تحت ناظريّ دون عناء بحث، إلى أن أنزلتنا الكلمة قبل هذه السنة والنيف في محطّة واحدة وإذ بنا من خلال الحديث “الريترُوي” نكتشف إنّا مررنا معا منذ سنوات كثيرة خلت في محطة ما، قفز عنها الكاتب في محطاته المبعثرة وليس سهوا على ما يبدو.

فاتحة لا بدّ منها: لا أعرف من قواعد النقد الأدبيّ الكثير ولكني أومن أن الناقد الأول والأخير هو القاريء، وبالمناسبة القاريء العادي ليس القاريء الضليع بالخبايا والخفايا والقولبة والجوهرة فهؤلاء لهم في القراءة شؤون. وأومن إنه إذا استفزتني المقطوعة الكلاميّة كقاريء، وسمّها ما شئت معلّقة “متفعلة” أو “سفط” كلام “مموسق” غير موزون، رواية أو قصّة، نصّا أو حكاية، فإذا استفزتني حتى لو أدى بي الاستفزاز إلى شتم الكاتب من كثرة قهري يكون أدى الرسالة، لأني أومن أنه في نهاية الأمر لكل ذوقه ولا ينصّبن أحد نفسه “مسطرة”، ولنترك النهر يتدفقّ بماء كلّ الجداول التي تصب فيه فهو في النهاية سيفرغ بحكم جغرافيا جريانه ممّا امتلأت بطنه بسواق تنتهي إلى لا مكان، ومن هذا ولهذا كلّه لست في صدد نقد الانتاج بل الوقوف على بعض محطاته ومحطات حطّ فيها الكتاب بعد أن وُلد.

أولها: “ريترو” فرحات شدّني وخلال 48 ساعة كنت التهمته وخلال التهامي قررت أن أشاركك عزيزي القاريء طعم ما التهمت، وأنصحك رغم أن النصيحة “كانت بجمل وصارت لا تُحتمل” ألا تتردد في التذوق لأنك ستجد نفسك في الكثير من هذه المحطّات بطلها. تناول الكتاب ثلّة من المعنيين خلال الأمسيّة رأى كل منهم زاوية ما دغدغته وفي الكتاب كثيرة مثل هذه الزوايا المدغدغة، ففي “ذهب مع الريح (1)” ص156 يكتب فرحات:

“لا أدري إذا كان هذا الشعور ملكي، أو ملك أقليّة من الناس فقط. شيء ما كان يجب أن يحدث، لكنه لم يحدث أبدا. وأبدية عدم الحدوث، خارجة عن إرادتي تماما. لا أملك حق الاعتراض أو الاستئناف. ألعق خيبة أملي وأعيش على وهم أني لم أفقد شيئا ذا أهميّة كان من الممكن أن يحدث تغييرا في مسار حياتي…” وإلى نهاية المحطّة. هذا الشعور ليس ملكك يا فرحات ولا ملك قلة من الناس فقط هو ملك الناس كلهم أو على الأصح رفيق الناس كلهم، ولذا فمحطات فرحات بغالبيتها هي محطاتك كذلك وسيكتشف القاريء أن فرحات سيستفزه حين الوقوف فيها.

ثانيها: أن تكتشف في زمن القحل التكافليّ الأدبيّ هذا أن هنالك قاعة صغيرة في حيفا يقوم عليها إطار “طائفي” تستضيف كلّ شهر في خميس من أيامه أمسية أدبيّة “عربيّة” فهذه شمعة في زمن عزّ الشمع فيه، فكوم من التحيّات.

ثالثها: عندما كنّا نحتفل بعرساننا مع “ظريف الطول” و”جفرا ويا الرّبع” و”يا طالعة من عقبة الرمانة” وليس ب “بوس الواوا” وأخواتها، كانوا يغنّون للعريس “ونادوا لأولاد عمّه يجولُه- بالطبول والزمور يرقصولُه”، فسهرة فرحات خلت من الكثير من “أولاد عمّه” ولا أظنه بخّل في الدعوة، حتى المنظمة التي شهد على نفسه في ال-CV أنه ينتمي إليها “اتحاد الكتاب” لم تشاركه فرحته. يبدو أن المعركة المصيريّة الانتخابيّة التي ستحقق لنا كل تطلعاتنا الوطنيّة والقوميّة تشغلهم، أو فقدوا الحسّ في العمومة والخؤولة أو لا يستطيعون فراق الجزيرة وال- “غايب عذره معه”.

رابعها: في بعض محطاته المبعثرة يقف فرحات فيها ارتجاعيّا إذا صحّ التعبير، بمعنى يجول فيها ليس كفرحات الماضي وإنما كفرحات اليوم ممّا أضفى عليها بعض ضبابيّة ومسّ في أصالتها.

خامسا: المحطّة ال (17) “ثورات – محاور شخصيّة”  تناول فيها ثورات “الربيع العربيّ” بحواريّة مونولوجيّة، فبغض النظر عن موقفي المنافي لمّا جاء فيها جوهرا ،فعلا بغض النظر، جاءت المحطّة جاءت نشازا بين محطّات ” ريترو” فرحات، تُخرج القاريء كليّة عن محطات الطريق التي جعلها قيلولة له تخرجه من عالم فيه من النقاوة الأدبية الكثير إلى عالم فيه من الفظاظة السياسة الكثير. ومن هذا الباب على الأقل كان أفضل لو تخطّاها لمناسبة أخرى فهي تحتاج أكثر كثيرا من وقفة على محطّة والأهم جاءت غريبة دخيلة على الكتاب.

أسرّ لي عطا أن أصل هذه المحطّة مقالة سياسيّة داعبها كثيرا لتجد لها مكانا بين محطاته لكنه وبرأيي المجرّد لم ينجح فكانت محطّة بدون مظلّة، ومرة أخرى بتاتا لا أقول الكلام هذا الكلام من باب رأيي الآخر ليس السرّي في جوهرها، وإنما من باب مكانها الأدبيّ.

وأخيرا: مبروك العرس وإلى عرس آخر من باب تعدد الكتب لا الزوجات!

سعيد نفاع ال24 من ت. ثاني 2012

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*