الدروز ومواجهة أنفسنا

د. أسعد غانم* – شعَبْ 

ليس هناك خلاف على حقيقتين تاريخيتين، لا زالتا صحيحتين حتى يومنا هذا، وعلى الغالب سوف تكونان كذلك في المستقبل. الأولى، الدروز هم عرب وفلسطينيون سياسياً وثقافياً واجتماعياً وموضوعياً – اذا صح التعبير، والثانية، انهم تعرضوا ويتعرضون لتعامل خاص كمجموعة دينية من قبل السلطة واذرعها السياسية والعسكرية والمدنية على حد سواء.

ليس خافياً على أحد ولا حاجة عينية للتأكيد ما هو واضح: الدروز كانوا ولا زالوا جزءا من النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي اليومي لمجتمعنا، تماما كما كانوا قبل 1948 والنكبة الفلسطينية، وتماماً كما هم جزء من النسيج المقابل في سوريا ولبنان. في المجال السياسي هناك، ينقسمون مرة مع السلطة ومرة مع المعارضة، منهم من يقف في جانب النظام البعثي لعائلة الاسد ويبرر قمعه للمعارضة ولعموم الشعب السوري الذي يرغب في التغيير نحو نظام وطني-ديمقراطي وبعضهم يُقمع ويُقتل من قبل رجال النظام وادواته العسكرية والامنية. وفي لبنان نجد نفس التوجهات، فمنهم من يؤيد خط الممانعة بقيادة حزب الله ومنهم من يقف في الصف الآخر، والادوار تتبدل، كما هي العادة في السياسة.

 

وكما هي ادوار الدولة والسياسة في سوريا ولبنان، يسري على اسرائيل، الدولة تحاول صقل مواطنيها لكي يكونوا تابعين للنظام وخياراته، في سوريا تحاول الدولة من خلال ادائها ودورها القمعي والتثقيفي والسياسي صياغة مواطن تابع لا يفتش عن الحياة الا من خلال ما يقترحه النظام، والامر صحيح هنا، الصهيونية والنظام السياسي يتطلعون الى صياغة مواطن تابع وخانع، لدى عموم المواطنين، ومنهم بالطبع الفلسطينيون الذين سلبتهم الصهيونية ووريثتها اسرائيل وطنهم وشردتهم، هم واهلهم، جزء هنا واجزاء هناك، وتحاول تدجين من بقوا في وطنهم. في اطار سياساتها هذه تتطلع الدولة الى تمزيق المجتمع الفلسطيني وتحويله الى اشلاء واجزاء.

 

وتعامل اسرائيل مع الدروز هو ليس بسببهم، بل بسبب القضية الفلسطينية، بسبب كونهم جزء من مجتمعهم وشعبهم الفلسطيني، بسبب كونهم جزء منا، لو لم يكونوا فلسطينيين كما تدعي الدولة، لما كانت حاجة الى سياسة خاصة لسلخهم عن شعبهم; لولا وجوء سياسة تعمل جاهدة لتقسيم وتفسيخ الشعب الفلسطيني، رأسياً وافقياً، من المستوى العام للشعب الفلسطيني وحتى العمل عينياً على تفسيخ العائلات الصغيرة ومنعها من الالتقاء والسعي الى تعطيل ائتلافها لما شهدنا سياسات ابعاد الدروز عن باقي ابناء شعبهم. هذه هي سياسة اسرائيل، سعت وتسعى الى تقسيم الشعب الفلسطيني الى لاجئين وقدس، وضفة، و-48، وجليل ونقب، ودروز، ومسيحيين، ومسلمين، وتمنع العائلات من التواصل، حتى انها منعت العائلات من الالتقاء والعيش بطبيعية، وسنت قوانين تمنع الازواج، على جانبي الخط الاخضر مثلاً، من الالتقاء واقامة عائلات طبيعية.

 

ونجحت الدولة بنسب متفاوتة لدى اجزاء مختلفة من مجتمعنا، ربما كان نصيب الدروز هو الاكبر، لكل اليس يسكن في كل مدن وقرى مجتمعنا من يصوت لليكود ولليبرمان؟ اليس جزءاً من البدو الفلسطينيين في النقب والجليل هم ممن يخدمون في الجيش الاسرائيلي؟ هل يخدم جزء اخر من سكان مدننا وقرانا في الجيش او لا؟، وهل يتمثل هؤلاء في ما يسمى المؤسسات الوطنية؟ هل هنالك حزب وطني واحد يخلوا ممن صوتوا في الماضي للاحزاب الصهيونية؟ وهل لا يوجد اعضاء ومصوتون في كل الاحزاب العربية، بما في ذلك الجبهة الديمقراطية والتجمع والقائمة العربية على مكوناتها، ممن خدموا في الجيش الاسرائيلي؟ اليس الامر اكثر تعقيداً من كيل الوصفات والصفات على فئة بعينها، ام ان حاجة نفس يعقوب هي الادرى بالتطورات وكيل الوصفات والشهادات.

 

السياسة الهادفة الى سلخ الدروز وبلورة هوية منفصلة لهم هي جزء من هذا المنظر العام، والسؤال المتبقي هو بالضبط: كيف نساهم نحن، من جهتنا في تسهيل سياسة اسرائيل عموماً وفيما يخص الدروز بشكل عام؟ ماذا نفعل او لا نفعل لمواجهة السياسة الاسرائيلية في هذا الباب؟ عينياً هل نساهم في احتضان الدروز والتمسك بهم كفلسطينيين وعرب ام اننا بسبب كسلنا، او مصالح فئوية صغيرة وضيقة، او بسبب مواقف انتهازية او حتى بسبب عوامل طائفية، نساهم من طرفنا في تسهيل مهمة اسرائيل؟

 

شهدت السنوات الاخيرة تغييراً جذريا في التوجهات السياسية في مجتمعنا، بما في ذلك لدى الدروز، نصيب القوى الوطنية من الدعم السياسي في مجتمعنا هو الذي يطغى على الحالة السياسية، صحيح ان غالبية الناس تميل الى تأييد الموقف المقاطع للانتخابات، ولاسباب متفاوتة، الا ان نصيب الاحزاب التي تشارك في الانتخابات هو تجديد لا بأس به. هذا الاستنتاج صحيح كذلك بالنسبة للدروز، وبعض هذه التغييرات هو نتيجة تغييرات جذرية في التوجهات السياسة وبعضها نتيجة لصفقات. على سبيل المثال، في عام 1999، عندما ترشح باراك لرئاسة الحكومة، قامت بعض الاحزاب العربية، التي تحاول توزيع الشهادات في مناسبات عدة، بالاتفاق الضمني مع حزب العمل على دعم باراك مقابل الحصول على اصوات، ونفذت هذه الصفقة في قرى ومدن عدة، على رأسها قرى تعرف بانها درزية، وطبعاً ليس خافياً على احد بان الاصوات التي وجهت الى باراك ساهمت في نجاحه انذاك وتمكينه من اعلان الحرب على الشعب الفلسطيني عام 2000، واولهم الفلسطينيون في اسرائيل، وغني عن القول ان من نفذ الاتفاقات من الاحزاب العربية لم يعتذر لشعبنا عما بدر منه من دعم لباراك ونجاحه الذي مكنه من تنفيذ جرائمه.

 

بعد الانتخابات الاخيرة قام البعض، وكنتيجة لحسابات سياسية صغيرة، بتحليل ونشر انماط تصويت الدروز، طبعاً لم يقوموا مثلاً بتحليل اصوات النقب ولا اصوات النساء ولا اصوات سكان المدن المختلطة، لان الهدف كان تصفية حسابات سياسية لا تعني الجمهور بشئ، بل تشي بان من قام بهذه الفعلة لا يهمه العمل الوطني بقدر حاجته الى الانتقام نتيجة لمنافسات سياسة فئوية او محاولات شخصية للانتقام من فلان او علان. وتأتي مثل هذه المحاولات من اطراف وطنية هي بالتأكيد ليست معنية في تمرير سياسات تمزيق مجتمعنا، بل تقول بانها – وانا اصدقها في هذا – معنية في مجابهة سياسة السلطة وردم الحواجز والفوارق المصطنعة بين اجزاء مختلفة من شعبنا ومجتمعنا. الا ان التصرفات التي تنبع من احقاد شخصية هي بالضبط مشكلة مجتمعنا مع الكثير من قادته ومجموعاته المؤثرة – الاقوال في جهة والسياسة في الجهة الاخرى، وكأنهو لم يفهموا بعد بان السياسة هي ليست ما تقول، بل ما تفعل بناء على ما تقول، الامتحان الحقيقي للسياسة هي ما تفعل لا ما تكتبه او تقوله على شاشات التلفزيون وفي الراديو.

 

وبالرغم من ان سؤال الفعل هو صحيح لنا كلنا – في المجتمع الفلسطيني عموماً، وعلى المستوى الفلسطيني في ال-48، كما على مستوى الدروز انفسهم، الا انني هنا معنيٌ عينياً في ما تفعله القيادات في المجتمع الفلسطيني داخل اسرائيل لمجابهة هذا الوضع. هل فعلا نقوم بما هو مطلوب، ام ان الاقوال في جهة والافعال على الضفة الاخرى؟ فما المانع فعلاً، لا قولاً، في تنفيذ اجرائي عيني يثبت حق تمثيل الدروز – وهذا صحيح بالنسبة لحالات اخرى مثل المدن المختلطة والبلدات البدوية في الشمال، وبعض القرى الغير معترف بها في الجليل والنقب، الخ – في التمثيل في الهيئات الوطنية التمثيلية – او التي تدعي ذلك على الاقل.

 

لماذا لا يضمن تمثيل القرى الدرزية في لجنة الرؤساء ولجنة المتابعة من قبل اعضاء المجلس – تمثيل دوري لمن اراد منهم – اذا رفض رئيس المجلس ان يملأ كرسي تمثيله لبلده؟ او لماذا لا يعطى تمثيل استثنائي للجان عينية مثل لجنة المبادرة الدرزية، او ميثاتق الأحرار أو لجنة التواصل، الخ ،،،،؟ هل تعطي هذه اللجان اكثر من كرسي الجلوس وحق اسماع الصوت والتأثير الجزئي في بعض الحالات، حتى لا تسعى الى مثل هذا الاجراء – مقابل الكرسي التمثيلي تحصل على شعب وليس على جزء منه فقط، فلماذا لا نقوم بذلك؟ هل بسبب الكسل، ام لاننا لا نريد “تمثيل فئوي”، وهل يحق لمن يركبون قوائم انتخاباتهم في الكنيست والمجالس المحلية على اساس طائفي وفئوي ان يستثنوا اجراء تمثيلي وطني في حالة المؤسسات الجماعية؟ لماذا لا يكون اتباع الاجراء التمثيلي لقطاعات معينة في شعبنا هو بالضبط تحدي السياسة الرسمية التي تريد تمزيقنا واستثناء بعضنا منا؟ يجب ان نفكر في تمثيل شعبنا، كله وليس بعضه، وقبل ان يبدأ المزاودون هجومهم – طلب واحد، انظروا الى افعالكم الفئوية، الى التمثيل المسيحي، والمسلم، والجليل، الخ في قوائم انتخاباتكم؟ وحتى لو تجاوزنا التلون في المواقف، فما هو برنامجكم العيني، فيما يتعدى الاحاديث الوطنية حول الشعب الواحد، والامة الواحدة، الخ من الشعارات، لمجابهة ما ذكر؟ ام انكم تعتقدون، أن ما نسفته الشعوب العربية من المحيط الى الخليج، بان الشعار القومي “ومصلحة الشعب” “والصمود” المبني على انظمة القمع، يغني عن العمل الحقيقي.

 

طبعاً ما ذكرته انفاً هو اجراء واحد من عشرات الاجراءات الممكنة والتي لا تكلفنا شيئاً اذا توفرت الارادة، وحتى لو كلفنا الامر بعض التضحيات، فان ما قد نجنيه من خلال تعاملنا مع انفسنا كشعب، وليس كفتات تم الصاقه ببعضه بالصدفة، هو اغلى واغنى، واكثر قيمة من كل ما قد نقدمه للمصلحة العامة، ولعل في التضحيات الغالية التي قدمتها وتقدمها الان الشعوب العربية، لخير دليل على حاجتنا الى تقديم العام على الخاص وان المماحكات الحزبية والفئوية والانتهازية الشخصية والطائفية التي طغت على “نظامنا السياسي” قد اتى وقتها لتسقط، لان الشعب قد نضجت ارادته لاسقاط النظام وبناء نظام وطني وديمقراطي وشامل ليكون لجهدنا هدفاً يفوق مصالح فئوية وعينية وانتهازية شخصية.

 

الكاتب محاضر في جامعة حيفا

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*