إن الاقدام على الكتابة هو مغامرة بحد ذاتها ..وأصعب تلك المغامرات هي التقدم للكتابة عن عمل او انجاز لصديق وزميل ..فانا لم اكن ولن اكون في يوم من الايام بموقف الناقد ..وذلك ايمانا مني بما قد سمعته من اخي المرحوم الاديب والصحفي سلمان يوسف بكرية ابن قرية البقيعة حين قال لي ذات في خضم الحوارات حول الادب والادباء ومسيرة الادب في بلادنا حيث ابدى رايه بالنقاد ليقول لي:
(اكتب ولا تلتفت الى الوراء ولا تعر بالا للنقاد ودع للحكم للجمهور والتاريخ كي يعطون رايهم بما تكتب فما ناقد سوى كاتب فاشل يتمنى لو كان بمكان الكاتب )
فمن هذا المنطلق انني أُقبل مسرعا وبنهم على قراءة كل كتاب يُهدى الي من زميلاتي وزملائي الادباء ..قصة كان او شعرا او بحثا.. ولا اكتب النقد عنه بل اقوم غالبا باستعراض ما جاء فيه وتبيان جماليات المواضيع و الافكار التي درجت بين طياته ..كل ذلك من باب حبي وعشقي للمطالعة والمعرفة اذ ان المطالعة هي غذاء الفكروالروح تماما كما الموسيقى وسائر الفنون ..
من هنا فاني ارى لزاما ادبيا علي ان ارد على من يهديني احدى مؤلفاته بكلمة شكر او رد هاتفي او كتابة وعلى الغالب استعراض لما قرأته تعبيرا عن تقديري واحترامي للفته الكريمة بالاهداء ..فهذا اقل واجب اقدمه لهن ولهم ..وذلك كي يطمئن بالهن وبالهم انني لم اقم باهمال الهدية او رميها في ادراج النسيان او وضعها كتحفة فقط على رفوف مكتبتي ..كما يفعل البعض وللأسف الشديد !!!
وها انا الان بصدد كتاب جديد تحت عنوان مأتم في الجنة لإخ وصديق وزميل على مقاعد الدراسة منذ الطفولة الا وهو المحامي ورئيس المجلس المحلي سابقا وعضو البرلمان حاليا سعيد قاسم نفاع ابي العلاء ..
والكتاب عبارة عن قصص وحكايات قصيرة صادرة عن مطبعة الرسالة المقدسية جاء في حجم متوسط وحوالي مئة صفحة وبطباعة انيقة ويحوي بين دفاته 13 قصة قصيرة ..وهو الكتاب الخامس حيث صدر له قبل ذلك اربعة كتب :
كراس تحت عنوان المسيرة ضمنه انجازاته واخفاقاته حين تسلم رئاسة المجلس المحلي ..ثم اعقبه بمجموعة قصصية تحت عنوان نكبة الدوري ومن كتاب تحت عنوان الحائل وتلاه ببحث بعنوان – العرب الموحدون والحركة الوطنية الفلسطينية حتى عام 1948 ..
اما في مقدمة الكتاب الذي نحن بصدده وتحت عنوان شظايا افكار فقد انتقد فيها المؤلف حركتنا الادبية في البلاد متحسرا على الايام التي كان فيها للكُتّاب والكتاب المكانة المرموقة والحضور المميز والقيمة البارزة وسط الجماهير.. عندما كانت القاعات والنوادي تغص بالحضور لسماع ندوة ادبية او لقاء شعري او احتفاء بكاتب او باصدار جديد ..حيث امست هذه الامور نادرة في ايامنا وذلك بعد ان طغت وسائل الاعلام المرئية على حضور الكتاب وتدنى مستوى القراءة والمطالعة ..كما وينتقد عدم تشجيع الكتاب بعضهم لبعض حيث لا يقدمون على شراء نتاج زملائهم ولا يسارعون لنشره ويتأخرون عن الحضور او المشاركة في الامسيات الادبية والتكريمية التي تقام لزملائهم وزميلاتهم من الادباء والاديبات ..!!ويتابع ليعبر عن امتعاضه من الآراء والانتقادات التي تطلق او تكتب عن بعض الادباء والشعراء قائلا ( اعتقادي ان الغربة التي يعيشها الادباء بالذات من اولائك الذين لا يحسبون ان امجادهم وراءهم هي خليط من كل هذا ولكن الرأي السائد بينهم وكأن (التوك) في الناس من باب وضع الحد في مارس الآخرين وبعيدا عن موارسنا والتي هي بأشد الحاجة للتحديد بدءا من الكلمة الواضحة مرورا بالغَبْط لا الحسد وانتهاء بالثناء الممهور بالنقد فربما بهذا نرفع اركان اطلال ..ونترك للأيام وأهلها يخلّدون من يشاؤون ويمحون من يشاؤون )..
وعودة الى ما جاء في بعض قصص الكتاب فها هو الكاتب في قصة مأتم في الجنة يشير الى ما حدث للطالبة ايمان والطفل محمد الدرة من غزة الذين قتلتهم الرصاصات في خضم المعارك وعلى مرأى العالم عبر شاشات التلفزة ووسائل الاعلام اذ ان هذا اجرام بحق الطفولة والبشرية بغض النظر من هو الفاعل !!حيث يكتب ( لم يفارق الوجهان عيناي واقفا تارة مترددا اخرى من انني رأيت وجهين اعرفهما جيدا ..وجها قرب جدار يلوذ بجسد يلوح بيده وآخر معفرا بالرمال ملقى على حقيبة مدرسية ولم يغير النور الساطع منهما ملامحهما ) ليعود ويكمل في نهاية القصة فيكتب ( فالاطفال في الجنة يقيمون الأعراس للوافدين قتلا بايادي الاعداء ويقيمون المآتم للوافدين قتلا بايادي اهاليهم ..ولكن الله يقبل كل الشهداء والى ان يأتيه هؤلاء المبكين الاطفال عندها سيرى منهم رأيه )..
اما في قصة ورق الدخان الشامي فهو يعرض معاناة اهلنا في سنوات الخمسين على يد السلطات من خلال الملاحقات والاعتقالات بسبب التهريب للمواد التموينية من لبنان خاصة ..وذلك بسبب النقص الذي كان يعاني منه الاهالي في المواد التموينية الاساسية إثر قيام الدولة .. وقد كان كل من يُضبط معه مواد مهربة يُتّهم بالمؤامرة على امن الدولة اذ ان التهريب هو دليل لتجاوز الحدود الى دولة معادية ومن هنا فالمخالف يجب ان يعاقب وقد كان ورق الدخان الشامي وعلبة السجائر المعدنية التي يحتفظ فيها المهرب او المدخن هي اكبر دليل واهون السبل للوصول الى المهربين وذلك لقلة السجائر وانقطاعها انذاك ..منتقدا من خلال القصة هؤلاء الحياديين الذين كانوا يتخذون من مقولة جحا طريقا ..حادت عن ظهري بسيطة ليقول لهم ان الظلم سيحيق بالمتحدي والحيادي على قدم المساواة اجلا ام عاجلا ..!!
اما في قصة عرس وراء الحدود فتعرض الكاتب الى معاناة اللاجئين من هاجروا او هُجّروا ..طواعية او قسرا خوفا او بتشجيع من جيش الانقاذ على امل العودة بعد ان تهدأ الأمور ..ليصف لنا عرسا قرويا يقام تحت قصف من نيران الدبابات وأنين عجلات السارات المصفحة المحملة بالجند ووابل الرصاص الذي كانت تطلقه جحافل الجنود المدججين بالسلاح ( فيعلو هناك عويل إمرأة تمزّق طفلها او صراخ صبي سالت دماؤه ا وانين شيخ اخترقت حناياه رصاصة ) باشارة وتلميح للحروب التي كان تدور رحاها بين اسرائيل ولبنان على الارض اللبنانية ووسط مخيمات اللاجئين ..ليعود ويطمئن النازحين على لسان احد ابطال قصته التي تقول لعمها .. (نعم يا عمي ..محمود سيرجع والدار سنبنيها ونفرح مرة اخرى مرة اخرى )!
اما في قصة واخيرا وجد الطريق فيعرض الكاتب سياسة السلطة في قبول المتعلمين للوظائف فقط عبر واسطة من اتباعها حتى يبقى رقاب هؤلاء مديونة بالولاء لهم وطوعهم ورهن اشارتهم يتحكمون بمصيرهم متى شاؤوا ..داعيا مثل هؤلاء للاعتماد على النفس والتحدي حتى الحصول على وظائفهم بجدارة وليس بمنة من احد ..
هذا غيض من فيض مما جاء في الكتاب الذي جاء ليصور واقع عاشه وعايشه اهلنا وعشناه وما زلنا نعايشه ..تاركا للقراء سبر اغواره ليحكموا بنفسهم على ما قرأوه ..متمنيا لزميلي واخي ابي العلاء ان القاه مع مزيد من الابداع الادبي مستقبل.