التنوع الأدبي في “الكراز”
قصص قصيرة. حكايات ونصوص – سعيد نفاع
ملتقى طباق الثقافي – رائد محمد الحواري
من مزايا الأدب الجيد احداث المتعة للمتلقي، استخدام اللغة قريبة ومهضومة للقارئ، طرح أفكار، هموم مشاكل اجتماعية/سياسية/ وطنية/ثقافية…، في هذا العمل نجد المتعة حاضرة من خلال، السخرية الناعمة والهادئة التي يقدمها الكاتب، كما أن هنا لغة شعبية تقدم بطريقة أدبية سلسة، بحيث تُجمل النص وتضفي عليه لمسة (تراثية) فيشعر القارئ بأن ما يقرأه كتب له وعنه، وبما أن المواضيع المطروحة متعلقة بما يعانيه الفلسطيني، كل هذا يجعلنا نقول إننا أمام عمل أدبي جيد، يستدعي التوقف عنده.
كتاب “الكراز” لا يقتصر على جنس أدبي واحد، فنجد فيه مجموعة أنواع أدبية، من القصة، إلى الخاطرة، إلى الحكاية، وكلها جاءت بلغة ساخرة إذا ما استثنينا قصة “القصيدة العتيقة” التي جاءت لغتها وطريقة تقديمها مختلفة عن بقية النصوص/القصص، وكأن الكاتب يريد القول إنّ موضوع الكتابة/القصيدة لا يحتمل السخرية بالمطلق، لهذا جاء بصورة مغايرة عن بقية القصص/النصوص.
في مقدمة الكتاب (يهاجم) الكاتب المثقفين ويكشف عيوبهم، مبينا حالة العجز التي يعانيها المثقف/القارئ العربي عموما والفلسطيني خصوصا: “…متأسف لم أقرأه حتى الآن لأنه لم يكن عندي وقت.
… البعض الآخر يقرأون، ولكن وبما أنهم فحول القلم وفوارس الكلمة وكل من حولهم راجلة في أحسن الأحوال، فيقرأون من يعتقدون إنه فحل وفارس مثلهم والمهم أن يكون من خارج الحدود وجوة البحار وعمق التاريخ…ولكن خوفهم أن يجدوا فيهم أفحل وأفرس منهم حتى في اللاوعي” ص10-12، جميل أن نتحدث عن مشاكلها، ليس من باب جلد الذات، بل من باب تصحيح الحال، فالأديب يحمل مشاعر مرهفة، ويتأثر باي شيء، فما بالنا عندما يجد (أدباء/كتاب) متخلقين في طريقة تعاملهم مع زملائهم!، أو لا يفكرون بطريقة منطقية ولا يمارسون دورهم كمثقفين حقيقيين، فمن مهام الأديب/الكاتب الحكم على النص بشكله المجرد، وليس لأنه لهذا الكاتب أو ذاك، فهناك كتاب (كبار) قدموا نصوصا متواضعة، وهناك كتاب في بداية الطريق لكنهم اخترقوا وتجاوزوا ما هو سائد ومطروح أدبيا.
من هنا نقول أن مقدمة الكتاب مهمة لما فيها من كشف عيوب/نا.
في “الكراز” نجد لغة شعبية: “على تو الحارك” ص14، “من يوم ما تمرمغ في دار المشحرة ما عدنا شفناه” ص15، ونجد السخرية كذلك: “ـ في صبيّة بتحبك يا مقمطون وما عارفه توصلك وهي مليحة وأنت تستاهلها…
ـ أيوه هاي حمارة دار عمي أسعيد” ص17.
وجاءت نهاية القصة صادمة وموجعة، لأنها مست الواقع الذي يعيشه الفلسطيني فهم: “كراريز… وشو بدكوا من الكراز الأجم والمخصي غير حمل خرج الراعي والجرس… والمشي على الراس كمان؟” ص19، وهذا كانت اشارة على عبثة مشاركة الفلسطيني في الانتخابات لأنها: “فص كر لا ينفع ولا يضر” ص19.
في قصة “الشيخ والامرأة” يتحدث عن عقم رجال الدين، وعلى جهلهم فيما يتعلق بالمرأة، التي يجدونها: “كلهن عورات من رأس إبهام الرجل حتى رأس أرنبة الأنف” ص21، فرغم أطلاق لقب “الشيخ الوطني، والوطنية عندنا هي “سب الحكومة” ولا تشمل عدم سب النساء” إلا أن نظرته للنساء بقيت متخلفة رغم أنه كان: “على ذمة بعض الصحفيين العارفين ببواطن الأمور كانت عيناه كثيرا ما تنزلق نحو الأسفل” ص23، وعندما يذهب خطبة الجمعة ويجد: “إذا بالحضور نساء ورجال يجلسون “خليط بليط” ولا ستار ولا يحزنون، فأهتز شارباه الكثان وقفل راجعا دون أن ينبس ببنت شفة مسرعا إلى اجتماع وطني آخر” ص 24، ففي هذه نجد اللغة الشعبية/المحكية، ونجد السخرية الناعمة، ونجد نقد للسلوك المتخلف.
وفي قصية “البسطار” والتي تتحدث عن شخص يأتي إلى “المختار” لأخذ حقه من أحد سكان المنطقة، لكن المختار يقول: ” هذا بسطار قصير، ومفكر حاله بسطار طويل” ص30، هذا الكلام جعل الطالب/الضيف: “أنفجر الضيف بالضحك، حتى أغرورقت عيناه، ولو كان سيخسر كل حقه لهان الامر عليه واعتبر حقه قد وصله أمام مقولة مختارنا بمعانيها و”بقافاتها” الممزوجة ب “عيناتها” ص30.
في “الكرمي اللي بثلاث أرجل” والتي نجد عنوانها شعبي بامتياز، تتحدث عن المحتل وكيف ينظر إلى الفلسطيني المتعاون معه: “أن العبد (الزنجي) عمل المطلوب فيستطيع أن يذهب” ص34.
وفي قصة “طريق شيخ حارتنا” يتحدث عن الشيوخ/المتنفذين الذين يأخذون الموقف بناء على موقف الشيخ/المتنفذ الآخر، فإذا قال الأول شمال، يقول الثاني يمين: “…فراح يرقب شيخ الحارة الفوقى ويفعل العكس، فإن صلى كفر وإن كفر صلى، اللهم في العلاقات مع الحكومة” ص39.
في قصة “عندما ضاق المدفن” تتحدث عن تعدد الزوجات والفهم الخاطئ للآية القرآنية، حتى أن من قام بتزوج الثانية، يطلق الأولى لأنه فهم الآية: “وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” ص48 بشكل مغلوط.
وفي قصة “لماذا فشل الشيخ في ربط فم الوحش” يتحدث عن مدير المدرسة الذي يفكر ويعامل الطلاب حسب عقلية: “أذبحه واللحمات لك والعظات لنا” ص52، إلى أن يتم الشكوى عليه فيعين محامي الذي “يطلعه من الورطة مثل الشعرة من العجين” ولكن بجهد كبير وليس قبل أن يسلخ منه راتب شهرين أجرا” ص54، ويكرر المدير ضرب الطلاب مرة ثانية وثالثة: “أكلها المدير حكما من قاع الدست” ص57.
في “مسامح أبو علي” تتحدث عن “أبو العز” الذي يبحث عن (الجاه) في كل مناسبة، حتى وقت الدفن يتدخل ليظهر نفسه: “…يا شمس الضحى ويا بدر الدجى” ص63 وهناك يثار أبو علي: “فانحلت “براغي” رأس ولسان “أبو علي” كلها، فانطلق لسانه ب”تشقيعة” من صاحبات المكانة في “قاع الدست” طالت أم قريبه “أبو العز” في مكان له حرمة خاصة في الأعراف المتداولة” ص63، بهذا الشكل الشعبي والساخر يعري القاص سلوكا اجتماعيا يمارسه بعضهم، لنيل الوجاهة.
في “مكرمات” يتحدث عن الاحتلال وطريقة تعامله مع الفلسطيني: “…يده على الزناد جاهرة وخفيفة يضغطه في كل مناسبة ودون أن يرعوي، فيصيب منهم مقتلا بعد مقتل فيعلو صراخ بعضهم ويبلع البعض الآخر وينتهي الأمر عند هذا الحد” ص68، ويستند على عقلية: “إن تمتلئ البطون تنسد الآذان”. “من ذيله واعمل له رباط” ص68، بهذا الشكل (الشعبي) يبين القاص حقيقة المحتل والطريقة والعقلية التي يعمل بها ويفكر.
في قصة “وصية حصان محمد علي” يتحدث عن “حمدان” الأهبل، لكنه يظهر أخلاق نبيلة تجاه الحصان، بعد أن جلس بقرب الحصان وهو يحتضر، وبعد أن أصر على دفنه وليس رميه في المزبلة، يتحدث عن “وصية” الحصان وما أخبره من (خفايا) أهل البلد، لكنه يبقى كتوما: “..أهل البلد يستأهلون كل خير رغم كل شيء” ص78، يصر على دفنه وليس رميه في المزبلة، وبما أن القاص كرر استخدم المثل الشعبي: “موتة الفقير ولا نذالة الغني يتيمان” ص71و78 فهذا مؤشر على أنه كان معني بتأكيد أن نبل الفقير/ الأهبل “حمدان” وعلى انه يستحق أن يكون مثال في الإخلاص.
في قصة “البيك واللوكس” يكشف زيف المشاركة في الانتخابات، من خلال تناوله “البيك خال فندي”: “أيا خال قررنا السنة نمشي مع الإخوان (مشيرا إلى مرافقيه) حزب الصهيونيين العموميين” وهذا الحزب بحب العرب وناوي يساعدنا وبدنا عمتك!
ـ صرت في البيت … والرقبة سدادة واللي تؤمره فيه بصير” ص80، تبقى الامور على هذا الحال، حتى يشتري “فندي “للُكس، وعندما يسأل عن ماركته: “شو ماركته اللكس؟ ص85 ويرد: “خال هذا الكس كندي ألماني” ص85، وهنا يرد الخال بطريقة منطقية:
“يا خال ما ينفع هيك.. كندي ألماني! يا كندي يا ألماني” ص85، وهنا يريد “فندي بطريقته الخاصة: “ينفع خال ينفع.. كيف أنت صهيوني مباي؟!” ص86.
في قصة “القصيدة العتيقية” نجد نبرة ولغة رصينة، بعيدا عما هو شعبي أو ساخر، وهذا ما يجعلها (خارج) نسق النصوص.
“قرعة الراكب صندل” تتحدث عن مناكفة المخاتير، وكيف أن الاحتلال يتلاعب بهم كيفما يشاء: “…فيتركهما يتناطحان” ص94، وكيف أنهم يتوهمون انهم ذوو مكانه عند المحتل: “…”يتفشخر” أمام أقاربه فيختم: “كلمتي عند الضابط ما بتصير كلمتين” ص95.
وفي قصة “سطح جاسم عجة والدكتور” والتي تتحدث حياة الناس قديما وكيف كانوا يجمعون (العونة) لمعاونة بعضهم بعض، فمن خلال نداء سمتعه “بديعة” زوجة “منيف” بهذا المعنى: “بدو يصير دكتور” ص104، وهذا ما جعل النداء غير مفهوم بالنسبة لزوجها “منيف” وبعد ان استفسر واستوضح ما جاء في النداء كان: “جاسم عجة بدو يصب باطون” ص 104، وهذا ما جعله قصة متداولة زمنا طويلا.
في قصة “ستي تتفلسف” تتحدث عن ثورة 36 وعن الرصاصة التي: “أكل فيها سيدي رصاصة بين فخذيه أصابت خصيتيه، والله كان ستر إذ فقد فقط إحدى خصيتيه وبلغة أهل بلدنا صار ” فلوطا” ص107، وبما أن الأمر متعلق بالفحولة فقد أصاب الجدة والجد حالة من الخوف والارتباك، إلى أن: “انتفاخ بطن ستي بعد أشهر قليلة من الشفاء وانتفاخه مرات بعدها” ص108، وعندما تترحم على أحد المتوفين: “الله يرحمه في أعماله. …نيال اللي بكاياته كثار” ص112، يحدث نقاش واستفسار من (الحفيد) القاص وتجيب عليه بطريقتها.
في قصة “شيخ الكلاب” يستخدم القاص مجموعة من الأمثال والعبارات الشعبية: “لا يعجبني العجب ولا الصيام برجب، كلب الشيخ شيخ الكلاب، البيضة في الأول وألا الدجاجة، وكلها جريت لخدمة فكرة تعامل الاحتلال مع الفلسطيني.
في نهاية الكتاب هناك ثلاثة نصوص: “بداية نهاية البداية، يتم الصداقة، الكاتب والقلم.
الكتاب مطبوع عام 2020، ودون اسم لناشر.