وظلّ يا “شبّ” متمرّدا فأحبُّ المفردات على الكلمة… التمرّد.
كلمة في أمسية أسامة ملحم
ملتقى الفنار العكّي للأدب والفن والثقافة – عكا 2017\11\17
الأخوات والأخوة
لست محايدا ولكنّي حاولت…
بهذه الكلماتِ ختمت تظهيري لديوان أسامة “الرساؤلات- الرسائل التساؤليّة”، وأنا فعلا لست كذلك فالعلاقةُ التي تربطني به هي فعلا علاقةٌ خاصّة، هذه الحقيقةُ صعّبت عليّ المهمّةَ، إضافة إلى الصّعاب التّي عرّمها أمامنا الشاعر.
سأعود إلى ذلك لاحقا، وبدءا واستثمارًا لهذه الأمسيّةِ أودّ أن أشير إلى بعض أمورٍ أعتقد أنها تغيبُ عنّا أو نغيّبها في زمن “التلييك: ليّكلي وأنا ليّكلك”:
أولا: يجب أن نعرف وقبلَنا النقّادُ أن الكلمة كانت في البدء، وليس بالضرورة بالمعنى الذي جاء في إنجيل يوحنّا، ومن ثمّ جاء النّقد أو بالكلمة العربيّة الأصيلة في علم النقد، التَّنقاد. ولذا فما يقوله النُّقاد هو استنباطَ قواعدَ ممّا وعمّا كان البدءُ، فالويلُ لهم إذا اعتقدوا أن ما يقولونه قواعدُ أنزلها أنبياءٌ والويل لنا إن اعتقدنا أنّنا يجب أن نتّبع هذه القواعدَ “على العمّيية”، فالإبداع تمرّد على كلّ ما هو قائمٍ وحين يفقدُ تمرّدَه “كفّك على الضيعة”.
ثانيا: مثلُنا الشعبيُّ يقول “نيّال اللي بكاياته كثار”، هذا المثلُ يسري على الكثير من الأمور اللهم إلا الأدبِ، فلن يصنعَ من الانتاج إبداعًا كلُّ بكاءِ الدنيا، ولذا فلا تغرّننا الكثرةُ من المقالات والاستعراضات التي تطال أصحابَ الحظوة من كتّاب وشعراء، فما أن يرى النور أولُ حرف من لدنِهم حتّى تمتلأ المنابرُ الورقيّة والخشبيّة و-“حداء” في أغلب الأحايين. هذا في حين أن كتابّا وشعراءً طويلي الباع قِدما وكلمة تنضُب العيونُ عنهم وليس لأن فيها “حورا” وإنما لأن فيها “عورا”، هذا إن لم تكن رمداء عمياء أصلًا “شلليّةً” أو “تحزّبيّة” أو حتّى “ذكوريّةً”.
ثالثا: المفكّر والكاتب والشاعر والفنّان خُلقوا ليتصدّروا، إن لم يسبقوا الصفوفَ، بأطروحاتهم وميدانيّاتهم ، إلا عندنا، العربَ، نراهم خليطا في الصفوف هذا إذا ترجّلوا أصلا عن كراسيّهم في الصوامعِ.
رابعا: أعتقدُ من تجربتي الطويلة بشكل عام ومن تجربتي القصيرة كأمين عام الاتحاد القطري للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل، أن بتنظيم الحراك الثقافيّ يمكن عملُ الكثير لرقيّ حركتنا الأدبيّة وتخليصِها من بعض ليس كلُّ الدّرن الذي فيها، وليس فقط في “أولا” و”ثانيا” و”ثالثا” أعلاه. البقاءُ خارجَ التنظيم لأن أمجادَ واحدِنا وراءه وهو أرفعُ من ذلك، أو لأنّ الأفضلَ أن يبقى واحدُنا “مع سيدُهْ بخير ومع ستُّهْ بخير”، ليست خيارا.
وعودٌ على بدءٍ والعودُ أحمدُ…
الشاعر أسامة ملحم، بكلمات قليلة، يقول أكثرَ من الكثير
صعب جدّا أن يقيّم (يقوّم) كاتب شاعرا، ووجدت المهمّة أصعبَ حين بدأت أطفو على وجه بحر كلمات أسامة، فوجدتُّني ايمّم شطر أرخميدس وقاعدةِ الانغمار (الوزن النوعيّ)، ورحت أشدّ كل نياطِ القاريءِ فيَّ كي أكسر القاعدة، لعلّي هناك في العمق أجد ما وراء الكلمات.
وجدتُني هناك في الأعماق في هدأتها وفي صخبها، أجد بعض ما يجيش في صدر كيان الكلمات، إذ كان يجب أن أقرأ بتأن ورويّة وهذا ما لم يُتحْه لي الطَّوَفان.
الرساؤلات (رسائل تساؤليّة)، وليس فقط تلك التي تحمل العنوان، أزغلها أسامة في عيون عقولنا ومضاتٍ، أو قل زخّاتِ مطر، حادّةً ولكنه لم يُرد لها أن “تزغلل” العيونَ فينا.
لئيت كي أكتشفَ أمام أيّ شاعر أنا… هل أنا أمام شاعر ناقم؟ فيه من هذا!
هل أنا أمام شاعر حزين؟ وفيه من هذا!
وهل أنا أمام شاعر مستفزّ؟! فيه أيضا من هذا!
هل أنا أمام شاعر جريح متألم يائس يحاول أن يقيمَنا من رمادنا؟ ربّما، ولكن ماذا أقول في “المُتململ”، و”جسدي علندى” و”جسدي تفاحة”، أو في “سنكون نحن” و”الأمل” و”المؤامرة” و”انطلاق”؟!
فهل أنا أمام شاعر متمرّد على الريح والرّماد والشعر والشعراء؟ فيه كلّ هذا!
لست حياديّا ولكني حاولت !
وظلّ يا “شبّ” متمرّدا فأحبُّ المفردات على الكلمة… التمرّد.
سعيد نفّاع