حبّ قليل يضاهي حبّي للأدب، ورغم صخب حياتي سياسيّا إلا أنني لم أفرّط بهذا الحبّ وأحاول قدر ما تسعفني الهموم أن أعطيه بعض الحق الذي يستأهل، أقرأ ما تيسّر لي أو يقع تحت يديّ وبالذات من إصدارات محليّة.
معياري ومقياسي في تقييم ما أقرأ ببساطة: أن النص الأدبيّ يبلغ المراد إن نزل إلى القاريء صاعدا به لا نازلا “طلسمة” عليه، وفاعلا فيه أي فعل كأن يسعده أو يتعسه، يضحكه أو يبكيه، يثوّره أو يهدئه، يفرحه أو يحزنه، يمقته أو يسرّه، يفيده أو يضرّه، يحرقه أو يطفئه. يغضبه، يستفزّه أو خليط من كل أو بعض هذا، وباختصار يحرّك شيئا ما فيه طبعا دون أن يكون “مبهدل” الجوهر واللبوس فلكل شيء في الدنيا قواعد.
أرسل لي أحد الأخوة الذين لا تتعدّى معرفتي به مستوى المعرفة العاديّة، رواية أصدرها مرفقة برسالة، قرأت تمهيد الرواية بقلمه وقرأت مقدّمتها بقلم صديق للراوي كما يشير هو وقرأت الرواية. الحقّ أقول أني قرأت صفحاتها ال-190 في يوم واحد بعد وصولها إليّ، وهذا دليل أن الكاتب استطاع أن يشدني أو يشوّقني لموضوعها وطريقة العرض وأستطيع أن أقول أنه بهذا يكون تخطّى النقّاد في باب الموضوع والتشويق.
في مساء نفس اليوم وما كدت أنهيها حتّى شدّني دافع قوي أن أرمي ملاحظاتي هذه على أن أسرّ بأخرى للكاتب نفسه وقد فعلت، ورغم أني لست ناقدا ولا أتوخى ولا أكتب هنا نقدا ولو كنت أو توخيّت لأشرت للكاتب واسم روايته واسم المقدّم.
ما هالني في الرواية هو كثرة الأخطاء اللغويّة والإملائيّة والنحويّة، وطبعا لا أدّعي أني فوق الوقوع في أخطاء ولكن لكل شيء حدودا، وهنا يقع الواجب والمسؤوليّة الكبيران على المقدّم خصوصا وعندما يتوخى منه الكاتب نظرة أخرى رقابيّة وليس هذا فقط، بل يقول ذلك كاتبنا صراحة في تمهيده.
مسؤوليّة المقدّم وهو “الناقد الأول” المؤتمن على العمل الذي وُضع بين يديه، لا حدود لها تجاه من ائتمنه وتجاه القراء، ومن هنا فالإفراط في المديح خطأ يُغتفر وأما التفريط في الأمانة فخطيئة لا تُغتفر.
وحتى أنتقل من التعميم إلى التخصيص، فقد كتب الكاتب في تمهيده: “شكري العظيم أبعثة إلى الدكتور، الصديق،………… على دوره الهام في التدقيق وصلاح اللغة“. عندما يكتب الكاتب في تمهيده ذلك فهو يعترف أن ما كتبه بحاجة إلى “التدقيق والصلاح اللغوي” كقوله، وهذا تواضع يُحمد عليه.
ويقول المقدّم في مقدّمة الكتاب: ” ألحق يقال، فقد قرأت الرواية قراءة متمعّنة، فوجدت فيها أسلوبا لغويّا بسيطا، لا تعقيد فيه ولا لغة فنيّة وإنما لغة عاديّة وسهلة“، ويضيف في مكان آخر: “ما لاحظناه لدى كاتبنا،……….، اللجوء إلى مختلف المرادفات بحيث يبدو تقدمه في سرد الأحداث بطيئا، ولاحظنا ابتداع رواية عاديّة وجميلة، رغم بساطة اللغة“.
وللمثال فقط أسوق أمثلة ممّا في الرواية في هذا الباب:
“ص 12 وتوسلّتْ إليها علّها تكشف لها أخبار ابنها ومكان وجوده وسرّ اختفاءه”. “ص14 حاولوا شفاءه”. “ص17 رابض الجأش”. “ص18 وأصبح الانفعال والتوتر صاحبا الموقف”. “ص19 لقد ملؤوا ساحة الدار”. “ص27 وبدا على الضبع الذهول”. “ص37 فوظفوا من أجل ذلك كل قدراتهم وأصدقاءهم ووسائلهم”. “ص61 تمنى ، في نومه، أن لا يستفيق إلى الأبد”. “ص91 أحب الاحتراس ودريء المخاطر”. “ص105 أصبح عضوا من أعضاء جسدها ونبضةٍ من نبضات قلبها”. “ص106 لا يعلم، أصلا، نظام بناءها”. “ص107 في قريته جميع البيوت ذوي طابق واحد ولبعضهم القليل طابقان…حتى شرح له أحد أصدقاءه…وكأن الله أرسله إليه على عَمَدٍ”. “ص108 أحبه بسبب هدوءه …فقد كان غالبيّة أصدقاءه”. “ص112 ويفخر بأشياءه…وعرف أن أصدقاءه يغيرون منه”. “ص115 وحركت أشواقه إلى… وإلى أصدقاءه”. “ص122 لم تجد…أي ملاذ أو ملجأ من البليّة”.ص133 وإذ بدبّ يزأر”. “ص134 قطّع ….أواصر الدب إربا إربا”. “ص137 أُعجب بقدرته وبرباضة جأشه”. “ص155 سقط أمام اثنين من زملاءه”. “ص156 انهارت أوصارهم وأعصابهم…لم يكن حدودا لألمها وبكاءها المتواصل”.ص174 نار اللظى تتوقد بين أحشاءه”. “ص177 كل اهتمامه وفكره كانا منغمسان”. “ص186 وقد اعتاد…أن يزور قريته مع أبناءه”.
هذه الكثرة والتي سقت بعضها فقط للمثال، لا يمكن أن تكون أخطاء مطبعيّة وليست هي من نوع الأخطاء المطبعيّة. قلت أن الكاتب كان متواضعا عارفا أنه بحاجة إلى تدقيق في اللغة وإلى صلاحها كما قال في تمهيده فدفع مؤلفه إلى المقدّم. وقرأنا المقدّم يقول أنه قرأ الرواية قراءة متمعّنة وقال رأيه في لغتها.
فكيف يصير هذا ؟! وأية إساءة يسيء المقدّم “الناقد الأول” عمليّا، للكاتب الذي بذل جهدا كبيرا مخرجا فعلا رواية تشدّك من أول فصولها وحريّة بالقراءة، ولأنه أرادها بطبيعة الحال “مهندمة” اللبوس دفعها إلى مقدّم؟! وبالتالي أيّة إساءة تتسبّب للقاريء وهو الذي يتوخّى أن يتعلّم من قراءاته كذلك لغة وإملاء ونحوا؟!
أيها المقدّمون… اتقوا قدسيّة الكلمة فالأمانة التي تُحمّلون كبيرة فاحفظوا هذه الأمانة وأكثر كثيرا من النقّاد!
أواسط آب 2011
سعيد نفاع