أمسية التضامن مع محمّد بكري
البعنة 22.01.20
نحن كعرب فلسطينيّين نعيش في بلادنا حالةً شبهَ مستحيلة، يستطيع المرء أن يصوغها بكلمات معدودات بعيدة عن المفردات السياسيّة: “نعيش في دولة تريد لنا أن نكره كلَ ما يحبّ شعبُنا وأن نحبَّ كلَّ ما يكره شعبُنا وأن نتّخذ حليفًا كلَّ عدو لشعبنا ونتخذ عدوًّا كلَّ صديق لأبناء شعبنا، وحتّى لو كان ذاك العدو وذاك الصديق من أبناء شعبنا وأهلنا”، وكلُّ محاولات التجمّل في طروحاتنا التي اتّبعناها ونتبّعها وتأخذ في السنوات الأخيرة حيّزا أكبرَ في هذا السياق، لم تُفد ولن تفيد، وما تمسُّكنا بها وتحت أيّ شعار أو تبرير أو تعليل إلّا من باب الضّعف.
لم يكن مرّة الطرح الوطنيّ نقيض الطرح الحياتيّ، وكلّ من يضع الواحدَ في مواجهة الآخر يخطئ للأول ويخطئُ للثاني، لا بل يرتكب خطيئة في حقّ الأول وفي حقّ الثاني.
ولعلّ في كلمات محمّد بكري المُحرّض ضدّه بشأنها البيّنة القاطعة!
فماذا يقول:
محمّد بكري قال: “لن أتراجع عمّا قلت قيدَ أنملة، فالصهيونيّة عدوةُ شعبي في احتلال الأرض وسلب حريّة أبناء شعبي وتعذيبِهم، وسأبقى على هذا الموقفِ حتّى تنتهي الحركةُ الصهيونيّة إلى زوال، لأنها عنصريّةُ غيرُ إنسانيّة، وتحمل مفاهيم العداء للبشريّة. أنا لم أحرّض على إسرائيل ولا على اليهود، بل الصهيونيّة والاحتلال…”
هل شفعت مصطلحات محمّد بكري: “لم أحرّض على اليهود ولم أحرّض على إسرائيل”، له؟ّ!
لم تشفع ولن تشفع!
محمّد يقول: سأبقى على هذا الموقف حتّى تنتهي الحركة الصهيونيّة إلى زوال…
محمّد جدّا متفائل… ولكن الأهمَّ أن ندركَ كما يدرك محمّد: إنّ مواجهةَ الصهيونيّة هي في الدرجة الأولى مواجهةُ وطنيّة.
يعتقد البعضُ أنّ في إسرائيل هنالك فصلًا واستقلاليةً سلطات، في هذا الاعتقاد كمّ من السذاجة كبير. هذه الدولة في كلّ ما يخصّ قضايا “الزعرنة” عند اليهود وبغض النظر إن كانوا رؤساء دولة أو حكومة أو مواطنون عاديّون، توجد سلطة قضاء واستقلاليّة سلطة قضاء، ولكن وحتّى في هذه تختلف الأحكام بين العرب اليهود قسوة تجاه العرب.
القضايا التي تصنّفها المؤسّسة ماسّة في “البقرة المقدّسة- الأمن” يغيب عنها القضاء واستقلاليّة القضاء وتحلّ مكانهما “سياسة قضائيّة” تطغى صهيونيّةُ ويهوديّةُ القضاة وإسرائيليّة القضاة. هذه الدولةُ تعمل في النهار كمؤسّسة وفي الليل كمؤسّسة مختلفة كليّا، لدرجة أن البعضَ يروح إلى القول: في كلّ العالم دولٌ عندها مخابرات إلّا إسرائيلُ فمخابراتٌ عندها دولة.
أمام هذه المؤسّسة يقف اليوم محمّد بكري، ولن يكون شفيعُه إلّا صمودُه والدّعمُ المفقود لشديد الأسف، من هذا الباب تحقّ لمؤسّسة محمود درويش كلمةُ تقدير وشكر، وبفضل مديرها عصام خوري عضو أمانة الاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل 48، نحن نتضامن اليوم معك، ولا يسعنا إلا التأكيد: ليس أصعبُ على المضحّي من تركه أعزلًا من موقف مشن ضحى في سبيلهم.
وأخيرا… محمّد بكري وأنا كنّا زملاء دراسة وعلى نفس الطاولة، فأتمنى ألا نصير كذلك زملاء سجن وأسر.