هذا الكتاب .. / د. بطرس دلّة

إن توثيق أي تاريخ قديم يكون صحيحا إذا ما اعتمد على مصادر أوليّة ودقيقة للمعلومات، شريطة أن تتوفر هذه المصادر للباحث الدارس للفترة التي يكتب عن تاريخها، وقد تكون المشكلة كثيرة التعقيد إذا ما حاولنا توثيق التاريخ القديم لأنه قد لا تتوفر لدينا المراجع والمصادر الأولية التي يمكن أن نعتمدها عندما نكتب هذا التاريخ.

 

هنالك صعوبة أخرى يصطدم بها المؤرخ- كما ذكر إبن خلدون في مقدمته لكتابه “العبر في المبتدأ والخبر”، وهي الميل لدى المؤرخ عن الموضوعيّة عندما يكتب تاريخا يخصّ قومه أو بلده أو قوميته، فإذا انعدمت الموضوعيّة جاء مثل هذا التاريخ مشوهاً.

 

في هذا الكتاب الذي بين يدينا وجدنا كاتبا أديبا كانت له باع طويلة في الإبداع الأدبي، حيث أصدر مجموعات من القصص. ومما يثير دهشتنا أن المؤلف الاستاذ المحامي سعيد نفاع عضو الكنيست عن التجمع الوطني الديموقراطي قد تفرغ من مشاغله الكثيرة كمحام أولا وكعضو كنيست ومن الإبداع الأدبي ليكتب التاريخ الحديث لدور العرب الدروز في المسيرة الوطنية الفلسطينية حتى ال-48 من خلال تناوله المسيرة النضالية للحركة الوطنيّة الفلسطينيّة عامة، فهذا الكتاب  عمليا تأريخ للحركة الوطنية الفلسطينية وإبراز أو الإشارة إلى دور العرب الدروز وليس كونهم كذلك إنما كجزء من أبناء شعبهم وحركته الوطنية فسّره الكاتب في فاتحة وخاتمة الكتاب، ونرى أن ما حثّه في ذلك دوافع عدة أهمها :

 

الرّد على الرواية الصهيونيّة ووليدتها الرواية المتصهينة  اللتين حاولتا خلق “تأريخ” للعرب الدروز في فلسطين، تماما كما لفلسطين كلها بكل شرائحها، خدمة لل”رسالة” الصهيونيّة وأهدافها، مبرزتين دور الذين تعاونوا مع الحركة الصهيونية وكأن أفعالهم هي تاريخ هذا الشعب وهذا القطاع من الشعب الفلسطيني، ومتجاهلتين كلية وعن سبق إصرار تاريخ السواد الأعظم من أهل فلسطين وبضمنهم العرب الدروز في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية ما قبل وحتى النكبة. كل ذلك دون أن يفوت المؤلف اللوم والعتب على الكثيرين الذين كتبوا الرواية الفلسطينيّة متجاهلين دور العرب الدروز، وفي بعض الأحيان متبنين الرواية الصهيونيّة وليس دائما من منطلقات تأريخيّة موضوعية حسب خلاصات المؤلف.

 

في هذا السياق نرى تأثير المحاماة مهنة الكاتب الأولى في التعامل مع الوثائق التاريخيّة كبينات يقارنها ثم يوزنها فيجري المؤلف المقارنات بين المصادر العربية والمصادر الصهيونية في محاولة للتوصل إلى الحقيقة وقد استعان بعشرات المصادر والمراجع مقتبسا هنا وهناك ومقارنا بين نص وآخر وقد نجح في هذه المهمة أيّما نجاح.

 

كما إنني أعتقد أن هذا الكتاب فيه كثير من التفاصيل الخافية على القاريء العادي والتي على كل عربي أن يقرأها وأن يعيها من أجل الأمانة التاريخيّة ودقة سرد الأحداث. يأتي هذا الكتاب في

 

2

 

خضم وعلى خلفية ظهور حركة المؤرخين الجدد من اليهود- إذا استثنينا المؤرخ بيني موريس الذي تراجع أمام ما كشف تحت الضغط – والذين خرجوا عن المسلمات الواردة في رواية الحركة الصهيونية بعد أن فتحت الإرشيفات الصهيونية وانكشفت أمامهم عشرات الوثائق التي استندوا إليها في دراساتهم واستند إليها المؤلف في نقاشه مع من يحاولون تزوير وتزييف دور العرب الدروز في نضالهم المشرّف والوطني دفاعا عن الوطن والعروبة، ومن خلال إبراز دور المتطوعين الدروز الأشداء والذين لا يهابون الموت والذين سقط من صفوفهم عشرات الشهداء  مع ذكر أسمائهم.

 

وأخيرا أقول: مهما كانت الأسباب والدوافع التي أخذت بالكاتب سعيد نفاع لكتابة هذا الكتاب، فإن الدور الذي لعبه المتطوعون الدروز الأشداء في الدفاع عن فلسطين في حينه يستحق أكثر من كتاب كهذا وتوضيح ما ليس واضحا في هذا المجال.

نحن نعتقد أن الكاتب بذل جهودا جبارة في دراسة المصادر وإجراء مقارنة فيما بينها وتوصل إلى استنتاجات هامة يجب أن يعرفها ويعيها كل دارس وكل من تهمه الحقيقة التاريخية عن دور العرب الدروز الوطني والمشرف في حرب فلسطين.

من الجدير بالذكر أن كتابة مثل هذا التاريخ تتطلب جرأة كبيرة لأن الكاتب يتحدث عن أناس ما زالوا أحياء ويشير إلى دورهم الخياني المستنبط من المصادر التاريخيّة التي اعتمدها، خدمة للحقيقة التاريخيّة المستخلصة ودفاعا عن الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة بكل مواقعها.

 

تحياتنا للأستاذ سعيد نفاع وليبق قلمك سيالا كي تثري مكتباتنا بدراساتك وإبداعك الأدبي الرائع.

 

لك الحياة

د. بطرس دلّة – كفر ياسيف

أواخر نيسان من عام 2008

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*