ما يهمنا وما يهمهم من تقرير فينوغراد…قراءة أوليّة

كانون الثاني 2008

بداية علينا أن نذكر أننا لسنا بصدد تقرير إنما بصدد جزء من تقرير، فلهذا التقرير جزء مخفي وهو الأعظم وهو الأهم، وهذا الجزء كقول رئيس اللجنة هو الجزء المتعلق أو الذي يمكن أن يؤثر على أمن الدولة وعلاقاتها الخارجيّة، ويستطيع كل منّا أن يلقي لنفسه الحبل على الغارب تصورا لما هو موجود في هذا الجزء، وفي هذا الجزء كامن ما يهمنا في مثل هذا التقرير وتماما لأنه يهمنا فهو مخفيّ. هذا الجزء لن يرى النور سنوات طويلة أو ربما لن يرى النور البتّة، ولهذا فكل تناول للتقرير هو في أحسن الحالات تناول حتما سيكون منقوصا، وأي استنتاج منه هو جزئي ليس إلا.

أمر طبيعي أن ما يهمنا في هذا التقرير،الجزء العلني، ليس تماما ما يهم الإسرائيليين، ومن هذا المنطلق يجب أن تكون قراءتنا له مختلفة تماما من قراءتهم إياه، اللهم في موضوع واحد وهو باب “النقد الذاتي” الذي يمارسونه وبكل شجاعة وشفافيّة والأهم أمام ناسهم ولناسهم غير مبالين إن أعجب ذلك أو لم يعجب من ليس من ناسهم ودون الالتفات لما يمكن أن “يستفيد” منه من هو ليس من ناسهم وحتى عدوهم، في حين أننا نرفعه نحن وفي كل مواقعنا وفي كل مجالات حياتنا على الغالب شعارا لا نمارسه إلا قولا.

ليس اختيار الكلمات والمصطلحات اللغوية العبرية في التقرير هو مجرد أو محض صدفة،  هو اختيارا وانتقاء مدروسين مقصودين، فالتقرير يتحدث عن “إخفاقات” هنا وهناك لا عن فشل عام، فلا يستعجلنّ أحد باستنتاج نتائج أبعد ممّا هو مطلوب، على الأقل من ناحيتهم.

القراءة الأوليّة لرؤوس أقلام هذا التقرير الجزئي تؤكد لنا ولا تجدد ما كان معروفا لدينا،أن شنّ هذه الحرب العدوانيّة من وجهة نظرهم، هو حق مكتسب لإسرائيل والقرار بشنّها كان صائبا وبغض النظر عن النتائج، علما أن إسرائيل بحكامها وناسها توحدت حينها من وراء القرار، قناعة أنها حرب عادلة ل”إعادة الأبناء”.

والقول أن هذه الحرب ما كانت لتنشب لولا السياسة العدوانية التي تمارسها إسرائيل ليس فقط ضد لبنان إنما ضد كل جاراتها وتحتل جزء من أراضيها، وضد الشعب الفلسطيني في احتلال هو الأطول في التاريخ دون وازع من أحد، فهذا قول أعداء ليس ذا بال لا لدى لجنة فينوغراد ولا لدى المؤسسة التي تمثلها هذه اللجنة.

قراءة كهذه تفيدنا أيضا وكأن الحرب نشبت بين الائتلاف والمعارضة في إسرائيل رغم دعمهما المطلق لها، وكأنها لم تكن بجزئها الأكبر ضد أناس عزّل شردت منهم مئات الآلاف وقتلت وجرحت الآلاف ودمّرت وهدمت ثلث دولة انتقاما وتعبيرا عن إحباط في مواجهة المقاومة، هذه الجرائم الإنسانيّة ليست في نظر اللجنة ذات بال ولذا لم يجيء التقرير المعلن على ذكرها ولا نعتقد أن المخفي منه تناولها.

وفي هذا السياق أعطى التقرير لكل من الائتلاف والمعارضة وعلى شكل نصوص ذكيّة أدوات في حربهما السياسية الانتخابية، فقد برأ المستوى السياسي وأدانه في نفس الوقت، وصاغ ذلك بجمل تنفع الائتلاف وتنفع المعارضة في نفس الوقت، لكنه وضع لهم كوابح جمّة لحربهما السياسية في تحميله مسؤولية ل”البقرة المقدسة” لديهما الإثنين، الجيش، مما يضعهما أمام خيارات صعبة في حربهما الداخليّة هذه خوفا من المسّ في الجيش والمهمة الوطنية في إعادة بنائه وتأهيله.

قراءة رؤوس الأقلام هذه تفيدنا أيضا أن ما وراءها هو التعبير عن الذهنيّة التي ميزت وما زالت تميّز الذهنيّة الصهيونية، أن إسرائيل في محيط لا تنفع معه إلا لغة القوة وحتى عندما يجنح هذا المحيط إلى السلم لا يجنح إلا خوفا، واللغة هذه تعبيرها الأفضل هو الجيش ولذلك على هذه المؤسسة أن تبقى مقدسة وتقديسها يجيء من قوتها واستعدادها الدائم لأن تنتصر لا أن تخفق فكم بالحري أن تفشل.

لكن القراءة الأعمق في هذا هي، أن على المنطقة بشعوبها وحكامها أن تفهم أن هذه الحرب ونتائجها لم تغير في المفهوم الصهيوني لشكل تواجده  بين ظهرانيهم شيئا، وهم عرضة لعدوانات أخرى من دوافع إسرائيلية داخليّة وأهمها في هذا السياق إعادة الثقة للجيش رغم أن التقرير أشار وبنصف جملة : أن لايغرّن أحد نفسه بأن عملية كهذه أو تلك فيها الدواء، إشارة إلى العملية التي شنتها الطائرات الإسرائيلية على سورية أوائل أيلول 2007. بمعنى آخر إن إعادة الثقة للجيش وإعادة الرهبة لأعدائه بحاجة إلى ما هو أكبر من ذلك!

الأمر الآخر الذي يجب أن نقرأه في مثل هذا التقرير باتجاهنا، عرب الداخل، هو أن سنين عجاف تنتظرنا من التمييز، فزيادة الميزانيات العسكرية للجيش لإكسابه القوة اللازمة وإصلاح ذات إخفاقه حسب هذا التقرير، جاءت دائما على حساب الأقليات والمستضععفين، فكم بالحري وأن لجنة حققت في صدمة أصابته ستزيد من “دلاله” وهو المدلل أصلا.

رغم كل ذلك، أهم ما يجب أن يُقرأ في رؤوس الأقلام هذه هو أن أقوى وأعظم جيوش العالم عاجزة عن قهر مقاوم يملأه الإيمان بقضيّة ومستعد للجود في سبيلها بأغلى غايات الجود، ويلتزم تنظيما ويحترمه فيصير التنظيم ليس فقط مدعاة لصمود إنما أيضا لحياة. هذه المباديء صحيحة في ساحات الحرب تماما كما هي صحيحة في ساحات النضال السياسي كذلك.

 

النائب سعيد نفاع

كانون الثاني 2008

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*