يهوديّة الدولة… وهدم البيوت العربيّة في القدس وال-48

تشرين الثاني 2009

عمر هدم البيوت العربيّة كعمر نكبة أهلها  فلم تتوقف على مدى ال-62 سنة الماضية ولا للحظة ابتداء بالهدم الكبير لكل القرى والأحياء الفلسطينيّة التي هُجّر أهلها عام 1948 ومرورا بالهدم الواسع الذي طال قرى بدويّة كاملة في النقب حتى العام 1959 ومنذها لم يتوقف الهدم الدوريّ للبيوت العربيّة بحجة البناء غير المرخّص في كل القرى العربيّة.

 

عندما بدأت القوات اليهوديّة حملتها التطهيرية في العام 1947 من القرن الماضي كانت الأوامر التي تلقتها واضحة لا لبس فيها، وعلى سبيل المثال كان دافيد بن غوريون إثر انطلاق وحدات النخبة في الهجناه “البلماح” في عمليّة نحشون ضد قرى غرب القدس والقدس، بوضعه اللمسات الأخيرة على الخطّة يصادق على : “الهدف الرئيسي للعمليّة هو تدمير القرى العربيّة”.

وقد أزيلت من الوجود في المنطقة 39 قرية عدا اثنتين لسخرية الأقدار “أنقذتهما” عصابة شتيرن بسبب علاقة مخاتيرهما معها فالهجناه كانت تريد إلحاقهما بالأخريات. أمّا في القدس نفسها فأزيلت ثمانية أحياء لم يتُبق منها إلا البيوت القابلة للسكن بعد أن استولت عليها عائلات يهوديّة ما زالت تسكن فيها وبعضها صار مكاتب لمؤسسات الدولة الجديدة ما زالت تستخدم حتى اليوم لهذا الهدف.

 

ما هو وضع القدس اليوم ؟

مؤسسة “سينات” للبحوث الأقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة خاضت في هذا الموضوع في نشرتها رقم 379 من تشرين الأول 2009، وحسبها:

“عشيّة حرب ال-67 كانت مساحة القدس الغربيّة 38 كم2 ومساحة القدس الشرقيّة 6.5 كم2 ، وبعد الحرب ضمّت إسرائيل مساحة 70.5 كم2 شملت المدينة و-27 قرية كانت خارج مسطح المدينة الشرقيّة، بلغ عدد سكان هذا المحيط قرابة 195,000 إسرائيلي و-69,500 فلسطيني. ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم اتبعت إسرائيل سياسة تخطيط وبناء مستمدة من ومعتمدة على الصراع القوميّ على المدينة، سياسة تهدف إلى تعزيز أكثريّة يهوديّة في مسطح المدينة لإفشال أي إمكانيّة مستقبليّة لتقسيم المدينة”.

 

كل من يرى المدينة اليوم ويعيشها يدرك دون جهد أن هذا هو الواقع، ومثلما صار حلّ الدولتين لشعبين شبه مستحيل التحقيق وفق المعطيات الميدانيّة وبغياب استراتيجيّة بديلة ألا يجب أن يرقى الفلسطينيون إلى الدولة الواحدة؟ أو على الأقل أليس هنالك مكان لطرح المدينة الواحدة والعاصمة للدولتين إذا صار أن تحوّل شبه المستحيل هذا إلى إمكانيّة؟!

وتضيف النشرة:

“الآليّة المركزيّة التي التي استعملتها حكومة إسرائيل هي مصادرة الأراضي الخاصّة فقد صادرت أكثر من 24,000 دونم من مالكيها والتي تشكل 35% من مسطح المدينة الشرقيّة وعلى هذه المساحة أقامت الحكومة قرابة ال-50,000 وحدة سكن لليهود، أمّا للعرب فقد أقيم أقل من 600 وحدة بمساعدة حوميّة أو ما شابه.

علائم هذه السياسة ملموسة في مجال البناء في القدس الشرقيّة فمنذ سنة 1967 أصدرت البلديّة قرابة ال-4000 رخصة بناء بني طبقها 8000 وحدة سكنيّة رغم أن عدد سكان القدس الشرقيّة ارتفع في هذه الفترة بحوالي 200,000 نسمة. ففي سنة 1967 كان في المدينة قرابة ال-12,500 وحدة سكن وصلت اليوم إلى 40,000 بمعنى أن سياسة التخطيط لم تعط ولو بداية إجابة لحاجات العرب السكنيّة، وهنالك 50% من الدور بدون ترخيص صادرة بحقها أوامر هدم تنفّذ بين الحين والآخر”.

 

هكذا هو الوضع مؤخرا في حيّ سلوان المنوي إزالته كليا بمئات بيوته بحجة أنه مبنيّ على منطقة معلنة كمتنزه وطنيّ رغم ملكيتها الخاصة للسكان العرب. ومع هذا هل نجحت سياسة التخطيط الإسرائيليّة؟

السكان اليهود في مسطح المدينة الشرقيّة يكونون اليوم %41 وفي سنة 1967 كان الفلسطينيون يشكلون في كامل المسطح %25.5 أما اليوم فيشكلون %35 وحسب التوقعات الديموغرافيّة سيكون العرب غالبيّة بعد 20 سنة.

 

وما هو الوضع في مناطق ال-48؟  

هنالك مئات أوامر الهدم وتنفذها السلطات انتقائيا حسب سياسة موجهة ممنهجة يصعب أحيانا فهم هذه الانتقائيّة. في الأشهر الأخيرة هدم في الطيرة في المثلث بيت من ثمان شقق وآخر من شقتين هدمه صاحبه بيديه  بعد أن قصرت يداه عن تحمّل تكاليف الإجراءات القانونيّة ، وفي أم الفحم هدم سوق تجاري للمرّة الثانية، وفي المشيرفة في المثلث الشمالي هدم قبل أسابيع بيت إضافي مشمول في الخارطة المودعة والتي حسب القانون وبشروط معيّنة يمكن استصدار ترخيص له ورغم ذلك هدم ، وفي بيت جن في الجليل صدرت أوامر هدم بحق ثلاثة بيوت وأدخل أصحابها السجن، وفي الأسبوع الأخير هدم بيت في قرية مصمص في المثلث الشمالي.

 

عرب النقب والذي يبلغ عددهم 180,000 نسمة والذين ضاعفوا عددهم منذ النكبة ب-17 مرّة في حين ضاعف بقيّة أبناء الشعب الفلسطيني عددهم بين 7-8 مرات، يتعرضون لإزالة بيوت قرى كاملة في شتى أماكن تواجدهم  والحجة أنهم يستولون على أراضي الدولة مانعين تهويد النقب. لا يمر شهر دون أن تهدم هنالك عشرات البيوت لإجبار أهاليها على النزوح وقبول سياسة التجميع في مجمعات “مدنيّة” لا تلبث أن تصير بلدات فقر أحياؤها أشبه بالمخيمات تأكلها البطالة والظروف المعيشيّة التي لا تطاق.

 

هذا الزخم في الهدم الزاحف هدم البيوت في مناطق ال-48 يثير مجموعة من التساؤلات: فهل فعلا لا حلّ لآلاف البيوت (قرابة ال-7000 بيت حسب بعض الإحصائيات دون الأخذ بالحسبان قرى كاملة في النقب اصطلح على تسميتها القرى غير المعترف بها)؟ وهل العرب غواة مخالفات قوانين؟

أم أن هنالك وراء الأكمة ما وراءها وأن هذه السياسة تصبّ في سياسة التهويد وجزء من هذه السياسة، رغم عدم الإعلان عنها في هذا السياق كما في القدس، لكن المعلن عنها في سياقات أخرى بوضوح ؟

لو أرادت السلطة أن تحلّ قضية البيوت غير المرخصّة وقضيّة السكن من أساسها لتأتى الأمر وبأسهل السبل، وذلك باعتماد المعايير التخطيطيّة العلميّة فالازدياد في النمو السكاني مُقدّر وحاجة هذا النمو للبيوت معروفة وما يسمى “استطلاع ملكيّة” لرصد الأرض هيّن المنال. وكل هذه المعايير من السهل اتباعها وتفضي إلى معرفة الكميّة المطلوبة من الأراضي ومن يتبقى من الأهالي دون ملك داخل المخطط تخصص له مساحات من “أراضي الدولة” (أراض أصلها طبعا للعرب وكان استولي عليها)، فتحل المشكلة.

ومن التعميم إلى التخصيص بيت جن قرية يبلغ عدد سكانها اليوم 11,000 نسمة وحسب معدل النمو السكاني سيبلغ عدد سكانها سنة ال-2020 حوالي ال-18,000 نسمة وهي بحاجة ل-700 وحدة سكنيّة أي إلى 350 دونم تضاف للمخطط ولكن بسبب الملكيّة الخاصة حسب “استطلاع الملكيّة” إذ أن قلة من العائلات تملك غالبيّة ال-350 دونم هذه  فلا توفر هذه إلاضافة ال-700 وحدة فتبقى مئات العائلات دون إمكانية الأستفادة من هذه الزيادة مضطرة أن تبني على أراضيها خارج المسطح وبدون ترخيص، وهذا حال كل القرى العربيّة في مناطق ال-48.

 

هل المُخطِّط لا يعرف هذا الواقع ؟

يعرف ويحرف كما يقال عندنا ووراء انحرافه الهدف المبيّت أن يبقي هذا الوضع ليصير هؤلاء المحرومون بقرة حلوب لخزائن الدولة بفرض الجزوات الماليّة الباهظة عليهم، ومرة أخرى لنأخذ أصحاب البيوت التي سجنوا من بيت جن كمثال لآلاف أصحاب البيوت في القرى العربيّة، فقد فرضت عليهم غرامات بلغت ال-130,000 دولار يعني دخل عائلة متوسطة  لمدة 9 سنوات.

 

يهوديّة الدولة ممارسةً هي الهدف !

هذه السياسة هي ممارسة ميدانيّة ل “يهوديّة الدولة” ودون وقبل الاعتراف المطلوب اليوم بيهوديتها من المفاوض الفلسطيني والعربي. فالخنق هذا وتكدير العيش هذا  والهادفين والمفضيين إلى ترحيل بطيء للعرب هو جزء من ممارسة يهوديّة الدولة.

وإذا فتشت عن دليل ف”المؤسسة للاستراتيجيّة الصهيونيّة” تنبئك الخبر اليقين، ففي بحث أجرته وتحت عنوان : الأحوال الديموغرافيّة في أرض إسرائيل (هكذا تسمى كل فلسطين بلسانهم) بين عام 1800 إلى عام 2007 تفيد:

“منذ أكثر من مائة سنة ومنذ بدء نشاط الحركة الصهيونيّة والتوقعات التشاؤميّة تضع شكا حول أن يكون اليهود أكثريّة في أرض إسرائيل ولكن رغم هذه التوقعات فقد ارتفعت نسبتهم بين السنوات أعلاه من %5 إلى %60.”

وتضيف المؤسسة تساؤلا:

“لماذا لم تحافظ الزيادة الطبيعيّة للعرب والتي تزيد كثيرا عنها لدى اليهود على أكثريّة عربيّة في أرض إسرائل؟

وتجيب على ذلك: “بأن اليهود في أرض إسرائيل وكذلك المسيحيين قد وصلوا إلى ما يسمى “النقلة الديموغرافيّة” بمعنى أنه تساوت عندهم الوفيات والولادات بعبورهم كل مراحل “النقلة الديموغرافيّة” ودخلوا مرحلة ثبات العدد. والمعطيات الديموغرافيّة تشير إلى أن المسلمين في إسرائيل ويهودا والسامرة متأثرون ب”النقلة الديموغرافيّة” وموجودون اليوم في مرحلة الانخفاض المتسارع في الولادة”.

وتخلص إلى:

“الانخفاض المتسارع في الازدياد الطبيعي لدى العرب ومعه هجرة العرب إلى خارج أرض إسرائيل وبالمقابل استمرار الهجرة اليهوديّة إلى إسرائيل هما الكفيلان باستمرار ازدياد وتحصين الغالبيّة اليهوديّة”.

الخلاصة : أوليس خنق العرب كذلك سكنيا بهدم بيوتهم وسلب إمكانيّة بنائها أصلا وبالذات في القدس وضواحيها وفي ال-48 (غالبيّة الدولة اليهودية الدائمة إذا صار حلا) جزء من جعل “نقلتهم الديموغرافيّة” سلبيّة ومن ثمّ ممارسة ليهوديّة الدولة ميدانيا باعتراف ودون اعتراف ؟

فما الذي سيحصل إذا تمّ الاعتراف؟!

 

النائب المحامي سعيد نفاع

تشرين الثاني 2009

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*