وقفات على المفارق مع نيران دُومَة الفلسطينيّة

 

آب 2015

الوقفة الأولى… حتى لا يصير عليّ نَصّا أدبيّا وبيانا سياسيّا.

الرضيع عليّ الدوابشة ليس أول مآسينا وهذا ما نعرفه ولا آخرها وهذا ما يجب أن نعرفه، وسيجد عليّ في حِلّه وأينما حلّ، وكلّ حسب إيمانه، كُثرا من الأطفال كانوا قد سبقوه وسيستقبل كُثرا منهم سيلحقونه، وأينما وكيفما كان حِلّهم فلن يقرأ عليّ حين يشبّ لأولئك، النصوص قصائد كانت أو منثورات أو بيانات أو مقالات وإن وُلدت من رحم النار التي لم تتعب البتّة عندما التهمت صراخه، لأن النصوص أصلا لم تصله ولأنها ليست ذي بال حيث يحبو اليوم.

عليّ ومن سبقه ومن سيلحقه من الأطفال سينشغلون في أوقات قيلولتهم وبعد أن يشبّوا قليلا، بأسئلة لو كانت منحتهم الحياة أجلا أطول لكانت تساؤلات: لماذا لم تحمونا ؟! ألم يكن بإمكانكم أن تحمونا؟! وهل كنتم أصلا قادرين على حمايتنا؟! وهل ستحمون مَن بعدنا؟! أم أن علينا أن نوسع لهم ساحات لعبنا؟!

حرق عليّ هو ليس القضيّة هو نتيجة للقضيّة، فأصلا ما كان يمكن أن يُحرق عليّ لو لم يكن مَن حرقه موجودا في دُومَة أو حولها، ووجوده هنالك ما كان يمكن أن يكون لو أن هنالك من كان قادرا على منع وجوده، والوجود في سياقنا هو ليس وجود أداة الحرق وإنما وجود من أوجدها وحمّلها الفتيل.

جاء الوقت لأن نقولها وعاليا، أن هذا ناتج عن عجز في أمّة بكاملها نحن وعليّ الدُّوماويّ جزء منها، وعندما تعجز أمة فلا يلومنَّ أحد الضحيّة على عجزها وعجز مسيّري شؤونها بما تبقّى لهم من قوّة العاجز، كما هو حاصل اليوم، وقد أفقدتهم أمتهم بشقيها العربيّ والإسلاميّ، كل مقوّمات الوجود، فكيف لفاقد مقوّمات الوجود أن يحفظ هذا الوجود نظيفا من وجود الغرباء وأدوات نيرانهم؟!

الوقفة الثانية… مع الاعتقال الإداريّ

الاعتقال الإداريّ وليد أنظمة الطواريء الانتدابيّة التي تبنتها إسرائيل بعد قيامها أداة لضرب العرب، وبعد حربها العدوانيّة في ال-1967 طورتها وكان وما زال ضحيتها المئات إن لم يكن الآلاف من الفلسطينيّين أبناء ال-67.

اليوم وعلى خلفيّة حرق عليّ تستل المؤسسة الإسرائيليّة هذه الأنظمة ضدّ بعض الأدوات التي “تعتقد” أنها وراء الحرق. فلا يُفرحنّ أحد منّا هذا الإجراء حتى لو كانت “ضحيّته” أدوات الحرق تلك أو من “يُعتقد” أنه صانع تلك الأدوات، فكم بالحريّ إذا كان هذا الإجراء تغطية على فضيحة خروج المخلوق على خالقه.

الاعتقال الإداريّ في سياقنا هو إجراء في “العلاقات العامّة” ليس إلا، ولا نجدّد حين نقول أنه لو أرادت المؤسسة الإسرائيليّة بأجهزتها المخابراتيّة أن تكون جادة في منع هذه المحارق لمنعتها، وغدا عند أول احتجاج لنا على اعتقال إداريّ سنرى المؤسسة والناطقين باسمها تواجهنا “استعملنا هذا ضدّ يهود”. يجب أن نكون ضدّ الاعتقال الإداري حتى لو كان ضدّ هؤلاء، فبهذا الموقف نقوّي موقفنا في حربنا ضدّ هذا الإجراء التعسفيّ الذي لم يُحافَظ عليه حيّا إلا ليُستعمَل ضدّنا.

الوقفة الثالثة… مع التبرير

رغم أن عند “أبناء عمومتنا” مقولة تقول “حتى الشيطان لم يخلق انتقاما بدم طفل”، لكن ستوجد بينهم أوساط واسعة تبرّر المحرقة قولا أو صمتا، وتوجد أخرى بينهم تستنكرها علنا وتتفهمها ضمنا، وأيضا سيوجد بينهم من يقول لنا: “لا تعظموها فإخوتكم كلّ يوم يحرقون مئات الأطفال في سوريّة والعراق واليمن”.

لعمري أنهم في هذه الأخيرة لصادقون تجاه بعضنا، فلا حقّ لأي كان ممن برّر محارق داعش والنصرة في العراق وسوريّة والتحالف السعودي في اليمن وأيّا كان تبريره، لا حقّ له بأن يرفع عقيرته محتجّا على محرقة دومة الفلسطينيّة، وإن رفعها فهو كاذب دجّال.

سعيد نفاع

 sa.naffaa@gmail.com

أوائل آب 2015

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*