وقفات على المفارق مع… صفقة القرن وأمّ قشعم!

شباط 2020

الوقفة الأولى… مع القلم والخِضمّ..

الكاتب، وأيّ كاتب، حين يستفزّه قلمه ليكتب وفي أيّ موضوع، يشغله السؤال: هل من مكان أو حاجة لكلماتي عامّة وكم بالحري إذا كان مكانها في خضمّ عارم في موضوع الكتابة؟! ويصعب السؤال حين يكون الموضوع كالذي نحن بصدده، إذ يصير: ماذا يمكن أن يجدّد على كلّ ما يُقال، وأصلًا حتّى لو جدّد، أهنالك من يأخذ بما يكتب؟! هذا السؤال ورغم تأوّده علويّا وتحتيّا في وجه كلّ كاتب في مثل هذه وفي غيرها، لا يردعه، وتجده يطلق العنان لقلمه وبغضّ النظر!

 

الوقفة الثانية… مع البطل التاريخي.

يسود بين البشر النقاش الأبديّ عن “البطل التاريخيّ” ووجوده أو دوره. يذهب البعض إلى أنّ الأفراد هم صنّاع التاريخ، وآخرون يعتقدون أنّ الأفراد ما هم إلّا أدوات في صنع التاريخ وقد قيّض لبعضهم أن يرفعوا الراية ليس إلّا، في ظرف تاريخيّ موضوعيّ. أنا من الذين يعتقدون أنّ صناعة التاريخ هي بين هذا وذاك أو مع هذا وذاك، فلم تكن التحوّلات إلّا وليدة واقع موضوعيّ، وللشخوص كان في هذا الواقع باع بحكم مواقعهم وقدراتهم الماديّة والعقليّة وطبقًا لما يحملون من أفكار وعقائد، إيجابًا وسلبًا.

 

الوقفة الثالثة.. مع رسول الربّ.

حين نويت أن أدلي بدلوي في “هزليّة القرن” رحت أفتّش فوجدت وعلى ذمّة أحد المواقع، أنّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يصرّح لوكالة البث المسيحية المحلية (CBN)، في 22 مارس 2019، بأنّ “الربّ أرسل الرئيس دونالد ترامب من أجل حماية إسرائيل من إيران”. وقبل بومبيو بأشهر، تحديداً في 31 يناير، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، لذات الشبكة الدينية: “إنّ الربّ أراد أن يصبح دونالد ترامب رئيساً”.

على ذمّة الموقع فإنّ جون كيربي، المتحدث الأسبق باسم وزارة الخارجية الأمريكية ومحلل شبكة “CNN” للشؤون الدبلوماسية والعسكرية، علّق على حديث بومبيو حول إرسال الله لترامب قائلاً: إن “تأكيد بومبيو على أنّ ترامب ربّما يكون قد أرسله الرب لإنقاذ إسرائيل، كان ليُعدّ أمراً مثيراً للضحك، إذا لم يكن هذا مؤشراً على أن وزير خارجيتنا يتجاوز بتهور الخط الفاصل بين الدين والدولة”.

وأضاف كيربي أن تصريحات بومبيو: “ليست محرجة فقط بل خطيرة وغير مسؤولة وتشجع المتطرفين الذين يرون الغرب غزاةً صليبيين، وتزعج الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة كمدافع عن الحريات الدينية والمدنية”.

 

الوقفة الرابعة… مع ال-“أرمجدون”

يؤمن كثير من الإنجيليين بأنّ المسيح سينزل إلى الأرض لينشئ مملكة الله التي ستستمر ألف سنة من السعادة، كما يؤمنون بأن إسرائيل هي العامل المسرع لأحداث نهاية الزمان، ولذلك فإن دعمها يجب أن يكون من ثوابت السياسة الأمريكية.

وتؤمن الطائفة الإنجيلية بالحرب في آخر الزمان، أو ال ـ “أرمجدون”، وانتصار المسيح في هذه الحرب، واستتباب السلام في العالم، كما يعتقدون بأن الله أنشأ بيت المقدس لليهود، وأن حكومة السيد المسيح سوف تكون في بيت المقدس بفلسطين المحتلة.

ويُضاف: إنّ “بطلنا” ترامب نفسه غير متدين، وتزوج 3 مرات، وكان لديه حانات، وعليه قضايا تحرش، وكل ذلك يزيد من التساؤل لماذا إذاً يرسله الله ليحكم أقوى دولة في العالم؟ فوفقاً للأصول البروتستانتية للإنجيليين، فإن بروتستانتية ترامب هي واحدة من الأسباب وراء دعم الطائفة الإنجيلية له، وفي يناير 2017 لفتت الكاتبة ميشيل غولدبرغ، في صحيفة “نيويورك تايمز”، إلى أن ترامب “غير المتدين” هو “حصان طروادة لليمين المسيحي” الذي يريد السيطرة على السياسة الأمريكية.

وبحسب وسائل إعلام أمريكية فقد اكتسبت التيارات المسيحية المحافظة نفوذاً كبيراً في البيت الأبيض عقب وصول ترامب إلى السلطة، إذ إن بعض هذه التيارات تعقد جلسة أسبوعية لأداء الصلاة المسيحية مع الرئيس ترامب داخل البيت الأبيض.

 

 

ربّما يعلم ترامب تماماً أنّ خسارة تأييد هذه الطائفة تعني خسارة فترة الرئاسة الثانية، لذلك سعى جاهداً منذ بداية انتخابه إلى اعتماد قرارات تزيد من تأييد الإنجيليين له، فكان أكثر تصميماً على قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، على الرغم من خطورة هذه الخطوة، لكنها كشفت أنّ أكثر من 80٪ من الإنجيليين راضون عن أداء ترامب وحكومته. وها هو اليوم وعلى شفا انتهاء فترته الرئاسيّة الأولى يهديهم مساحة واسعة أخرى حول مقرّ “حكومة السيّد المسيح” ضمانًا لأمن حكومة السيّد المسيح!

هل لفت نظركم قرائي الأعزاء، قول ترامب في الهزليّة بالأمس وهو يخاطب المصفّقين بالصيغة: “لقد أعطيتكم”، فمن هم ال-“كُمْ” هؤلاء؟!

و-“حذوك النعل بالنعل”، ضف إلى هؤلاء، الصهاينة من روّاد بيت “البطل”؛ نسيبه وسفيره ومن لفّ لفهّما جوّة البحار وبرّة البحار، لتستنتج النتائج!

تنويه: الرّب والسيّد المسيح من كلّ ذلك براء، أقول هذا وبغضّ النظر ورغم علمانيّتي!

 

الوقفة الخامسةمع الدولة الواحدة.

يذهب الكثيرون إلى أنّ مصالح الدول، أو على الأصحّ الماسكين في رقاب تلك الدول، هي الفيصل في العلاقات وما يترتّب عن ذلك من معادلات دوليّة تروح ضحيّتها على الغالب الشعوب والمستضعفة منها عينيّا، هذا صحيح لكنّه وحسب اعتقادي إنّه لا يمكن أن تُرى الأمور فقط من هذه الزاوية فللقضايا العقائديّة الإيمانيّة وهي أيضًا مصلحة دنيويّة وآخِرويّة، دور هامّ وأساسي في المعادلات، وفي سياقنا أكثر من أكثر.

لو كنت في مركز القرار الفلسطيني لكنت في هذا الظرف اقترحت أن ننعى حلّ الدولتين أو أن نلقي به إلى حيث ألقت رحلها أمّ قشعم، ولتكن دولة واحدة من النهر إلى البحر وحتّى لو كان الأبرتهايد مهرها المُعجّل!!!

سعيد نفّاع

29 كانون الثاني 2020

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*