من يلتحف الطائفية غطاءً فهو في نهاية الأمر عريان، رغم اعتقاده أن عورته مستورة

 

وقفات على المفارق…مع الطائفيّة من يلتحف الطائفية غطاءً فهو في نهاية الأمر عريان، رغم اعتقاده أن عورته مستورة

تموز 2010 – إعادة نشر

الطائفية عندنا صارت في قاموس الكلمات الاتهاميّة، نلقيها جزافا على كل تصرف يقوم به الإنسان في حدود الطائفة التي ولد فيها دون إرادة منه. ولكن السؤال يظل: من هو الطائفي ومن الذي يستطيع أن يقرر أنّ هذا تصرفا طائفيا وذاك ليس ؟!

فهل مثلا العلماني يمكن أن يكون طائفيا في نظر من يصلّي ويصوم ويرتل ويقدس ويخلو (من الخلوة عند الدروز)؟ وهل من يصلي ويصوم ويرتل ويقدس ويخلو يمكن أن يكون طائفيا في نظر العلمانيّ ؟!.

لا هذا يمكن ولا ذاك يمكن، ولكن من غير الممكن لمصل صائم ومرتل ومقدس ومختَلٍ أن يتهم علمانيا بالطائفيّة، في حين أن لدى الأخير كل الأسباب ليتهم هؤلاء بذلك إذا خرجت هذه السلوكيات أو الفرائض عن الإيمان بالله والعلاقة الذاتيّة به .

كيف يُصنّف عمل معيّن في داخل طائفة، أو له علاقة بطائفة، كطائفيّ، وعمل مطابق تماما كوطنيّ وقوميّ؟!

تصنيف عمل وأي عمل أو لقاء وأي لقاء يجب أن يعتمد على حيثيات العمل أو اللقاء وأهدافهما، وليس على شكل ولادة المشتركين فيهما غير الإراديّة، اللهم إلا إذا كان هدفهم طائفيا وليس وطنيّا وقوميّا وإنسانيّا، إذا صادف أن كانوا نتاج الولادة غير الإراديّة طائفيا .

الطائفي عادة لا يجاهر بطائفيته وينبري يدافع عن نفسه إن اتهم ويكيل للآخرين بما هو عليه حقيقة، والبيّنة: “اللي في بال الشيخ يهدس فيه”، وهذا هو الإثبات الأقوى على أن من يلتحف الطائفية غطاء فهو في نهاية الأمر عريان، رغم اعتقاده أن عورته مستورة، والسبيل إلى ضرب اعتقاده هذا هو محاربته دون هوادة وكشف عورته أولا على يد من يشاركه الانتماء البيولوجي طائفيا، والمتّهِم الآخرين جزافا، في غالب الأحيان هو إناء ينضح بما فيه.

من نافل القول أن الإنسان لا يختار المجموعة البشرية التي يولد فيها أو لها، أمة كانت شعبا أو طائفة أو عائلة، وهذا “اللا- إختيار” يضعه في جملة استحقاقات لا سلطة له عليها حتى البلوغ تصير تحت سلطته حين البلوغ، التعامل مع هذه الاستحقاقات حينها تحدد قيمته سلبا أو إيجابا.

الطائفة تكوينيا هي في نهاية الأمر تيار في انتماء أوسع اختلفت اجتهادات تياراته في شتى الأمور الحياتية للبشر المرتبطة في قوة ما وراء الطبيعة، أن يمارس الفرد استحقاقات هذا الانتماء  طبقا لاجتهادات طائفته إن لم يتخلل ذلك مسا في استحقاقات الآخرين رغم اختلافها، وأن يمارس حياته الاجتماعية طبقا لاستحقاقات الأحوال الشخصية للطائفة التي ولد فيها، إذا أراد، فهذا يصب في حرية المعتقد وحرية الرأي ولا ضير في ذلك، وهذه لا تسمى طائفية، ولا حاجة فيها لإبداء الاعتزاز بهذا الانتماء.

الطائفية هي مصطلح سياسي معناه: تفضيل طائفتك على الطوائف الأخرى والتعصب لها فيما تهوى إذا تناقض هواها مع الآخرين بغض النظر عن صحة هذا الهوى وخطأه، وعادة ما يكون هذا الهوى وليد نزعات أفراد نحو مصالحهم فيلبسونها لبوس الطائفة، حماية لهم وغطاء لمكنونات نفوسهم الذاتويّة.

الكتل الطائفية في الحياة السياسية اليوم محليا أو قطريا، هي شكل من أشكال الطائفية الضاربة عميقا في وجداننا العربي بدءً من نتائج حرب صفين والجمل، رجوعا إلى الانتماءات الجاهلية التي جاء الإسلام ليرقى بها لانتماء آخر واحد موحد، ما لبثت الطبيعة البشرية أن أوجدت تناقضات أخرى كان وما زال لها الأثر الكبير على إنجازاتنا وإخفاقاتنا.

الطائفية ومنذها كانت الباب المشرع للمتربصين شرا بالأُمة داخليا وخارجيا، ودون أن نعود للتاريخ عميقا يكفينا أن نقرأ توصيات الحركة الصهيونية في بدايات غزوها بلادنا، فقد نصّت: “يجب رصد التناقضات بين الطوائف الإسلامية والمسيحية والدرزية وتغذيتها وخلقها حيث يحتم الأمر، ومن ثم اختيار الطريقة والسبل لدعم الواحدة ضد الأخرى”.

مفروغ منه أن أي ركوب على اختلاف التركيبة الطائفية لأي شعب أو أمة، لا يمكن أن يتم دون أن يكون بين ظهرانيها من هو مستعد أن يحني ظهره لتسهيل الركوب على العدو الخارجي، وطائفيته عادة غطاء لامتيازات ربما تغني مؤقتا. و”حَنْي” الظهر للغير تماما كما “حنيه” لركوب المصالح الضيقة وإن لبست لبوسا انتخابيا محليا أو برلمانيا في زمننا، فإثناهما تأجيج للطائفية ونعراتها ركوبا على الاجتهادات المختلفة التي لم توجد أصلا لذلك، أنما وُجدت في مسيرة تعددية ثقافية وإن لبست لبوسا ميتافيزيائيا.

إذا انطلقنا من الحقيقة الموضوعية أن الطائفة وكذلك من منطلق تسميتها هي في نهاية الأمر تيار في انتماء أوسع مشترك، فتأكيد الأوسع المشترك هو الضمان للحد من التناقضات الطائفية. ومن العام إلى الخاص، طوائفنا المختلفة تتشارك في انتمائها الوطنيّ والقومي، تقوية هذا الفضاء المشترك هذا هو الطريق وهي الرؤية. الأممية فضاء أوسع، لا شك وليس سرا أني قضيت سنوات من عمري السياسي المساوي لنصف عمري البيولوجي أرى فيها الحلم والحل والمخرج، لكن التاريخ اثبت بتطوراته الموضوعية أن الفضاء الوطنيّ القومي هو الأخلد، أما الفضاء المعتمد على علاقة الإنسان بالـخالق لا يمكن أن يكون طريقا فلا يستطيعن أحد أن يحتكر هذا الطريق والخالق مشترك للكل.

لذا فإن ترسيخ وتثبيت والحفاظ على الانتماء الوطنيّ القوميّ لطوائفنا دون تعصب هو طريق خلاصها من كثير من أزماتها، وخلاصة الأمر إذا كللت اختلافاتنا الحزبية الفكرية وطنية صادقة وفضاء آخر مشترك، فحتى الخلافات العقائدية فكريا ليس مذهبيا ولا دينيا ولا طائفيا، تبقى في نطاق التعددية الفكرية، وإذا رافقتها قواعد تعامل حضارية ففي ذلك أيضا حد أمام الآفات العديدة ومنها الطائفية.

سعيد نفاع

أواسط تموز 2015

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*