شباط 2010
ليو تساو يو…ونكبة إبن رشد
ليو هو مفكّر صيني قضى ردحا من عمره عضوا في الحزب الشيوعي الصيني حكم عليه بالسجن مؤخرا لأنه وحسب الحيثيات خرج بفكره عن السياق وبهذا انحرف سياسيا. طبعا نحن لا نعوم على شبر ماء وليس كل ما تسوّق له الدعاية الغربيّة عن الحريات وحقوق الإنسان في ما عداها هو بالضرورة صحيح، ولكن “ليو تساو يو” هذا المفكر البروفيسور الصيني يبدو أنه لا يعجبه ما يدور في بلاده وربما من انفتاح غير مُلجم على الغرب أو ربما لا يروق له تقديس الأحزاب ووحدانيتها.
بغض النظر عن ذلك فقد جاء الحكم على “ليو تساو يو” بسبب خروجه عن السياق فكريا وسياسيا. تختلف الأسباب والنتيجة واحدة فالخروج عن السياق أو التكفير أو التآمر أو ال-“تعميل” (من عمالة) أو…كلها أوجه لنفس العملة مع اختلاف قيمة القطعة النقديّة. ومن ثمّ اتخاذ الإجراءات ضد من يخرج عن السياق في الدول “الخارجة عن السياق” هي وأحزابها، وأحزاب “خارجة عن السياق” في الدول بدءا بالمساءلة ومرورا بال”مساجنة” وانتهاء بحبال المشانق كلها أيضا أوجه لعملة ورقيّة واحدة مع اختلاف القيمة النقديّة لها.
لعلّ عزاؤك يا “ليو تساو تو” ابن الشرق الأقصى أن اسمك في الشرق الأدنى والأوسط هو محمّد وأحمد وعبد الله وإلياس وسلمان. وفي القرن الثاني عشر في الأندلس إبن رشد إذ نُكب على يد الأمير أبي يوسف يعقوب الموّحِديّ لأسباب سياسيّة ودينيّة بإخراجه عن السياق ولأن الأمير هو الذي بدّل تبديلا لمصلحة له مع الفقهاء للم شمل العامة دفاعا عن موقعه الكان مهدّد.
الطائفيّة…
الطائفية عندنا صارت في قاموس الكلمات الاتهاميّة نلقيها جزافا على كل تصرف يقوم به الإنسان في حدود الطائفة التي ولد فيها دون إرادة منه. ولكن السؤال يظل من هو الطائفي ومن الذي يستطيع أن يقرر أنّ هذا تصرفا طائفيا وذاك ليس ؟!
فهل مثلا العلماني يمكن أن يكون طائفيا في نظر من يصلّي ويصوم ويرتل ويقدس ويخلو (من الخلوة عند الدروز)؟ وهل من يصلي ويصوم ويرتل ويقدس ويخلو يمكن أن يكون طائفيا في نظر العلمانيّ ؟.
لا هذا يمكن ولا ذاك يمكن ولكن من غير الممكن لمصل صائم ومرتل ومقدس ومختَلٍ أن يتهم علمانيا بالطائفيّة في حين أن لدى الأخير كل الأسباب ليتهم هؤلاء بذلك إذا خرجت هذه السلوكيات أو الفرائض عن الإيمان بالله والعلاقة الذاتيّة به .
كيف يُصنّف عمل خيّر معيّن في داخل طائفة كطائفيّ ولا يقال عن عمل شبيهه في عائلة عائليّ؟ أو كيف يُصنف لقاء (درزي- درزيّ) في عمّان قوميّ ووطنيّ ولقاء (درزي –درزيّ) آخر في قبرص وبين نفس الناس طائفيّ؟!
تصنيف عمل وأي عمل أو لقاء وأي لقاء يجب أن يعتمد على حيثيات العمل أو اللقاء وأهدافهما وليس على شكل ولادة المشتركين فيهما غير الإراديّة، اللهم إلا إذا كان هدفهم طائفيا وليس وطنيّا وقوميّا وإنسانيّا إذا كانوا نتاج الولادة غير الإراديّة الواحدة طائفيا . وهذا الكلام يصحّ مثلا إذا اجتمعت العائلة لبحث أمر خيّر لبلدها وليس لتدبير هجوم على عائلة أخرى لأنها مثلا فشلت أمامها في انتخابات المجلس المحلّي !.
وليد جنبلاط والأميركتوزيس…
جنبلاط شخصيّة متقلبة سياسيا وفي الفترة الأخيرة وما قبلها من النقيض إلى النقيض ونرجو له أن يستقرّ أخيرا في المتراس الذي انطلق منه وعاد إليه.
والأميركتوزيس أو الإسراتوزيس هما داءان من عائلة مرض الأسبستوزيس السرطانيّة المتسببة من الأسبيست، والإصابة بهما تجعل المصاب مهلوسا ومهووسا بحب كل ما تكره أميركا وإسرائيل حتى لو كانت جهنّم ومهلوسا ومهووسا بكره كل ما تحب أميركا وإسرائيل حتى لو كانت الجنّة، وبناء على ذلك يتبنى المواقف تجاه القضايا وتجاه الآخرين، اللهم إلّا إذا كان المتبنى الموقف ضدّه “ثور” وليس “عجل” طبقا للمثل الفلاحيّ القائل: “ما قدر ينطح الثور فنطح العجل”، وخصوصا إذا كان هذا الثور سمين وله قرون من نوع خاص يبقر البطون ومخصّب كاليفورنيّا.
أنا كفلسطينيّ أولا وعربيّ ثانيا وقبل كل انتماء آخر ألتقي وليد جنبلاط مثلما ألتقي مثلا مروان البرغوثي، ورغم ذلك وعندما حاد وهاجم سوريّة وحلفاءها في لبنان لم أرحمه لا وجاهيّا ولا كتابيا ببيان حاد اللهجة عُمّم حينها وبتوسع، هذا أولا. وثانيا لأنني منذ زمن شُفيت من مرض الأميركتوزيس والإسراتوزيس وأحب ما أحب وأكره ما أكره أحبته أميركا أو كرهته، أحبته إسرائيل أو كرهته.
النائب المحامي سعيد نفّاع
شباط 2010