عوائق شراكة الأحزاب العربيّة… هل هي قابلة للتخطّي؟!

تشرين الثاني 2012

دعونا ننطلق أولا من أن التعددية هي ظاهرة حضاريّة إذا كانت طبعا تعددية فكرية وليس تعددية “كراسيّة- وظيفيّة” وكون بعض أحزابنا فكريّة فعلا فالوحدة مستحيلة حتّى لو افترضنا جدلا أن فكريّتها نظيفة من كلّ آفات أمتنا وبالتالي مجتمعنا، ولذا ما استعمال هذا المصطلح، الوحدة،  إلا من باب الخطأ اللغوي الشائع والمطروح هو شراكة انتخابيّة ليس إلا، والادعاء الأساس لخلفيتها هو زيادة التمثيل العربيّ.

في هذا الادعاء وحوله يمكن أن يُقال الكثير ولكن تكفي الإشارة إلى حقيقة إحصائيّة هي أن قوتنا الانتخابيّة هي أقل من نسبتنا السكانيّة كون نسبة الصغار منّا أكبر منها عند اليهود، ولذلك فقوتنا الانتخابيّة ليست %20 ولا تتعدى في أحسن الأحوال ال%15 وهذا إذا كانت نسبة التصويت عندنا مماثلة لها عند اليهود وإذا لم يصوّت ولا عربيّ للأحزاب الصهيونيّة، وبما أن هذين الأمرين غير واردين، ودون أن تطرح بقيّة الادعاءات، فالادعاء أن شراكة ستجلب لنا تمثيلا أكبر غير دقيقة على الأقل من ناحية العدد الذي يدّعيه دعاة الشراكة.

حكايات شراكة الأحزاب العربيّة في العقدين الأخيرين كثيرة وما زالت متداولة ومعروفة، فالدهر لم يأكل عليها بعد ولم يشرب. عايشت على المستوى الشخصي جزء ليس بالقليل منها وعن قرب، فاتفاق الشراكة بين الجبهة والتجمع عام 1996 نصصناه محمد ميعاري ورائق زريق عن التجمع ودوف حنين وأنا عن الجبهة، واتفاق الشراكة بين التجمع والوحدويين الوطنيين والعربية للتغيير ( خاض التجمع معركته في 1999 تحت اسم التجمع الوحدوي الوطني لمن لا يذكر) كان لي النصيب الأكبر في نصّه، وهكذا شراكة التجمع مع التحالف الوطني (هاشم محاميد) والتجمع زكور- كنعان وكنت في لبّ المفاوضات بين التجمّع والجبهة والتجمع والموحدّة بعد ذلك. أسوق هذا الكلام لأدّعي أنني أعرف عمّا أتحدّث ولا أرى اليوم أي تطوّر أو حدث يمكن أن يفضي إلى نتيجة تختلف عمّا كان، فما كان هو ما سيكون على الأرجح!

العام 2003 ترسخّت على الساحة ثلاث قوى وإن كان ترسّخ أحداها كان وما زال مترنحّا، ولكن الحديث العتيق الجديد منذ تلك السنة يدور عن الشراكة بين هذه القوى ويُسكَب قبيل كل انتخابات الكثير من الكلام والكثير من الحبر ليتمخضا في النهاية عن لا شيء، فهل انتخابات ال-2013 ستختلف ويسقط ترجيحي؟!

الدعوة التي صدرت عن كلّ الأحزاب وإن صدرت تحت الخطأ الشائع الدعوة ل”الوحدة” والقصد طبعا هو الشراكة، هي شعبويّة للاستهلاك الإعلامي الجماهيريّ ليس إلّا اللهم في حالة واحدة سأجيء على ذكرها وعدم شعبويتها ليس لأنها ليست كذلك وإنما لضرورتها عندها وللضرورة أحكام.

بعض هذه الأحزاب أو القوائم لا تريد هذه الشراكة من الأساس وحتّى لو طرحنا جدلا وتبرئة للذمة أنها تريدها، فإن خطواتها العمليّة الأخيرة تجعل مثل هذه الشراكة مستحيلة وأقصى ما تتمناه هو شراكة بين الضلعين الآخرين وارتباط فائض أصوات ما بينها وبين تلك الشراكة ربّما ينفعها طبقا لقانون (بادر– عوفر) المشهور عند احتساب الفوائض. وهذا هو عائق أول!

أمّا ضلع آخر فيطرحها لرغبة عنده في “تنظيف” نفسه من بعض العوالق التي يعتقد أنه يحملها مكرها أخوك لا بطلا، متوخيّا أن يزيد تمثيله الصّرف الخالص وبالتالي تمويله الصّرف الخالص وأقسم ب”الله العليّ العظيم الذي ما بعده عظيم!” أني أعرف عمّا اتحدث! لكن كما باءت محاولته بالفشل سابقا يبدو أنها ستبوء كذلك هذه المرّة ليجد نفسه في المكان الذي انطلق منه لأن بعض الشركاء المفترضين لا مصلحة لهم في مدّ يد العون له في هذا والبعض الآخر لا يستطيع أن يوفرّ له هذا. وهذا هو عائق ثان.

أما البعض الآخر وهذا فعلا يريد الشراكة وأسهلها عليه الثلاثيّة، لأنه يعرف أن منسوب الترنّح عنده زاد هذه المرة وقد تنازل في رسائله الخفيّة عن كلّ خطوطه الحمراء ولكن لا ضمان أن يكون هذا التنازل جاء وقد تخطّى العوائق من وبين ظهرانيه، وحتى لو فرضنا أنه أزال هذه العوائق الذاتية فستبقى أمامه عوائق خارجيّة من الصعب أن يتخطاها تتمثّل في العائق الأول أعلاه وفي عدم إمكانيّته أن يكون، في حالته اليوم، بديلا للعوالق عند الضلع الآخر إلا إذا اكتفى بالنزر اليسير الذي يسدّ رمقه ويضمن لذلك “النقاء”، وهذا ليس بالسهل وإن حدث ستولد من رحم هذا الحدث قائمة ثالثة حتما سيكون لها شأن على الساحة، وإن أضفت إلى ذلك أن الضلع الثالث لن يتعجّل لرمي حبل إنقاذ له، فضف على العوائق أعلاه ثالثا ورابعا.

زد على ذلك أن شرائح وقوى أخرى، وإن متواضعة رغم أن السور العالي أحيانا تسنده حصوة ألم يقُل ذلك إن لم تخني الذاكرة طيّب الذكر توفيق زيّاد، مستبعدة مسبقا من هكذا شراكة ليست في “العير ولا في النفير” عند دعاة الشراكة، فلا يحسبنّ أحد أن هذه العوائق سهلة ويمكن تخطيها هكذا لمجرّد رغبة عاطفيّة ميدانيّة يغذيها بعض “جميلي النفوس من مثقفين” غير القادرين على توحيد عائلاتهم في قراهم في الانتخابات المحليّة أو حتّى منع “الطوشات” أو فكّها عندما تعلق وعلى الأقل رأفة في العصيّ والحجارة.

المتوخى من الأحزاب أن تصرف طاقاتها على قضايا أخرى ولتترك الشراكة ليوم كان مفعولا، فيه فعلا كلّنا شركاء ودون عوائق، وأرجو صاحب اليوم أن أكون مخطئا فيما ذهبت إليه وإنّ غدا لناظره قريب!

أواسط ت. ثاني 2012

سعيد نفاع

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*