هل تخطّت الأحزاب العربيّة حاجز اللامبالاة؟

كانون الثاني 2012

الجبهة قادرة إن… !

امتلأت اليافطات على جنبات شوارع ومفارق قرانا بالصور وهذه المرّة بأعداد وأحجام لم يسبق لها مثيل لدرجة أن بعض الصور بأحجام تفوق حجم الإنسان الطبيعي بكثير، فهل حجم الصورة علامة تخطٍ مثلا أو كفيل بتخطي حاجز اللامبالاة الانتخابيّة التي ما زالت سائدة بين الناس على ما يبدو، والنابعة على ذمّة بعضهم من فشل الأحزاب العربيّة “اللي ما عملت لنا شيء (!)” في الوحدة تعويضا عن فشلها العملاتيّ ؟!

أنا من هؤلاء الذين يدّعون، وعذرا مسبقا لبتهوفن وصحبه في التراب، أن سيمفونيّة “الوحدة بين القوائم العربيّة ” هي من نفس النوتات الموسيقيّة لسمفونيّة  “ماذا عمل أعضاء الكنيست العرب؟”، واضعو ال”دو” فيها و”صولها” هم نفس “الموسيقيّين” وإن اختلفت المنطلقات إلا أن الالتقاء في العزف واللحن حاصل، ولا ضير على ما يبدو عند المبدئيين منهم ولن يفتقدوا إلى الحجّة، خصوصا بعد أن التقى مؤخرا في منطقتنا وبقدرة قادر القوميّ بالأصوليّ باللّبراليّ بالصهيونيّ بالعثمانيّ وبالكولونياليّ، فما الضير أن يلتقي صاحب “الإسلام هو الحل” بصاحب “عدم شرعنة يهوديّة الدولة” وبعض القاطنين في “البروج العاجيّة على أرائك عجميّة” في مراكز الدراسات وبعض أصحاب “الاستوديوهات والماكنتوشات” المنتظرين فتات المعلن الحكوميّ، ومع الفارق في المنطلقات مرّة أخرى، مع أصحاب “الغرف الظلاميّة” الما- زالوا قابعين فيها والذين خرجوا؟!

من بزّ الجميع، كما نعرف، ومِن على ولائم موائد الإفطار في رمضان وليس قبل أن يتجشأ ماسحا راحته على بطنه قائلا: “والله هيا طعيم أخلتي كمو كيلف: كان لذيذا أكلت كما الكلب”، وأتحفنا بسمفونيّة “الأعضاء العرب يحكوا في السياسة وناسيين مصالحكم”، هما الجنرال الوزير المغموسة أياديه بدماء عشرات الجنود المصريين الأسرى بنيامين بن إليعيزر (عبدك فؤاد)، و”طيب الذكر” جدعون عزرا ( عبدك جدعان) نائب رئيس الشاباك والذي كان قائما على الديسك العربي في الجهاز.

ربّما أن الأحزاب تخطّت جزئيّا هذا العائق في الانتخابات السابقة وإن ما زالت منه بواق قائمة، لكن العائق الجديد والوجه الآخر للأسطوانة هو إسقاطات “الوحدة الموؤودة” خصوصا و”النابشين” في تراب رمسها كُثُر والأسهم تُطلق في الحلقات البيتيّة ودون رحمة على المتهم الافتراضيّ بالوأد المستهدف فيها ومنذ البداية… الجبهة، وإلا كيف تصحّ الدعوة للوحدة صدرا وليحاسب شعبنا من يرفضها عجزا؟!

إحصائيّا وليس اجتهاديّا، إن كل ما قيل عن زيادة التمثيل في الوحدة “الشراكة على البيدر” هو غير صحيح،  وعند البعض كقول علي بن أبي طالب (ر) بعد التحكيم في صفّين والجمل: “كلام حق يُراد به باطل”. فنسبتنا من بين المصوتين هي أقل بكثير من نسبتنا من السكان كون غالبيّتنا من أجيال قبل ال18 سنة وأمام هذه الحقيقة العلميّة فكل من اتخذ من هذا سببا للوحدة يصحّ فيه القول أعلاه. سمعت من أحد “الخبراء” “المعزبين” في الاستوديوهات أن بإمكان العرب الوصول لو توحّدوا إلى 26 مقعدا أمّا كيف تنتج حتّى ال20% هذا العدد فذاك عصيّ على فهمي ولتوك فيه، وأعدْ قارئي الضمير المتصل في “فيه” على من شئت!

حسب دائرة الإحصاء المركزيّة نسبة العرب من بين أصحاب حق الاقتراع في إسرائيل هي %15 ويشمل سكان القدس، واليهود %81 والمهاجرين من غير اليهود %4. إذن وببساطة: إذا صوّتت منّا نسبة مساوية تماما للنسبة بين اليهود ولم يذهب منّا ولا صوت للأحزاب الصهيونيّة وصوّت أهل القدس الشرقيّة فإننا سنصل إلى 16إلى 17 عضوا بوحدة وبغير وحدة، فهل هذا متؤت؟! أوليس هذا الكلام غير الصحيح وتلهٍ بمعطيات غير صحيحة ومدعاة لتثبيط العزائم؟! ومن المستفيد؟!

والأهم أنه إذا لم يتبّق أمام الأحزاب العربيّة من وسيلة لإخراج الناس للتصويت إلا شراكة “على كعكة كشكول” وإن سُمّيت وحدة، فهذا يُلزمها أن تجيب على عشرات الأسئلة ويُطرح حولها عشرات أخرى.

إضافة يمكن أن يُقال الكثير الكثير عن هذا الموضوع ولكن تكفي الإشارة إلى أن هنالك من أراد منها أخذ شرعيّة بغض النظر عن مواقفه وكأن الكل “زيّ بعضه” في حين أن الحقيقة ليست كذلك. ما يُخرج الناس للتصويت ويكسر لا مبالاتهم هو عندما “لا تضيع الطاسة” أمامهم، وهو عندما يميّز الناس ويفاضلون بين هذا وذاك وعندما يصير تنافس الأحزاب على التميّز فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا، ومن ثمّ على من جعبته مليئة أكثر ممارسة ميدانيّة بهذا التميّز المُدّعى.

الفوارق بين الانتهازيّ المبدّل خندقه إلى الخندق المقابل النقيض وبين المصنّف الناس طبقا لانتماءاتهم المذهبيّة والطائفيّة وبين الثابت موقعا حتّى لو لم تتفق معه كليّة والثابت المكرّس المشترك بين الناس (الناخبين) وفي وقت أشدّ ما يبتغيه عدوهم هو ضرب هذا المشترك، الفوارق كبيرة وعلى هذه الفوارق يجب أن تدور المعركة وهذه الفوارق كفيلة إن لم تكن الكفيلة بضرب اللامبالاة ودفع الناس إلى المشاركة الانتخابيّة.

ربّما يذهب البعض في قولي السابق واللاحق مذاهب شتّى بعيدة كلّ البعد عن الموضوع ويعزوه لدوافع شخصيّة وهذا شأنه وليسامحه الله، لكن ذلك لن يغيّر من الوقائع أو الواقع شيئا. الواقع والوقائع أثبتا وتثبتا أن هنالك قوّة وحيدة تتميّز بثبات الثوابت الأساسيّة لأية قوة سياسيّة قولا وممارسة، الثوابت الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة، ولا أفشي سرّا على المستوى الشخصي إن قلت أني لا أتفق مع هذه القوة كليّة في كل جوانب هذه الثوابت ولكن هذا لا يقلل من دواعي احترام الإنسان لها … هذه القوة هي الجبهة.

ثبُتت الجبهة وقبلها الحزب مؤسسها على فكرِها وسياستها واجتماعيتها رغم كل الظروف والتقلبات التي مرّت بها وعلينا كشعب وكأقليّة، وأي تبدل أو انتقال لها كان تبديل واختلاف تموضع أو تصحيح تموضع ولكن في نفس خنادق خطّ المواجهة الأساسيّة بين الوطنيّ وال-لا وطنيّ بين الظالم والمظلوم وبين المتنور والمتخلّف.

لم تنتقل يوما من خط المواجهة  القوميّ المتنور والوطني الديموقراطيّ والاجتماعيّ التقدّمي إلى خط جبهة بلاط حكام من ملوك أو أمراء أو رؤساء، أو خط جبهة مذهبيين طائفيين من شيوخ تصنيف وتفرقة ودعاة فتنة، أو إلى خطّ جبهة متخلفين اجتماعيّا أو إلى خطّ جبهة أكلة لقمة الفقير لا محليّا ولا إقليميّا ولا عالميّا.

فلا يقلّلن أحد من قدرة الجبهة على تخطّي عائق اللامبالاة إن هي أبرزت ودون محاباة أحد ومهما كان السبب، هذا الثبات وهذا التميّز… والوقت لم يفُت وفيه تخطٍّ لا بل زيادة قوّة لها!

سعيد نفاع

أوائل كانون الثاني 2012

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*