أواخر آذار 2015
حين اندلعت حرب حزيران ال-67 كنّا ما زلنا فتيانا، ولكن أولئك منّا الذين حملوا الهم الوطنيّ باكرا عايشنا تداعيات الحرب في سنوات بلوغنا التي تلت، و”بُلّعنا” خلالها أنه رغم الهزيمة النكراء التي مني بها العرب إلا أنها تُعتبر انتصارا بعد أن حسم كبارنا أن هدفها كان: “القضاء على أنظمة التحرر التقدميّة في العالم العربيّ” وفشلت، ولذلك فالهزيمة لم تكن هزيمة وإنما نكسة، ومن قيّض له أن يقرأ الأدبيّات النقديّة التي غنى أصحابها حينها خارج السرب ما زال يترحم عليهم أحياء وأموات.
رغم مرور 48 عاما على “انتصارنا” ذاك وما نعانيه من ثمراته في كلّ بقعة من بقاعنا، ما زلنا نحرز النصر تلو الآخر وعلى نفس مبدأ انتصارنا في ال-67 في معظم المعارك التي نخوضها وحتى الانتخابيّة منها. نخوض المعركة تلو الأخرى أو تُخاض ضدنا المعارك الواحدة تلو الأخرى، وطبقا للنتائج وارتجاعيّا نضع أو نتهيّأ أهدافا كانت كامنة وراء المعارك وفشلت ونحتفي بالانتصار، وكلّ من يشكك في انتصاراتنا ندبّ في ظهره، وحدّث ولا حرج، كل موبقات الدنيا و-“أوجَهُها” أنه عميل لأعداء الوطن والأمة.
لم تنطلق المجتمعات البشريّة التي انطلقت، من خلال التغني بإنجازاتها وكم بالحري إذا كانت قليلة، وإنما بالأساس من خلال رؤية نقاط الضعف في الانجازات ورؤية إخفاقاتها وتذويتها وجدانيّا وذهنيّا، فالأمة التي لا تنظر إلى إنجازاتها بنصف عين وتنظر بالعين والنصف المتبقيّة إلى إخفاقاتها ستظل تحتفل بانتصاراتها التي على شكل انتصاراتنا ال-“حُزيرانيّة” ال- “سبعْوَستينيّة”.
من الصعب أن تكون ك-“النائحة في الفرح”، وسقت هذه المقدّمة لا لأعكر فرح أحد وليس لأدعي أن المشتركة انهزمت كما هزيمة ال-67، ولكن وما دمنا في الحروب والمعارك فانتصارها هو كالانتصار في حرب ال-1973، والمهم ألا نرى عبور قناة السويس (نسبة الحسم) وتحرر القنيطرة ( إضافة عضو فعليّا) وكفى المؤمنين شرّ القتال، المهم أن نرى الإخفاقات وفقط إن لم تعمنا عنها الإنجازات ومهما كانت، نضمن أن نتلافاها مستقبلا، والمشتركة وإن أنجزت إلا أنها أخفقت في تحقيق الأهداف التي وضعتها فبغالبيتها لم تتحقق أو تحقق بعضها جزئيّا.
في مقالة كتبتها قبل الانتخابات تحت عنوان “قوة العرب 18 مقعدا… ولكن”، وعُدت عليها في مقابلة إذاعيّة، قلت أن تحقيق الأهداف التي وضعتها المشتركة منوط بثلاثة: مساواة نسبة التصويت مع اليهود، الحد من اختراقات الأحزاب الصهيونيّة والعمل في مواقع الضعف كالعرب الدروز وغيرهم، وإن لم تنجح فالمقعد -13 على الحفّة، وها هي لم تنجح وال-13 كان على الحفّة.
أولا – التساوي في نسبة التصويت مع اليهود وإسقاط نتانياهو:
أحد قياديي المشتركة الميدانيين البارزين صرّح أن التناقض الأساس هو بيننا جميعا وبين السلطة اليمينيّة في الدولة وليس بيننا كأحزاب، ومن هذا المنطلق وضعت المشتركة نصب أعينها هدفا أساسيّا هو سدّ الطريق أمام اليمين لتسنم السلطة فأخفقت، إذ أن تحقيق هذا الهدف أوجب رفع نسبة التصويت وعلى الأقل لتتساوى مع النسبة عند اليهود، ورئيس القائمة أيمن عودة راح أبعد من ذلك ليعلن أن الهدف الوصول إلى نسبة أعلى وحدد الهدف ب-%75 وإلى- 15 مقعدا. (وطبعا لا يمكن أن يكون قصد مع المصوتين للأحزاب الصهيونيّة).
الحقيقة هي أن نسبة التصويت بالكاد تخطّت ال-%50 عربيّا للمشتركة، وحيث أن البيّنة على من ادّعى:
إن عدد أصحاب حق الاقتراع في الدولة هو 5.881 مليون مصوت (انظر الموقع الالكتروني للجنة الانتخابات المركزيّة)، ما غيّبته وسائل الإعلام عن سبق إصرار وترصّد أن منهم حوالي 580 ألف خارج البلاد، (معطى لم تكن وسائل الإعلام العبريّة لتبرزه لأن معنى ذلك أنهم ومع أولادهم لا يقلون عن ال- 1.5 مليون مواطن يهودي إسرائيلي تاركين أرض “السمن والعسل” وهذا مؤشر فشل يصيب الصهيونيّة في الصميم)، ولذا فعدد المصوتين المقيمين في البلاد هو 5.3 مليون (أنظر الاعلان الصحفي الصادر عن دائرة الإحصاء المركزيّة عشيّة الانتخابات وعلى خلفيتها من يوم 2015\02\12).
العرب من مجمل أصحاب حق الاقتراع (%15) (دائرة الإحصاء المركزيّة)، أي 882 ألف ناخب ومن المقيمين في إسرائيل (%15) أي 795 ألف ناخب (هذا إذا اعتبرنا أن %15 من المقيمين خارج البلاد عربا ونعرف أن الأمر ليس كذلك)، وبغض النظر فقد صوّت للمشتركة قرابة ال-444 ألف مصوت وحسب تصريح أيمن عودة منهم 15 ألفا من اليهود (بغض النظر فلن يغير ذلك كثيرا) فيبقى: 429 ألفا عربا، من 882 ألف فيساوي %48.6، (وإن أردت أن تحسبهم من 795 ألف فيساوي %54)، هذه نسبة بحدّ ذاتها جيّدة ولكنها بعيدة عن تحقيق الأهداف ولم تُكبح الأحزاب الصهيونيّة.
وللبيان، فقد بلغت نسبة التصويت العامة في المغار %47 وفي بير المكسور وكسيفة %49 وفي الكعبية وطوبا %46 وفي تل السبع%47 وفي إبطن %49 وفي أبو قرينات %28 (759 من 2685) وفي أبو ربيعة %20 (716 من 3502) وفي عيلوط %43 وهذه عيّنة.
فأين نحن من تحقيق هدف التساوي مع اليهود والذي كان من الممكن أن يؤدي إلى إسقاط اليمين؟!
ثانيا- الحد من اختراقات الأحزاب الصهيونيّة:
لقد صوّت للمشتركة من العرب كما جاء أعلاه 429 ألف مصوت، وصوّت في إسرائيل 4.211 مليون صوت أي أن نسبة المشتركة هي %10.2 في حين أن قوة العرب %15، يعني ال-%4.8 المتبقية تساوي (5) أعضاء على الأقل، ف- “ميرتس” حصلت ب-%3.93 على (5) أعضاء، من المستبعد أن تكون الأحزاب الصهيونيّة حصدت من الأصوات ما يساوي (5- 6) أعضاء، إذا فالفارق (5- 6) أعضاء للأحزاب الصهيونيّة وهو من المقاطعين والممتنعين.
ومع هذا فيبدو أن نصيبها لم يكن قليلا، فمن النظر إلى المعطيات في موقع لجنة الانتخابات المركزيّة يظهر أن المعسكر الصهيوني وميرتس وشاس ولبيد وحتى كحلون حصدوا إضافة إلى غيرهم هنا وهناك، قرابة المقعدين. وللمثال: في الناصرة المعسكر الصهيوني 869 صوتا وميرتس 677 صوتا ولبيد 343 صوتا وحتى ليبرمان 126 صوتا، وفي معليا ميرتس 228 صوتا، وفي راهط ميرتس 568 صوتا، وفي بير المكسور المعسكر الصهيوني 226 صوتا ولبيد 387 صوتا وشاس 167 صوتا، وفي كفر مندا شاس 610 أصوات، وفي عرب النعيم 231 صوتا من أصل 238 للمعسكر الصهيوني. فأين نحن من الهدف؟!
ثالثا- مواطن الضعف، العرب الدروز والبدو:
رغم وجود ثلاثة مرشحين من النقب في الأماكن حتى ال- 15 على لائحة المشتركة، إلا أن النسب والأعداد أعلاه مؤشر أن المشتركة أخفقت في اختراق موطن الضعف هذا. وأما بين العرب الدروز فالوضع لا يقل سوءا وقد أخفقت المشتركة رغم وجود مرشّح في مكان على حسب كل الاستطلاعات كان “على الحفّة” وبحاجة لكل صوت. ففي ثمان قرى يسكنها فقط الدروز أو غالبية عظمى من الدروز بلغ عدد أصحاب حق الاقتراع فيها 39870 صوتا صوّت منهم 22790 أي %57 نالت المشتركة 1172 صوتا أي %5، وفي يركا بلد المرشّح نالت 2226 صوتا من أصل 6167 مصوت أي %36.
عدد أصحاب حق الاقتراع عند الدروز قرابة ال- 73,200 مصوت صوت منهم قرابة ال%55 أي 40,300 بالكاد مقعد ونصف، ومنها قرابة ال-5000 للمشتركة والباقي قرابة ال-38000 للأحزاب الصهيونية.
وبالمناسبة هذا تراجع عن انتخابات ال- 2013 وكبير عن انتخابات ال-2006 وال-2009. فهل استطاعت المشتركة أن تخرق موطن الضعف هذا ؟! أوليس هذا إخفاقا ؟! وهنا وللإنصاف وحسب رأيي تتحمّل المسؤوليّة الأساسيّة القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة ولا حيدة عن أحد مع الفوارق.
رابعا- معركة المقاطعة والامتناع:
ربابنة المشتركة كانوا يعرفون أن هنالك قطاعا ممتعا فكريّا، ولكن كان يجب عليهم أن يعرفوا أن الشراكة ستفرز قطاعا من الممتنعين ولكثير من الأسباب الوجيهة. التأجيج الذي حدث بين المعسكرين المقترعون من جهة والمقاطعون والممتنعون من الجهة الأخرى لا شكّ أنه ساهم في ردع الكثيرين من الممتنعين عن الرجوع عن امتناعهم.
المقاطعة والامتناع وبناء على المعطيات أعلاه (نتائج الأحزاب الصهيونيّة) تشير إلى أن هذه القوة حرمت المشتركة من (2- 3) مقاعد.
لا أرى في ذلك إخفاقا كليّا للمشتركة وإنما نتاجا طبيعيّا للحالة الجديدة التي انبثقت (شراكة بين متناقضات) ولم يكن الوقت ليسعف في تلافيها، ولكن كان يمكن تلافي التأجيج بين المعسكرين والذي قطع خطوطا حمراء كثيرة وليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعيّ، وهذا التلافي كان يمكن أن يكفل تراجعا ولو جزئيّا من الممتنعين على الأقل .
خامسا- تلخيصا:
في المجمل وبناء على هذه المعطيات فالإنجاز الانتخابيّ الذي حققته المشتركة جدّا محدود، وعطفا على الانتخابات السابقة ورغم أن فيها كان للأحزاب متفرقة (11) عضوا ولكن القوة الفعليّة كانت (12) مقعدا (الموحدة خسرت الخامس بأصوات قليلة)، يعني فعليّا أضافت المشتركة في هذه الانتخابات مقعدا واحدا وفقط، ولا يستطيع أحد أن يدّعي أنها “جاءت برأس كليب”.
الإنجاز الذي تحقق في هذا السياق هو إن كل الأحزاب تمثلّت وزادت على رصيدها السابق “نصف عضو كنيست” طبقا لاتفاقيات المناوبة، والإنجاز الأهم والذي على ما يبدو كان “جائزة الترضية” هو الجو الحسن الذي فرضته المشاركة وإن لم يحقق اختراقا انتخابيّا فعلى الأقل نتمنى أن يؤتي ثماره على العلاقات بيننا. ولكن إن كل من تخيّل أنه بمجرّد تشكيل القائمة المشتركة وخضوعا عند “الإرادة الشعبيّة” فإن جماهيرنا “ستدحل دحل” إلى الصناديق خاب ظنّه، ولا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يسجّل نصرا ويعتبر هذا تحقيقا للأهداف، ولا هذا ما كانت توخته الأحزاب؟!
أعتقد أن الإخفاق الأكبر الذي ارتكبته الأحزاب العربيّة هو أنها لم تخض المعركة بقائمتين مرتبطتين، فكل المعطيات تشير أنها لو فعلت لكانت النتائج “الإلكتوراليّة” أفضل، وهنالك الكثيرون من الذين كانوا ادّعوا ذلك قبل الانتخابات وأنا منهم، ولكن أصواتهم ضاعت تحت “سبائك الخيل” المُغيرة، فلم يكن خوض الانتخابات بقائمتين مرتبطتين لينتقص لا من فرص النجاح ولا من تطييب الأجواء.
وأخيرا…صحيح أن تناقضنا مع المؤسسة هو أساسيّ، ولكن لا تقّل أهميّة عنه التناقضات التي بيننا في الأطروحات، اجتماعيّا، وسياسيّا وطنيّا، وسياسيّا إقليميّا، وفكريّا، والتي كان يجب أن تكون جزءا من المعركة ف-“الديموقراطيّة” وإن كانت إسرائيليّة هي كذلك عمليّة تثقيفيّة، ومن قال أن وضع هذه التناقضات على الميزان وفي الميزان يقلل من أهميّة تناقضنا الأساسيّ مع المؤسسة؟!.
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم !
أواخر آذار 2015
سعيد نفاع