كيف تفكك إسرائيل قنبلتها الديموغرافيّة!؟

تشرين الأول 2009

 

الهيئة الإستشارية الأرض- إسرائيليّة (المصطلح الصهيوني لفلسطين قبل النكبة) التي كانت حول بن غوريون بأعضائها الأحد عشر كانت وضعت خطّة لطرد مليون فلسطيني، وفي اجتماعها الأول الموثق من حزيران 1947 أخبر بن غوريون الحاضرين أن المجتمع اليهودي سيضطر أن يحمي ليس فقط المستوطنات بل البلد بأسره ومستقبل الشعب اليهودي القوميّ. وفي خطاب له في ديسمبر من نفس السنة كرر استخدامه لعبارة “مستقبلنا القوميّ” كإشارة مشفّرة إلى الميزان الديموغرافي في الدولة.

في شباط من نفس السنة حينما أعلن البريطانيون عن نيتهم ترك فلسطين وحتى تشرين الأول عند احتدام النقاشات في الأمم المتحدة ، أدرك أعضاء الهيئة الاستشارية أنهم لن يقرروا فقط مصير فلسطينيي الجزء اليهودي من فلسطين إنما كذلك في الجزء الذي خُصّص للدولة الفلسطينيّة فجاءت خطة طرد المليون.

 

على الرغم من ذلك بقي في ال-78% من فلسطين التي استولت عليها الهجناة وصارت دولة إسرائيل، 156 ألف فلسطيني “قنبلة ديموغرافيّة” في القاموس الصهيوني. وراء هذا البقاء أسباب عدة لا مجال للدخول بكلها ولكن لا بدّ من ذكر حقيقتين تاريخيتين وهما: أن الغالبيّة من فلسطينيي البقاء هؤلاء هم من سكان الجزء الذي خُصّص للدولة العربيّة حسب قرار الأمم المتحدة للتقسيم تشرين ثاني 1947 ومن الذين الحقوا في منطقة المثلث طبقا لاتفاقات رودوس بين إسرائيل والمملكة الأردنيّة الهاشميّة.

 

الأمر الطبيعي أن هذه الحقيقة وضعت عرب البقاء هؤلاء والدولة المستجدة في سباق على تركيب وتفكيك هذه الأقليّة- القنبلة وتصغير حجمها الكميّ وتأثيرها الكيفيّ،  فالأجزاء ستعيد أو على الأقل ستعمل على تركيب نفسها لما فيه بقاؤها وشكل هذا البقاء، والمؤسسة تريد هذه الأجزاء ال-156 مفككة لما فيها من خطر أو خوف من احتمال انفجارها ما دامت لا تستطيع الخلاص منها كليّة وعلى الأقل على ضوء قبول طلبها وتسلمها مناطق إضافيّة لم تسقط بالحرب كالمثلث لحاجتها به معبرا بين الشمال والوسط.

 

كيف عملت وتعمل إسرائيل على بقاء أجزاء هذه القنبلة مفكّكة ؟!

تقليديا :

أولا : ضرب مواطن القوى الكامنة في هذه الأقليّة وأولها ضرب وحدتها وفي هذا حالفها النجاح الكلّي بداية والمتناقص مع الزمن إلا أنه ما زال يفعل فعل السوس في الخشب طائفيا وحمائليا وانتهازيا. وضرب ثاني موطن قوة  بسلخها عن ركيزتها الأقتصادية الاستقلاليّة أرضها، وفي هذا أيضا حققت نجاحا بمصادرة حواي 80% من أراضي هذه الأقليّة ليس بالسهل وإنما بحكم القوي على الضعيف والذي أبدى حالات مقاومة دافعا ثمنها من دماء أبنائه كما حدث يوم الأرض 1976.

 

ثانيا : تضييق سبل العيش والحياة وهنا “حدّث ولا حرج” فأعلى مستويات البطالة هي عند الأقليّة الفلسطينيّة، ولكن الأهم وإن توفرت فرص العمل فهي في سياق إبقاء لقمة عيش الغالبية  رهنا في يد الدولة بمؤسساتها المختلفة ومصانعها ومزارعها أو مزارع ومصانع اليهود، وفي هذا نجحت إيّما نجاح رغم نسبية تنازله الطردي مع السنين بين بعض القطاعات، ولكن الغالبيّة منها ما زالت لقمة عيشها رهنا بيد الدولة.

 

ثالثا : المأوى بيت السكن هو حق طبيعيّ إنسانيّ قبل أن يكون قانونيّا في كل دولة متحضرّة، وفي إسرائيل كان وما زال بناء البيت العربيّ نوعا من التهديد الديموغرافي. فالأزمة السكنيّة الخانقة لدى الأقليّة الفلسطينيّة والبناء غير المرخّص كنتيجة وليدا سياسة وتخطيط يصبان في النهج والتوجه أعلاه وليس وليد غياب حلّ للمشكلة فالحل سهل وفي متناول اليد لو وجدت النيّة، فإبقاء البلدات العربيّة دون مخططات بناء ولعشرات السنين ودفع آلاف الشباب للبناء مخالفين القانون ومن ثمّ هدم هذه الأبنيّة أو في أضعف الإيمان سجن وتغريم أصحابها بمبالغ طائلة هو نهج لإبقاء هؤلاء “بقرة حلوب” وأجزاء غير فاعلة وكي لا تستطيع أن تكون كذلك في القنبلة الديموغرافيّة.

 

رابع أشكال التفكيك تقليديّا، وربما أهمها:

سلاح الأقليات عادة وكم بالحريّ في مثل حالنا هو العلم وهذه حقيقة وعتها الأقليّة الفلسطينيّة ويدفع الأهل الغالي والرخيص في سبيل ذلك، وهذا يقض مضاجع المؤسسة فلا يغيب عن بالها هذا الخطر والذي لا تستطيع وقفه لكنها تعمل على أن تحدّ منه وبطرق جهنميّة بإبقائها المدارس العربيّة ليس فقط بأمس الحاجة للوسائل اللوجستيّة المؤهلة الطالب مواجهة التحديات الحياتيّة الحديثة، وإنما تملي عليه وعلى المدرسة وعلى المعلم مناهج تدريسيّة، وهي المسيطرة ولها القول الفصل في ذلك، لا تؤهل الطالب التأهيل المطلوب خوفا من خطرمثل هكذا تأهيل.

 

يظهر ذلك سنويأ في نتائج التحصيل الثانوي\ التوجيهيّ وحسب التقاري الرسميّة للوزارة المختصة وزارة التربيّة والتعليم. فمعدّل الحاصلين على شهادات تخرج مؤهلة لدخول الجامعات والمعاهد العليا المختلفة بين اليهود هو حواي ال-60% ولو لم نأخذ اليهود المتشددين الذين لا يتقدمون أصلا بغالبيتهم لهذه الامتحانات كونهم أصحاب مؤسسات تعليم دينيّة، فالنسبة تقارب ال-75%. بينما النسبة بين العرب هي حوالي ال-30% بتفاوت بين شريحة وشريحة من أبناء الأقليّة الفلسطينيّة. ولا نستطيع طبعا أن نعزو ذلك لخلل جينيّ عند العرب !

 

غير تقليدي:

عندما أصدر أوائل السبعينيات حاكم لواء الشمال يسرائيل كينج وثيقته العنصريّة والتي وضع فيها أسس خنق العرب ديموغرافيا واقتصاديا وتعليميا كمقدمة لرحيلهم الطوعي أو ترحيلهم قامت عليه القيامة لمباشريتها، لكن المؤسسة الإسرائيلية نفذت وتنفذ ما جاء في الوثيقة ك”أفعى التبن” وقد نجحت بسحب غالبيّة البساط فعلا من تحت أرجلنا وما زلنا نعتقد أننا ننام عليه هانئين. فكيف كان ذلك ؟!

 

أولا : ليس حبا فينا رفعت مستوى الحياة ليصير الرفاه أساسها ولتصير السيارة والدار الفخمة والترفيه جزء من حياة اليهود حتى لا يتركوا البلاد وبطبيعة الحال من حياة جزء كبير منّا على الأقل القادر جارا وراءه وبحكم التقليد كذلك غير القادر، وصار الرفاه في متناول اليد لدى الكثيرين مبدئيا أو ظاهريا وهذا ما يجري والمناظرة على أشدّها، ورغم ذلك لا تسمع أحدا لا يضجّ من صعوبة الحياة وغلاء  تكلفتها.

 

ثانيا : هذا الرفاه سرابيّ لدى الغالبيّة وما كان ليتأتى لولا أن أصاب البنوك داء “الكرم الحاتميّ” حتى غدا الطائي بخيلا أمامها. فالسيارة بقرض ضمان والدار بقرض ضمان والرحلة بقرض على حساب الراتب وبالسحب الزائد المعادل في الكثير من الأحيان أضعاف الراتب.

وإن كان العرب وبغياب مواطن قوة اقتصاديّة معيشية مستقلة ارتبطت لقمة عيشهم بالمؤسسات المشغّلة، جاءت المؤسسات المستعبدة –البنوك لتكمل السلسلة لدرجة إذا أقرت البنوك فرضا اليوم إيقاف السحب الزائد، سيلقى الكثيرون جدا أنفسهم في الغداة دون أكل في البيوت وليس هذا من باب المبالغة فكلنا نعرف ذلك حقّ المعرفة.

 

ثالثا : لكن الأهم وجاء هذا الأهم ودون أن ندري وبمحض الإرادة على حساب أمر آخر وهو “ضربة معلم” ومن “تحت الزنار” من قبل المؤسسة، لقد جاء على حساب تحديد للنسل، المركّب الأهم في القنبلة الديموغرافيّة. المؤسسة خططت وبإحكام أن نمتلك السيارة بقرض والدار بقرض والرحلة على السحب الزائد من البنك لتصير هذه جزءا من حياتنا وعلى حساب ديموغرافيتنا فالحاصل في هذا السياق ليس تحديد نسل اختياري طوعيّ تقدميّ تنويري إنما تحديد إجباريّ طوعيّ، فإمّا السيارة والدار ذات الأبواب المشرعة وشرم الشيخ وأنطاليا وإمّا أطفال يملأون دارا متواضعة.

المعطيات التي نشرتها “مؤسسة صندوق أبراهام” مؤخرا لا تبق مجالا إلا للخلاصة التي جئنا بها وهي أن التراجع الكبير في الولادة عند العرب غير نابع من تحديد نسل اختياري تقدميّ  إنما ” مجبرون أخوتك لا أبطال” في غالب الأحايين.

الأرقام تشير :

العائلات السنيّة من معدل 9.3 للعائلة سنة 1960 إلى 4 سنة 2006 وإذا سرنا على نفس الوتيرة التراجعيّة فإلى 3.5 في ال-2010. (من المهم أن نشير هنا إلى حقيقة لولاها  لكانت النسبة أخفض من ذلك. تضاعف الشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى الآن وفي كل أماكن تواجده بين 7إلى 8 أضعاف لكنه بين البدو وبالذات في النقب تضاعف 17 مرّة. إذ كان عددهم بعد النكبة فقط 11000 نسمة واليوم 180000 نسمة).

العائلات الدرزيّة: من معدل 7.9 إلى 2.6 سنة 2006 وإلى 2.3 سنة ال-2010.

العائلات المسيحيّة : من 4.6 إلى  2.6 وإلى 1.9 تواليا.

هذه النسب عمليا هي قريبة جدا من نسب الولادة عند العائلات اليهوديّة فحسب المصدر أعلاه فالمعدل بين 2.6 إلى 2.8 للعائلة.

 

وأخيرا: في ليل 06\ 1\4 أغارت وحدات النخبة الأمنيّة على قرية جلجولية في المثلث لإخراج 36 امرأة متزوجة في القرية وأصولها من الضفة فاصلة أياهن عن أزواجهن وأولادهن، وبهذا برهن الإراد الوحدة للشعب اليهودي أنه عندما توشك الأقليّة الفلسطينيّة على التحول من “مشكلة ديموغرافيّة” إلى “خطر ديموغرافيّ” فإن الدولة اليهوديّة ستتحرك بسرعة ودون رحمة.

 

 

 

النائب المحامي سعيد نفاع

تشرين الأول 2009

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*