محطات على مفارق انتخابات السلطات المحليّة

أيلول 2008

المحطة الأولى وأشهر المشيخة…

كان في بلدنا راع خفيف الظلّ ولكن سمعته عند أهل البلد، وكما يقال للتخفيف، “مش ولا بدّ”. فحسب ادعائهم كان عندما “يقف على الأذى” ويقف على الأذى هذه معناها يقف محاذيا لكروم وحقول الناس وهي المليئة بكل ما لذ وطاب للقطعان، حاميا إياها من الأذى الذي قد يسببه دخول قطيعه وعندها لن يكتفي “شرّ” لجنة التقدير التي انتدبها الناس من أوادم البلد لتقدير الأضرار التي تسببها القطعان إن دخلت كرما في غفلة من راع وتغريمها إياه لا استئناف عليه، وفي التقدير أحيانا ضياع مجهود أشهر. لكن المشكلة أن حمايته الكروم والحقول لم تحمها من طول يده هو، فعلى ذمة أهل البلد كان يسرق من خلال حمايته الحقول ما طالت يده، ومن هنا جاءت سمعته التي “مش ولا بدّ”.

وعلى خلفية ذلك لاقى المعاملة التي لم تشعره بقيمة لديهم، ولم ينادوه يوما حتى باسمه الذي اختاره له والده يوم خلق، فاطلقوا عليه لقبا يليق بمقامه في نظرهم “أبو فقوسة”، صار يُعرف به وقلة هم الذين يعرفون اسمه الحقيقي، ويظل الأمر على هذه الحال إلى أن تجيء أشهر الانتخابات فيصير أبو فقوسة عندهم لا ينادى إلا بالشيخ “أبو صالح” كل ذلك لأن عند الشيخ أبوفقوسة 13 صوتا !

 

المحطّة الثانية معايير “الله يستر”…

تستطيع أن تستظل في مظلّة أي مفترق تشاء فأنا اخترت واحدة استظل بها ويسرني أن تنضم لي لنبحث معا عن الإجابة على السؤال:

ما معنى أن يصوت في انتخابات الكنيست أهل أكثر من قرية أو مدينة من مدننا “قرانا الكبرى” بنسبة 67% للأحزاب الوطنية أو العربية إن أردت تسمية أخرى، وينتخبون بنسبة متقاربة رئيسا عميلا ليس فقط لأحزاب صهيونيّة إلا للمخابرات في الانتخابات المحليّة؟

 

المحطة الثالثة معركة تختلف فيها كل المعايير وتلك بعضها ولا بدّ من المشاركة فيها…

غنيّ عن القول أن أي حزب اختار أن يكون جماهيريا عليه خوض غمار معارك جماهيره، والانتخابات المحليّة إحداها بل ومن أهمها في نظر الناس العاديين وفوق العاديين، مصوتينك في الانتخابات القطرية. ضف إلى ذلك كون الأمر لا يصح فيه أن يكون نفس هؤلاء المصوتين في نظرك “كشير- المنتوج المصادق من قبل الراب ” في الانتخابات القطرية و”طريف- المنتوج غير المصادق عليه من قبل الراب ” في الانتخابات البلدية، فالمعضلة لا شك صعبة.

والأهم أن التناقض هذا يهون أمام تناقض من نوع آخر يمس صلب المجالس البلديّة كنوع من الإدارات الذاتيّة ولا شك أن في ذلك إنجاز مدنيّ للأقلية العربيّة في البلاد، ولكنها وفي نفس الوقت هي ذراع سلطوية تجبي الضرائب المحليّة ورسوم المحال التجاريّة والمهنيّة وفي الكثير من الأحيان تفرض الغرامات في مجالات البناء وتنظيم السير والتلويث البيئي، مما يجعلها في صدام شبه يوميّ مع المواطن المغلوب على أمره ضائقة وسواد عيش من السلطة المركزيّة الأم “الشرعيّة” للسلطة المحليّة.

من هذه المنطلقات وغيرها رغم ما فيها من “وجع راس” على الحزب الوطني أن يخوضها ونقطة انطلاقه وامتحان نجاحه هما  وضع الموازين في التناقضين دون أن يغوص إلى “شوشته” فيها مثلما حدث لبعض الأحزاب، ولكن لا يمنيّن نفسه أن يخرج منها دون أن يحرق “ذيول” ملابسه وعليه الحذر ألا يطال الحريق أعلى الملابس كي لا يتعرّى.

 

 

المحطّة الرابعة… هل يحق لابن الحركة الوطنيّة أن يخوضها في رأس قائمة عائلته؟

لم تتعد الانتخابات عندنا حتى الآن العائلات والطوائف إلا على ما ندر، فهي تخاض على هذين الأساسين و”التطور” الوحيد فيها كان أن استبدلت العائلات في رأس قوائمها زعماءها التقليديين برؤوس قوائم من المتعلمين وفي الكثير من الأحيان من أناس لا تشوبهم شائبة من الناحيّة الوطنيّة، وحتى عندما يصير أن حزبا وطنيا أو حركة وطنيّة نجحا في ترؤس بلدية ما، ففي حقيقة الأمر وإذا نظرنا للتركيبة التي جاءت بهما نراها تحالف عائلات أو طوائف.

 

ما من شك أن العائليّة وعند تحول العائلات لوحدات سياسيّة ولو محليّة في قرانا، والتي لم نستطع التخلّص منها

رغم النجاحات التي حققتها الأحزاب الوطنيّة قطريا في جذب غالبيّة العائلات للصف الوطني، إلا أن قواعد اللعبة تختلف في الانتخابات المحليّة ولعل في التناقض الذي سقنا أعلاه، انتخاب رؤساء عملاء، المثل “الأصعق” لحالنا.

حقيقة هي ويجب ألا تغيب عن بالنا أننا عندما رفعنا شعار محاربة العائلية أو الطائفية السياسية، كان ذلك بالأساس عندما كانت بعض عائلاتنا تستعمل على يد السلطة وتخوض الانتخابات المحليّة ضمن أحزابها واستغلتها السلطة أبشع استغلال في زرع الخلافات بيننا لنتلهى بنزاعاتنا المحليّة عن قضايانا العامة، وليصير ابن بلدك وحارتك وشعبك عدوّك تشجّ رأسه إن أحوج الأمر في كل انتخابات. لكن هذا الأمر حدث فيه كذلك تطور رغم حفاظه على الإطار العائلي و”شجّ الرؤوس”، فصار النزاع العائلي بين عائلات في صفوف وطنيّة مختلفة بعدما كان بين عائلات وطنيّة وأخرى سلطويّة. هذا “التطور” لا يمكن أن لا يؤخذ بالحسبان تماما مثلما لا يمكن ألا يؤخذ بالحسبان الوجه المرشح وإن كانت قاعدته عائلية.

الكثير من الوجوه الوطنيّة حتى المحزّبة منها لا ترى غضاضة في ذلك وهذا ما نراه يوميا في كل مواقعنا فالكثير من أبناء الحركة الوطنيّة والأحزاب الوطنيّة نراهم مرشحين في رأس قوائم عائلاتهم وبعد أن شاركوا في “البرايمرز” العائلي وليس “الشورى” العائلية (!).

 

المحطة الخامسة… القيلولة:

هذه هي صورة الأوضاع في انتخاباتنا المحليّة فهل على الحزب الوطني أن يحسب ذلك فشلا ويندب على الأطلال ناظما قصائد الرثاء للعمل الحزبيّ الوطنيّ أم أن عليه استيعاب الحاصل محاولا الإمساك ب”بيضة” الموازين حيثما استطاع إلى ذلك سبيلا؟ ولعلّ بهذا نجيء للجنتي الرؤساء والمتابعة بأناس ربما يفقهون المعنى الكامن وراء طرح إعادة البناء فيهما!.

سأترك لنفسي ولك عزيزي المشارك معي قراءة ما كتبت، التفكير في هذا التسائل في محطتنا القيلوليّة هذه!

 

النائب سعيد نفاع

أيلول 2008

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*