محطات على مفارقنا … الماحش والمستعربين

 

3 تشرين الأول 2005

ابناء عمومتنا على عكسنا يحبون جدا الاختصارات، فعندهم يأخذون الحرف الاول من كلمات الاسم المركب ويحولونها الى كلمة فتدخل قاموسهم هكذا بسهولة نادرة، لا مجلس لغوي ولا يحزنون ولا “شاطر ومشطور وكامخ بينهما”. وماحش هذه دخلت بيوتنا دون استئذان وقحة صلفة فصار صغيرنا يعرف قبل كبيرنا، انها الاحرف الاولى للكلمات العبرية المعناها العربي ” قسم التحقيقات مع الشرطة “.

اما المفارقة فهي ان لغتنا الجميلة ، ويا ليتنا نبقيها كذلك، تأتينا بالاخبار وحتى ان لم نزود . فتأتينا بالمعنى الآتي:

محش محشة وجهه بالسيف : لفحه لفحة قشر بها جلد وجهه.

محش السيل ما مر عليه : اقتلعه.

وامحش النار الجلد : احرقه.

وامتحش : احترق.

عند ابناء عمومتنا ، وما دمنا في هذا السياق ، مقولة تقول: ” الآتي ليقتلك بكر واقتله ” ، فليسمحوا لنا ان نستعيرها لنقول لهم ولكل العالم ولانفسنا : ” الآتي ليمحشنا سنمحشه ” كما السيف وكما النهر وكما النار..

حطت بي رحالي في افتتاح خيمة الاعتصام وفاء لذكرى شهداء القدس والاقصى، في عرابة. توالى المفتتحون حتى جاء دور ابي الشهيد اسيل، فراح يسرد برباطة جأش ترتيبات المسيرة المزمعة، مؤكدا ان المسيرة لم تات التفافا على قرارات احد وراح يفسر ويشرح….

لم أطق صبرا وتوجهت له: لماذا يا أبا أسيل تتكلم بلغة المعتذر؟، فإذا كان من مدين بالاعتذار، وهم كثر، فكلنا مدينون بالاعتذار للشهداء ولكم. اذا كان الايرلنديون يحيون ذكرى ( 13 ) شهدائهم سنويا بمسيرات من عشرات الآلاف ونحن نبخل على ( 13) شهدائنا بمسيرة تليق، فممن ولمن الاعتذار ؟

أنا مدين بهذه اللفتة لمنتظرة معي على واحدة من المحطات.

فانا الذي ادعي لنفسي معرفة باللغة العربية، رحت احدثها، قتلا للانتظارعلى المحطات، بعد ان عرفتها انها تعمل مديرة لإحدى المكاتب في اول طريقها، عن عملية قام بها ” المستعربون ” من الجيش الاسرائيلي، في إحدى المخيمات الفلسطينية. ففهمت هي من كلامي تماما ما انا فعلا كنت اعتقدته: ان ” المستعربين ” من نفس الاشتقاق ” المستشرقين “.

ففاجأتني بقولها : يا استاذ سلامة فهمك ، “مستعربون” ما هي الا الاحرف الاولى للكلمات العبرية ” مستعير عل عربيم ” :الهاجم على العرب!

لا فض فوها بنت الحلال !

لا يتأخر واحدنا عن موعد ويسأل على يد المنتظر طبعا هاتفيا: وينك؟ حتى ينطقها دون عناء ” خمس دقايق أنا عندك “، وتمر الخمسات تلو الخمسات تلو الخمسات، وخمس دقائق صاحبنا لا تنتهي.

ومن سخرية الأقدار صرنا نسمي التأخير عن مواعيد الاجتماعات وضياع الدقائق الكثيرة ” نصف ساعة أكاديمية “، أما من اين للاكاديمية والتأخير ففقط ربك والعرب يعرفون! ولسان حالنا يقول ما دام الاجتماع لن يبدا الا “اكاديميا !” فما الضير ان اربح ويا له من ربح ، النصف ساعة الاكادمية . وفي المنافسة هذه على الربح تفقع مرارة المنتظرين فـ “يشيلوها ” للاجتماع القادم ليردوا الصاع صاعين وهكذا تصير اجتماعاتنا كلها اكادمية!

رحم الله الدكتور صادق جلال العظم حيا وميتا، ففي كتابه “النقد الذاتي بعد الهزيمة” هزيمة، لا نكسة ، ال-67 . الذي رحنا نقرأه بشغف نحن شبيبة تلك الايام ونحن نفتش عن أسباب تلك المصيبة التي تقصم ظهر الجمل، فكم بالحري نحن ” اللي أول طلعتنا ” ومن أولها، لعلنا نجد فيه بعض ” فشة غل أو خلق ” ووجدناه يفيدنا: في المواجهة بين الطيارين الظفر لمن يسبق عقله الآخر بإعطاء الأمر ليده لتضغط على زر الاطلاق، ومن تعود احترام الوقت ومن هنا استغلاله هو صاحب الحظ الأوفر وله الغلبة. وقس على ذلك!

اما قياداتنا وفي الاجتماعات الشعبية لا تدخل الباحة الا بعد النصف ساعة الاكاديمية ، اليس من الافضل ان تدخلها على الوقت ولعل في ذلك اكبر بكثير من همزة (من مهماز) لعل القرين بالمقارن يقترن!

 

سعيد نفّاع

3 تشرين الأول 2005

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*