تموز 2007
الويل لقائد كل من حوله يقول: نعم!
هذه المقولة منسوبة للمناضل الكبير نلسون مانديلا الرئيس الجنوبأفريقي، فالقائد ومهما كان فذا ففي نهاية الأمر هو إنسان ويخطيء التقديرات أحيانا، ولذلك هو بأمس الحاجة لرفاق قيادة يدرسون معا الأمور، ويقولون له إذا أحوج الأمر: لا ! ، وعليه تحمل “اللا” هذه برحابة صدر حتى لو اقتنع حتى أعماق قلبه أن رفاقه مخطئون، وهنا امتحان ديموقراطيته وأهم ميزات القيادة، فمرارة “اللا” أحيانا أحلى من حلاوة “النعم”.
عرف التاريخ الحديث جدا انهيار منظومات عظمى، كذلك بسبب “قوّيلة” النعم، وعلى هذا إجماع من كل الذين بحثوا أسباب ومسببات الانهيار، لكن هذا بقي أحد الأسباب وليس كل الأسباب. ومن الأسباب التي لا تقل أهمية هو انعدام الشفافية والخوف من الصراحة والمكاشفة والخوف والتخويف من النقد والانتقاد مهما بلغت قسوته، وغطاء القائلين بمثل هذا:
هذا النقاش أو ذاك يجب أن يبقى في الداخل! ماذا سيقول أعداؤنا وخصومنا؟ أنجعلهم يتشفّون فينا؟ أو في لغة أمثالنا الشعبية: “خليها في القلب تجرح ولا تطلع على اللسان تفضح”!.
كل هذا، ما هو إلا ذرائع لكبت الآراء وبالذات الناقدة وضرب الديموقراطية في عقر دارها، والنتيجة الحتمية ليست إلا دسّ الأمور تحت السجادة لتتطاير يوما لا تبق أخضر أو يابسا، تماما كما حدث للعديد من الحركات الاجتماعية والسياسية وحتى لدول عظمى في التاريخ الغابر والحاضر على حد سواء.
المتأطر في أي جسم قسرا، أو طوعا كما في الأحزاب مثلا، يفقد عمليا مما يعتقده حريّته المطلقة ويخضع لقواعد هي في نهاية الأمر اتفاق بين أفراد الجسم الواحد، اتفاق هو طرف فيه إن كان الجسم طوعيا، والمبدأ أن الاتفاقات يجب أن تحترم، وفي سياقنا الدساتير أو النظُم الداخلية. لكن الحد من الحريّة هذا ليس معناه الحدّ من حرية إبداء الرأي في كل ما هو مطروح والتعبير عنه وكم بالحري في تصرف غير دستوري، دون أن يتعرض المبدي رأيه والمعبّر عنه للقمع فعليا أو كلاميا، بدل مقارعة رأيه بالرأي المضاد.
فإذا نص مثلا النظام الداخلي لحزب على أن يشارك المتأطر إطاره، الحزبي في سياقنا، نشاطاته ومعاركه مثلا، فالمشاركة هي ليست في النقاشات فقط إنما في العمل الميداني، التي تجيء النقاشات فقط لتجد السبل الصحيحة للمعارك مشاركة وليس فقط توجيها. وإذا لم يشارك المتأطر حزبه في النشاطات ويكتفي بالنقاش فانتقاده على ذلك ليس إساءة شخصية، تماما مثلما أن انتقاد فعل غير دستوري ليس إساءة شخصية.
في نطاق النقاش للتفتيش عن السبل للاندفاع قدما بالحزب أي حزب، تختلف الآراء وتتضارب، وحق الشريك لا بل واجبه أن يضع النقاط على الحروف نقدا وبكل شفافية وجرأة (إذا أراد)، وأن يكون مستعدا لأن يتحمل تبعات نقاشه حتى وإن دفع ثمنها على المستوى الشخصيّ بحق أو بغير وجه حق من وجهة نظره أو نظر آخرين، فلم تجد البشرية حتى الآن وسيلة للحسم بين الآراء المختلفة إلا الديموقراطية على عللِها وسلبياتها، لكنه متفق أن إيجابياتها أكثر كثيرا من مظاهر السلبيات التي ترافقها، كذلك في مجال حريّة التعبير.
لا ضير في أن تكتب الآراء كتابة وتنشر وفي كل وسائل الإعلام المتاحة وتناقش وعلى الملأ، حتى لو تخللت الردود نقاشا حادا وجارحا وخاطئا من وجهة نظر البعض وناعما وشافيا ومحقا في نظر آخرين؟
لا ضير وليست مصيبة أن تتخذ الخطوات (حتى غير الدستوريّة) علانية إذا رأى متخذها حاجة لذلك، شرط أن يكون، في مثل هذه الحال التي اختار، هو ومن يوافقه الخطوة والطريقة مستعدان أن يتقبلا النقد وحتى القاسي من وجهة نظرهما.
أفضل ألف مرّة أن ينشر الرأي ويقابله الرأي المضاد مهما كان قاسيا من أن تبقى الأمور في سياق “القال والقيل” وفي الجلسات المغلقة والأحاديث التلفونية، وهذا مؤشر قوة ليس ضعف، اللهم إلا إذا “كمينا على غش”، واتخذنا موقفا ليس من صحة أم عدمها في المنقود بل من نيّة وعلّتها في المقصود.
أفضل ألف مرة أن نطرح الأمور علانية وكتابيا، ففي نهاية الأمر الكلمة المكتوبة تضع كاتبها أمام مسؤولية كبيرة بما لا يقاس من الكلمة المقولة في أحاديث جانبيّة.
أفضل ألف مرّة أن يقول (إذا أراد) عضو الحزب قائدا كان أو لم يكن، كلمته بما يعتقد جهرا وليضعها تحت مبضع عقول رفاق الدرب ، وأن يتقبل نقاش “رفاقه” حتى وإن بلغت قسوته أحيانا حدا كبيرا، من أن (يريد القول) لكنه يسكت أو يداري مرضاة لأحد أو خوفا على مركز.
أفضل ألف مرّة ليس فقط أن يعبر العضو عن رأيه ضد من في مركز القيادة في الهيئات، وإنما علنا وكتابة (إذا أراد) من أن يئم وراءه على “العماية”. وهذا لا يعني أن من يوافقه الرأي والطرح هو كذلك، فالأيام وفقط الأيام هي الكفيلة بالحسم بين الآراء المختلفة.
أفضل ألف مرّة أن يقال لمن في مركز القيادة (الذي من حقه أن يقول رأيه لا أبوة ولا وصاية فالأبوة والوصاية تعطى لا تؤخذ)، أنك مخطيء ورأيك سيء وحتى تحريضي ومن وضعك وصيّا واعرف قدرك ووو…شرط أن يرى القائل كذلك الخشبة التي في عينه، من أن نتصرف تصرف النعام، فمن تصرف كالنعام وجد نفسه يقول عند هبوب الرياح: “خُطّئنا وخَطّأنا”، ولكن بُصرى كانت قد ضاعت.
النائب سعيد نفاع
تموز 2007