كانون الأول 2006
حري بنا التوقف الكافي على محطاتنا أولا رغم ميلنا غير المبرر بالعبور على محطاتنا سريعا والتوقف مليا عند محطات غيرنا، رغم أنه ليس غريبا عنا، ربما لأن الوقوف على محطاتنا مكلِف لنا أكثر من الوقوف على محطات ذوي قربانا.
الوقفة الأولى: تاريخيّة الصمود أو صمود للتاريخ.
ما من أحد لم يبهر بالصمود التاريخي الذي اجترحته المقاومة في لبنان في حرب تموز2006، الصديق أو المؤيد عبر عن انبهاره جهرا والعدو أو الخصم سرا. تاريخيّة هذا الصمود بحد ذاتها ستبقى في ذاكرة الأجيال، لكن تاريخيّته التأثيرية على ما سواه من المقاومين وإن اختلفت الأدوات التي في حوزتهم، منوطة بالاستفادة التي يمكن أن يستقيها أولاء المقاومون من هذا الصمود.
هذا الصمود ما كان ليجيء لولا على الأقل ثلاثة:
الأول- عمل على الأقل يرتقي إلى مستوى التنظير.
الثاني- انضباط تنظيمي في صلبه الالتزام.
الثالث-الإيثار لدرجة الجود بأسمى معاني الجود.
هذه الأضلاع الثلاثة يجب أن تتوفر في كل حركة مقاومة، وكذلك السياسية مثلنا. فهل هي متوفرة لدى غالبيتنا نحن أبناء الحركة الوطنية؟
هذا سؤال افتراضي، ولكن ليجيب كل منّا عليه بما يمليه عليه ضميره الوطني فإذا صحت الإجابة يصير صمود حزب الله بالنسبة لنا تاريخيّا وإذا لم تصح يصير صموده بالنسبة لنا تاريخا ليس إلا، نتغنى به عند الضرورة والحاجة.
عالجت هذا الأمر في وقفات سابقة في محطة “ما بين التغني بالتجربة والاستفادة منها”. وأراني أجد الحاجة للإعادة، فالمتجول بين خلايا حركتنا الوطنية في مختلف المواقع يجد نفسه واضعا يده على قلبه فالذي كان قبل حرب تموز هو الكائن اليوم .
الوقفة الثانية: أما من مبادرة “ثمانأربعانيّة”؟
التقطت مجسّات الصوت في كاميرات التلفزة في غزة مسبّة أطلقها فتى يركض محتميا في طواقم وسائل الإعلام من أزيز الرصاص، “يا اولاد الكلب”. لم يفدنا أحد لمن وجه هذا الفتى مسبّته رغم ما تحويه من رسالة أحدّ من حدّ سيوف خالد بن الوليد السبعة.
المشهد الذي شهدناه في ساحات غزة ورام الله ونابلس في الأيام الأخيرة، والذي على ما يبدو خرج مؤدوه إلى فرصة ما بعد الفصل الأول إلا إذا كانت هذه المسرحيّة من فصل واحد رغم سوء الإداء وهذا ما نتمناه، هذا المشهد يصح أن يقال فيه أنه أشدّ إيلاما من ألم الثكالى إلا إذا صار ألمهن عندنا ترفا.
في ثورة ال-36 وعندما عجزت “الصهيوانجليزية” عن قمعها أقامت “فصائل سلام” فخري النشاشيبي وفخري عبد الهادي التي تكفلت بقمعها، فهل من “فخريّون ” جدد بين ظهرانينا في غزة ورام الله ونابلس؟
سبحان الله كيف صار حل قضايانا بموروث مشبوه اسمه حكومات وحدة وطنيّه، تارة تحالفيّة وتارة تكنوقراطيّة وآخر تقليعة “فك حصاريّة”، ونعجز عن تشكيل إحداها فيتدخل ذوو القربى على طريقة الصلح العشائرية، أفلسنا سلالات عشائر! ولا يفهمنّ أحد أنني ضد حكومات الوحدة الوطنية كوسيلة إنقاذيّة رغم إصراري على مناقضتها للديموقراطيّة.
إن أولى الكل في إطلاق مبادرة هم نحن أهل ال-48 الوطنيين وإلا كيف نكون جزء لا يتجزء من الشعب العربي الفلسطيني؟ أما أن جزئيتنا هذه مختزلة لحملات الإغاثة والاستيغاث ببيانات التعبير عن القلق والاستياء. صحيح أننا لا نملك قوة الأخوة المصريين بمعنى معيّن ولكننا نملك قوة أخلاقية مخيفة كجزء من هذا الشعب تؤهلنا إن تضافرت جهودنا أن نطلق مبادرة. في لقاء مع وفد غزيّ “فتحاويّ- حماسيّ” زارنا مؤخرا أطلقها صراحة: أنتم الأولى أن تطلقوا مبادرة وهذا أوانها. فأما من مبادر؟
الوقفة الثالثة: “قمشيرة”
لا تنقصنا في ديارنا المصائب الحالة على رؤوسنا ومع هذا تجدنا “نستورد” مصيبة اللبنانيين لنضيفها إلى رصيدنا. وإذا كان لا بد مما ليس منه بد، فالقراءة الصحيحة في الحالة اللبنانية التوافقية وآليتها التوافقية، اتفاق الطائف والدستور اللبناني، ومن منظار المتتبّع القاريء بغض النظر عن رأيه المسبق وعن المعسكر الذي يميل إليه، توصله القراءة إلى أن المبادرة العربية اليوم هي في حال ال”قمشيرة” يعني لا قمحة ولا شعيرة كقول اللبنانيين وشماليي فلسطين، والتي حاول أن يستعيرها عمرو موسى فجاءت على لسانه: قشعريرة.
تسلق الفريقان شجرتين متلاصقتين ما زالت تكسوهما بعض الأوراق رغم الخريف، ومستحيل النزول عنهما إلا إذا تمسكا الواحد بالآخر، وكل ما عدا ذلك سيبقيهما على الشجرة التي ستعرى كليا قريبا بحكم خريف وشتاء لبنان ولن تقوى عندها فروعهما المتجمدة على حملهما، والله يستر من السقوط وعندها رحم الله كل الإنجازات.
ومن التعميم إلى التخصيص، بغض النظر عن موقفي المؤيد لمحكمة دولية غير مسيّسة وحكومة وحدة وطنيّة فيها شراكة حقيقيّة، رغم تناقضها والديموقراطية مبدئيا، وانتخابات مبكّرة. الحكومة اللبنانية بحاليّتها تمتلك الأدوات لإقرار المحكمة الدولية طبقا للدستور اللبناني دون الحاجة للمعارضة، لكنها إن أقدمت على ذلك فيه التهلكة. الفريق الآخر بحاليّته يمتلك القوة المادية والمعنوية ولكنه لن يستطيع إسقاط الحكومة بالآليات التقليديّة فالدستور اللبناني لا يوفر له الآلية وإن أقدم على غير ذلك فيه أيضا التهلكة.
إذا كان هذا هو الحال فلماذا “يتقربط” كل طرف بفروع شجرته بهذه القوة؟ أليس ذلك على طريقة عنترة وأبي زيد الهلالي إذ امتحنا حسب الرواية شجاعتهما، بعضّ الواحد إصبع ألآخر وإذ تأوه أحدهما أجابه الآخر: لو لم تفعلها لفعلت. فأجابه الآخر: الشجاعة صبر ساعة.
المبادرة “العربية” أو ما رشح عنها يمكن أن توفر بالمبدأ الحل، لكنها لن توفره لأن المبادر والداعم مشكوك فيه من قبل المعارضة (راجع خطابات الشيخ نصرالله) هذا أولا، ولن تستطيع إنزال الفرقاء عن شجراتهم إن لم يمسكوا الواحد بيد الآخر، من هنا تصح فيها المقولة “لا قمحة ولا شعيرة بل قمشيرة”.
فالمنتظر الانتصار الساحق الماحق للسلطة حري به أن يتروى وكذا المنتظر انتصارا ساحقا ماحقا للمعارضة. الذي سيسحق ويمحق هو لبنان إذا انتصر فريق على فريق، فلبنان حالة خاصة في العالم أجمع لا يصح فيه ما يصح في كيانات أخرى، وإذا صح الصحيح فعندها حتما سيكون المسحوق الممحوق المشروع “الأميرسرائيلي”.
الوقفة الرابعة والأخيرة:
اعتاد أحد سياسيي أبناء شعبنا القول: “إن ما طلعت الخبّيزة (وهي من الباقوليات البريّة يشبع فقراء شعبنا بطونهم منها في الربيع) الحق على الحكومة!”، فهل كل الحق في دارفور والصومال والعراق ولبنان وفلسطين والناصرة على أميركا؟
المحامي سعيد نفّاع
كانون الأول 2006