لو كنت عضوا في هيئة قياديّة في الجبهة… ماذا كنت سأقول في النتائج؟

 

رسالة مفتوحة إلى قيادة الجبهة!

لو كنت عضوا في هيئة قياديّة في الجبهة… ماذا كنت سأقول في النتائج؟

كانون الثاني 2013

بغض النظر عن النتائج النهائيّة المسجلّة على أسماء الأحزاب العربيّة، فأنا أعرف وأنت تعرف وهو يعرف وفوقنا الله جلّ جلاله يعرف (!) أن النتائج الأقرب إلى الحقيقة كانت تلك التي أفرزتها الاستطلاعات. ومع هذا وما دام الكلّ يحتفل بانتصاره فمبروك هذا الانتصار، ولكن هذا لا يمنعنا أن نمحصّ ولو قليلا في النتائج وما يهمني أكثر شخصيّا وسياسيّا هو نتائج الجبهة.

هذه أول انتخابات قطريّة ومحليّة ومنذ أن بلغت الخامسة عشرة من عمري لم أخضها، دعمت الجبهة بموقفي وفضّلتها وعلّلت تفضيلي ولكن لم أعمل ميدانيّا ضدّ غيرها، وعبّرت عن تصوريّ لهذا الدعم خطيّا وشفهيّا وفي مقابلات إعلاميّة وأمام الناس في بعض الاجتماعات الانتخابيّة التي دُعيت لها دون أن يخلو كلامي من بعض الملاحظات.

رأيت قبل الانتخابات وما زلت أرى وها أنا أعود لأؤكد، رغم عدم تماثلي الكلي فكريّا وسياسيّا مع الجبهة، أن الجبهة غنيّة بتميّزها: بثبات مواقفها الفكريّة (ليست قوميّة حمديّة وليست وطنيّة  دينيّة)، ومواقفها السياسيّة (ليست شعبويّة ولا انتهازيّة)، ومواقفها الاجتماعيّة (ليست طائفيّة ولا فئويّة) ولذا فهي الأحق بالدعم. وبالتالي هي التي كانت قادرة على تخطي حاجز اللامبالاة التي ميّزت الساحة الانتخابيّة العربيّة قبيل الانتخابات رغم ال”شو عملتوا” و”الوحدة الشعبويّة”، لو هي أبرزت هذا التميّز بقوّة ونافست به لأنها لا تستطيع أن تتميّز لا بقدرات لوجستيّة (ماليّة مثلا) ولا بطروحات شعبويّة (طائفيّة مثلا).

استطاع أصحاب حملة “شو عملتوا” و”الوحدة الشعبويّة” وبغض النظر عن هوياتهم حشر الأحزاب العربيّة، ظهر ذلك أكثر على الجبهة (راجع شريط  دعايتها)، في موقع الدفاع عن النفس بدل مواقع الهجوم على المؤسسة فصار همّ الأحزاب وهاجسها كميّة التمثيل لا كيفيّة التمثيل ف”ضاعت الطاسة” مع ضياع أو تهميش الطروحات الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة والفوارق بين القوى، فلعبت الجبهة في ملعب ليس ملعبها وهي من دفع ثمن “ضياع الطاسة”.

الجبهة حصلت في الانتخابات السابقة على 112000 صوت تقريبا وفي هذه 113500 تقريبا أي أنها لم تكسب حتى الزيادة الطبيعيّة في مصوتيها من المرة السابقة ممّا يعني أن بعض مصوّتيها صوّتوا لغيرها، في حين أن الموحدة زادت أصواتها ب24000 صوت تقريبا والتجمع ب13000 صوت تقريبا، هذا المعطى الأول. أمّا الثاني هو أن ما حصلت عليه لم يكفها للمقعد الرابع إذ أن المقياس للمقعد زاد قليلا عن ال29300 صوت (29300*4= 117200)فحصلت على مقعدها الرابع وهو الثاني في معادلة التوزيع حسب قانون بادر عوفر نتيجة لارتباطها مع التجمّع. (7 مقاعد خضعت للتوزيع حسب القانون فكسب الأول ارتباط هتنوعاه ميرتس، وكسب ارتباط الجبهة التجمع الثاني وكسب ارتباط شاس ويهدوت هتوراه الرابع والخامس والسابع الليكود البيت اليهودي والثالث والسادس العمل ويش عتيد).

الجبهة كانت ستحصل على المقعد الرابع لو دخلت التوزيع بدون الارتباط مع التجمع طبقا للقانون أعلاه وهو السابع والأخير حسب التوزيع، ولكن بقارق ضئيل هو 466 صوتا، إذ بلغ مقياسها 28,359 صوتا في حين كان المقياس وراءها هو 27,893 هو ارتباط هتنوعاة وميرتس .

هنالك حقيقة أخرى وإن لم تبلغ من الأهميّة درجة الحقيقة الأولى، ألا وهي أن الجبهة غابت كليّا عن قرى بأكملها خلال أربع سنوات، وكنت في الانتخابات إن جبت شوارعها لا تجد ولو ورقة “و” واحدة يتيمة معلّقة (!) ولم يعقد فيها ولا اجتماع عليه القيمة ولا تمّ أي شكل من الاتصال بالناس حتّى المقربين من الجبهة، وفي بعض الأماكن عوملوا بغربة والحديث يدور عن أكثر من موقع بكثير وفي مناطق عدّة.

لو كنت اليوم قياديّا في الجبهة لطرحت على المؤسسات القياديّة وعلى الكوادر وعلى الملأ، على الأقل الحقيقة الأولى بكل شفافيّة ودون أن أتغطّى بأي إنجاز مواساة ولا بأي ادعاء آخر مهما بلغت صحته. على ضوء كل ما تقدّم ورغم أني لست قياديّا ولكني أبقى “مواطنا” رأى الجبهة الأحق بالدعم فيحقّ لي أن أطرح على الجبهة وعلى الملأ مجموعة من التساؤلات وأقول قولي فيها وأستغفر الله لي ولكم.

الجبهة أخطأت خطأين استراتيجيّين، الأول بشكل انتخاب قائمتها وما رافق ذلك من التزامات تناوبيّة وهذا حدّ من إمكانياتها التقنيّة للشراكة في قائمة واحدة، وبغض النظر عن شعبويّة القائمة الواحدة أو عدمه، رُوج للأمر شعبويّا كبديل ل”شوعملتوا” ووجدت الجبهة نفسها في موقع المتهم، وصدّا للاتهام وقعت في الخطأ الثاني، إذ راحت تكحلها فعمتها بارتباط مع التجمع، فانتخابيّا خسرت أصواتا كثيرة لم تعد المفاضلة بالنسبة لهذه الأصوات ذات بال وكانت ستغنيها عن الدخول في “مخاطرة” قانون بادر عوفر. أما الأبعاد الاستراتيجيّة في ميزان الربح والخسارة في هكذا “تكحيلة” أبعد ما تكون عن ذلك، على الأقل بتشريعها في نظر الناخب ما هو ليس شرعيّا بأي عرف، (القوميّة الجديدة الحمديّة)، وتممت هذا الخطأ الثاني ب”كله زي بعضه” فشرّعت بذلك (الطائفيّة الشعبويّة).

طرحت هذا الكلام على بعض القيادات وجاهيّا قبل الانتخابات مضيفا: “أخشى ما أخشاه أنكم ستدفعون ثمن ذلك وأتمنى أن أكون مخطئا”، لكني على ما يبدو لم أكن كذلك. لا ينقص الجبهة طبعا رؤوس استراتيجيّة التفكير ولا ينقصها وعظ، لكني سأسمح لنفسي من باب “الغبطنيّة” بلغتنا القرويّة العاميّة أن أقول وببرقيات سريعة:

أولا: على الجبهة أن تصحح خطأها الاستراتيجي الأول بتقديم موعد الاستقالة المتفق عليه وبعد سنة على الأكثر لإعطاء الجيل القادم فرصة يستطيع أن يأتي بثمرة عمله فيها للانتخابات المقبلة القريبة على ما يبدو.

ثانيا: على الجبهة أن ترفع من مكانة تميّزها الفكري والسياسي والاجتماعي وميدانيّا وحالا وأن تقول للأعور أعور وبدون مواربة ولا رتوش، ولتتكل على الناس فمعظم الناس تعرف أن تفرّق بين الغثّ والسمين ولا تحبّ أن يروح السمين في عزا الغثّ، هذا إضافة عن ما بدأ يرشح في كل مكان عن روائح بترودولاريّة!

ثالثا: التعاون اليهوديّ العربيّ ليس بالضرورة بضمان مقعد وفي كلّ مرّة، فينفع أن يكون ذلك مرّة “آه” ومرة “لا”، ولن يمسّ أو يقلل ذلك من أهميّة الموضوع وفكريّته.

رابعا: هنالك قطاعات من شعبنا أُهملت أو هُمّشت وغُرّبت وزادت غربتها وأوساط واسعة منها لا تريد هذه الغربة لكنها تريد مدّ اليد، والجبهة قادرة على العمل بينها وبآليات مختلفة وبعيد الانتخابات لا قبيلها، وهذا حقل إن زرعت فيه الجبهة أكثر لن ينافسها أحد على الحصاد.

خامسا: الجبهة كانت رائدة المعارك المحليّة والنضالات في الشوارع والنوادي ويوميّا فكيف تركت هكذا قرى كاملة وأنا لا أقصد زيارة هنا وأخرى هناك، فهل صارت المعارك هي فقط في المناسبات العامة والكنيست أمّ معاركنا في حين كانت مرّة حفيدة معاركنا؟!

وأخيرا وليس آخرا وأرجو أن أكون مخطئنا أشد الخطأ في هذا: بدا لي أن في الجبهة “جيشين” وقوى في داخل الجبهة لم تتعالى إلى المستوى المطلوب من الترفع على نتائج الانتخابات التمهيديّة في الجبهة وكأنها أرادت أن يفشل الرابحون فيها معاقبة لتأكيد صحة وجهة نظرها.

أمّا آخرا: صحيح أن الجبهة هي القوّة الأولى في الشارع العربيّ ولكن القوة تقاس للمدى البعيد بالازدياد الاطراديّ، وصحيح أنها غنيّة بجنود مجهولين هم من حافظ على هذه القوة. الشارع يريد من قوته الأولى تميّزا وجرأة في طرح هذا التميّز، والجنود المجهولون بلغوا من الحصانة العقليّة مبلغا أعتقد أن الحقيقة الجليّة على مرّها لن تحبطهم لا بل ستثورهم وهنالك في النتائج حقيقة مرّة فعلا.

هذا ما كنت سأقوله في أروقة الهيئات القياديّة لو كنت، وأطالب أن يُقال من القيادات على الملأ!

سعيد نفاع

أواخر كانون ثاني 2013

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*