كانون الثاني 2007
توطئة:
تشهد السنوات الأخيرة دفعا عاليا في تنفيذ الخطة القديمة الجديدة لفرض الخدمة الأمنية على الشباب العرب، فما سر هذا الدفع ؟
التجنيد، التجنّد الطوعي للجيش للشرطة المدنيّة أو الجماهيرية أو الخدمة الوطنية والمدنيّة، كلها مسميات لإسم واحد هو : الخدمة الأمنية. وتجنيد وتجنّد العرب لأي من هذه المسميات هو خدمة للحركة الصهيونية في تحقيق هدفها الأساس من وراء ذلك، والمتلخص في: “تغريبنا عن شعبنا وأمتنا بعد أن غربوا شعبنا عنّا في النكبة- عام 1948”.
منذ حلت الصهيونية بين ظهرانينا ونكبتنا بتغريب غالبية أبناء شعبنا عنّا نحن فلسطينيي البقاء وليس قبل أن تكثر عكاكيزها بين ظهرانينا، منذها ونحن شوكة في حلقها نرفض أن نُبلع وإن بلعت جزءا منّا ما يفتأ يمزق أحشاءها، فما يبقى أمامها خيار إلا تلييننا، وطريقها إلى ذلك “أسرلتنا” بتغريبنا عن شعبنا ليصير همّه فرحا لنا وفرحه حزنا لنا تماما كما يفرح العدو لحزن عدوه ويحزن لفرحه. هذه الطريق لم تقف الصهيونية يوما عن شقها، وما نكاد نقطعها في موقع حتى تلتف علينا جهرا مرة وخلسة أخرى ترهيبا مرة وترغيبا أخرى. لا يمكن فهم معنى فرض الخدمة الأمنية على العرب إلا إذا وضعناه في السياق أعلاه.
الجذور التاريخية:
سنة 1920 وعلى ضوء زيارة قام بها “حاييم وايزمن” رئيس المنظمة الصهيونية حينها، رئيس الدولة الأول لاحقا، وضعت الحركة الصهيونية خطة عمل للعمل بين ظهراني الشعب الفلسطيني. خطوطها العريضة المكتوبة كانت:
أولا: خلق قيادة بديلة للشعب الفلسطيني تتماهى مع أهداف الحركة الصهيونية، وتعمل على “تقبيل” العرب بالوجود اليهودي كمصلحة حياتية.
ثانيا: شراء صحف وأقلام صحفية خفية وعلانية خدمة لتنفيذ الخط الأول.
ثالثا : إشعال الخلافات ورصد القائم منها بين الطوائف الأسلامية والمسيحية والدرزية وتنميتها.
قراءة صحيحة للخطين الأول والثالث توصلنا أن “أسرلة” العرب وبالذات النشء العربي ليست جديدة جوهريا إنما اصطلاحيا اشتقاقا من اسم الدولة، فجوهريا هو الدفع ومن ثم القبول بالتماهي مع أهداف الحركة الصهيونية، وأي تماه يمكن أن يكون أكبر من الاستعداد لخدمتها أمنيا مصلحة وحماية؟!
قانون الخدمة الإلزامية:
حلقة أخرى في سلسلة “أسرلة” فلسطينيي البقاء هو هذا القانون، ففي سنة 1949 سنّ قانون التجنيد الإلزامي وأخذ صيغته النهائية بتعديله سنة 1951، طبقا لهذا القانون:
– تسري الخدمة الإلزامية وللمدة التي يحددها القانون ( بدء كانت سنتين ونصف واليوم ثلاث سنوات للشباب وسنة ونصف وسنتين للشابات) تسري على كل شاب إسرائيلي (يحمل الجنسية الإسرائيلية يعني يهودا وغير يهود) يبلغ ال-18 سنة.
– الحكومة و\أو وزير الأمن يستطيعان بقرار، إعفاء أفراد أو مجموعات حسب ما يرتئيان.
يعني طبقا للقانون الإسرائيلي الساري، كل شاب عربي ملزم بالخدمة الإلزامية، وما إعفاؤه إلا نتاج قرار قابل للإبطال أو التغيير في أي لحظة وعند الحاجة وحسبها. وهذا ما حدث تماما سنة 1956 إذ غير القرار وأبطل الإعفاء عن العرب الدروز والشركس المسلمين.
بداية وبعد سريان مفعول القانون أعفت الحكومة كل العرب بكل طوائفهم والأقليات الأخرى كالشركس والأرمن وكذلك المتدينين المتشددين (الحرديم) من الخدمة الإلزامية. واضح أن إعفاء العرب جاء لمقتضيات أمنية، لكن الإعفاء هذا ومنذ صدوره لم يكن ليسد الطريق أمام الصهيونية لاستغلال هذا الاحتياط العربي طبعا حسب حاجتها ومقتضياتها الأمنية والاقتصادية، ولأنها أرادت وفي كل الحالات أن تستوعب في الأذرع الأمنية المختلفة عربا لحاجاتها لذلك، فقد شكلت ومنذ ال-49 فرقة أسمتها فرقة “الأقليات”، حددت مهامها وأهمها منع التسلل (عودة اللاجئين إلى بيوتهم) واتبعتها لوزارة الخارجية بداية وليس لوزارة الأمن! لاحقا تحولت هذه الفرقة إلى فرقة عسكرية بكل المواصفات وجزء من الجيش الإسرائيلي وتنامت كثيرا أكثر من المتوقع ومن كل الطوائف دون استثناء مما شجع السلطات الإسرائيلية على اتخاذ خطوة راديكالية بتحويل التطوع المكلف (المتطوع يتلقى راتبا) إلى خدمة إلزامية (الخدمة الإلزامية مجانية).
فاستدعت سنة 1954 وتحديدا في تموز بقرار صادر عن مكتب رئيس الحكومة حينها وطبقا للقانون والصلاحية المخولة له كل الشباب العرب المولودين بين عامي 1934-1937 للامتثال في مكاتب التجنيد لتجنيدهم. هذا الاستدعاء جمد لاحقا للمراجعة وأحد أسباب التجميد الإقبال غير المتوقع وصعوبة الاستيعاب، مما حدا لاحقا بالقوى السياسية وحسب اختلاف مواقعها من الخارطة السياسية، أن يرى بعضها تجميد الاستدعاء تمييزا قوميا عنصريا ضد العرب (هكذا!) والبعض الآخر رأى الاستعاضة بفرض ضريبة أسموها “ضريبة الرأس”.
الذي حصل أن الموقفين فشلا، وما من شك نتيجة للموقف الممانع للأكثرية من أبناء شعبنا رغم ظروف تلك السنين.
استعاضت الصهيونية عن ذلك وبما يلبي احتياجاتها وأهدافها بالبدائل، والتي كانت إبطال الإعفاء من سريان قانون التجنيد الإجباري عن العرب الدروز والشركس سنة 1956 لظروف تاريخية لا مجال للخوض فيها هنا ، والاكتفاء بأعداد المتطوعين من باقي الطوائف وبالأساس من البدو.
ما الذي توخت أن تحققه المؤسسة الصهيونية بهذا؟
أهداف عدة توختها المؤسسة من تنفيذ الخطة بهذا الشكل بعضها سافر والآخر مستتر، وللحقيقة التاريخية يقال أنها حققت نجاحا نسبيا ولكنه وفي كل الأحوال لن يكون طويل الأمد. أما هذه الأهداف:
أولا: فرّق تسد بدق الأسافين بين أبناء الشعب الواحد.
ثانيا: دعاية صهيونية ترويجا لديموقراطية الدولة.
ثالثا: توخيا وتمنيا بخلق البلبلة بين الشعبين اللبناني والسوري المشابهين في تركيبتهما المذهبية الشعب الفلسطيني، فالدروز والشركس جزء كذلك من ذينك الشعبين.
رابعا: الأسرلة.
خامسا وهذا الأهم: ضرب أسس الانتماء القومي المشترك لغالبيتنا لعدم اعتبارنا أقلية قومية إنما مجموعة من الأقليات الدينية والمذهبية المتناقضة المصالح، ولاحقا تفكيك بنياننا القومي حتى لا يترتب على الدولة اعترافا بحقوق قومية لمجموعنا.
الصهيونية وعلى مدى السنوات الأخيرة اكتفت بما أنجزته في هذا المضمار، فلم تحاول تفعيل القانون على العرب بشكل عام وسوغت وبررت لنفسها وأمام العالم وأمام العرب التمييز اللاحق بهم بالحجة الممجوجة الكاذبة: لا مساواة في الحقوق لعدم المساواة في الواجبات!
رغم ذلك، الملفت والمؤسف في هذا السياق الاقبال القليل نسبيا الكبير عدديا على التطوع في الخدمة الأمنية لدى الكثير من الشباب العرب، والذي بلغ حسب تقرير القائد العام للشرطة السابق والذي نشرته صحيفة “معريف”، وفقط في الشرطة الجماهيرية ال-7000 متطوع في 56 محطة شرطة جماهيرية في البلدات العربية، هذا عدا عن آلاف عدة في أذرع الأمن المختلفة. ولعل في عدد الجنود العرب الذين قتلوا في الانتقاضة الثانية والذي وصل إلى ال-23 جنديا، منهم فقط 5 من الدروز والباقون من أبناء بقية الطوائف العربية الأخرى مؤشرا على اتساع التطوع. كل ذلك في حين يخوض المئات من الشباب العرب الدروز كفاحا مستميتا للتخلص من الخدمة الإجبارية، فعدا المردود السلبي على نضال حركات الرفض عند العرب الدروز، شكل ذلك سببا واقعيا لدى السلطات أن “تفرض” الخدمة تطوعا بمعنى تقديم مغريات كمرحلة أولى سيتبعها لاحقا فرضا انتقائيا حسب الحاجة، فالمتطوع أفيد وأريح تعاملا بما لا يقاس من التعامل مع المجند قسرا، والحاجة لهذا المخزون البشري وقعت ولذلك تشهد الخطة في السنوات الأخيرة دفعا وزخما.
الخطوات العملية التي اتخذت لتنفيذ الخطة:
الخطوة الأولى: أواخر سنة 2003 وأوائل سنة 2004 أخذت الخطة دفعا وزخما غير مسبوقين، ففي مؤتمر رجال الأعمال السنوي في هرتسليا طرح رئيس الحكومة السابق شارون الخطوط العريضة لخطة فرض الخدمة الأمنية على الشباب العرب، تبع ذلك طرحه إياها أمام لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية التي استضافته في الناصرة عاصمة العرب في الداخل. ويوم 04\2\12 في خلال تقديم بيانه السياسي أمام الكنيست طرحها بأكثر تفصيلية مفيدا:
” معنى الخدمة الوطنية أن يلزم كل شاب أن يساهم عدة سنوات في خدمة المجتمع سواء في الأجهزة الأمنية مثل الشرطة، أو عن طريق العمل في إطار المؤسسات المجتمعية مثل المستشفيات والمراكز الجماهيرية”
وأضاف معللا:
” الرغبة في تحقيق المساواة في تحمل الأعباء والتي ستقود إلى المساواة بين فئات المجتمع الإسرائيلي”
الخطوة الثانية: كان شارون جديا جدا فتزامنا شكل لجنة من مكتبه أسموها: “لجنة إنشاء الخدمة الوطنية- المدنية” وبرئاسة دافييد عبري قائد سلاح الطيران ومدير عام وزارة الأمن سابقا, (ما لقائد عسكري ووزارة الأمن إذا كان الكلام يدور عن خدمة في المؤسسات الاجتماعية؟!)
هذه اللجنة باشرت أعمالها ويوم 04\6\8 تحديدا أرسلت سرا للعديد من الشخصيات الاجتماعية العربية رسائل لاستنباط آرائهم (محفوظة عندنا نسخة)، وظهر بعضهم أمامها.
يوم 04\8\19 قدمت اللجنة توصياتها لوزير الأمن، مرة أخرى ما لوزير الأمن وللخدمة الوطنية المدنية لو كان صحيحا ما يسوّقوه للشباب العرب وكأن الخدمة هي خدمة جماهيرية مدنية؟!!
ومما جاء في توصياتها:
“الحفاظ على أولوية وأفضلية الخدمة الإلزامية… اللجنة تتبنى النظام السائد بشأن حقوق من يخدم في الخدمة القومية والامتيازات التي يستحقها والموازية للحقوق والامتيازات المعطاة في الوحدات الغير قتالية…”
فيما يخص الوسط العربي:
” اللجنة توصي بفتح إطار الخدمة المدنية( تغييرا في الأسم!) لأبناء وبنات الوسط العربي… بهدف إيجاد بديل للخدمة العسكرية لهم… بإقامة بديل يسمح للشباب العرب بخدمة الجمهور والمجتمع والدولة معا…بدل إضاعة طاقات اليهود الذين يخدمون في الجيش في الخدمة المدنية كجزء من الخدمة العسكرية”.
الخطوة الثالثة: على ضوء تقرير لجنة أور حول هبة القدس والأقصى التي أدت إلى استشهاد 13 شابا عربيا، عينت الحكومة لجنة برئاسة وزير القضاء السابق طومي لبيد لبحث تنفيذ التوصيات، ومما جاء في توصياتها:
“تقوم الحكومة بدفع فكرة إنشاء خدمة قومية رسمية مدنية يقوم بها مواطنو إسرائيل الذين لا يستدعون إلى الخدمة العسكرية. هذه الخدمة يمكن القيام بها تطوعا وفي إطار جمهورهم كمرحلة أولى “.
” الحكومة ستشجع إمكانيات توسيع دائرة المتطوعين من أبناء الوسط العربي إلى الجيش وشرطة إسرائيل وأطر إضافية، وتفحص الطرق لدفع خطوات التطوع هذه.”
الخطوة الرابعة: قامت عدة جمعيات بتشجيع السلطات لتسويق وتنفيذ الخطة ومنها:
جمعية عميناداف. جمعية بت عامي- إمونا. جمعية ألومه. جمعية شولميت. وجمعية تكفاه ليسرائيل. ومن أعضائها ونشطائها الكثير من العرب.
الخطوة الخامسة: تبارى أعضاء الكنيست ومن كل الكتل البرلمانية الصهيونية بيمينها ويسارها على طرح مشاريع قوانين لفرض الخدمة الوطنية-المدنية:
متسناع بالاشتراك مع بلومنتال (عمل –ليكود)
فلنائي (عمل)
أيلون شلجي (ليكود)
ران كوهين (ميرتس) وهذا قال في مسوغاته: ” تخضع الخدمة المدنية لاعتبارات جهاز الأمن ولاحتياجات الجيش”!!!
ما هي الدوافع وراء هذا الزخم الكبير في دفع الخطة إلى التنفيذ؟
قلنا أعلاه أن الصهيونية عملت على استخدام “كمية” من العرب في خدمتها أمنيا لأهداف عينية سقناها، إضافة حدثت هناك تطورات هامة جعلت الصهيونية بحاجة “اقتصادية-أمنية” ماسة لهذا الاحتياط الكبير من الشباب العرب. الأعباء الأمنية ثقيلة على كاهلها وهي في ازدياد مضطرد متزامن مع نقص مضطرد في الإمكانات الاقتصادية والبشرية، فالمعلومات التي تطرح في الصحف الإسرائيلية تباعدا تفيد:
“فقط 40% من القادرين على تحمل الأعباء الأمنية لدى الشباب اليهود يتحملون 100% من العبء، وهذا راجع إلى عوامل وأسباب كثيرة أهمها أن نسبة كبيرة منهم تترك البلاد في هجرة معاكسة مؤقتة تهربا من الأخطار، وقد بلغ عدد الجالية الإسرائيلية في الولايات المتحدة وحدها حسب المعلومات قرابة ال-700 ألف نفس“.
الرجل اليهودي وبعد إنهائه خدمته الإلزامية يفضل الهروب للعمل وتأسيس حياته خارج البلاد مخلصا نفسه من الخدمة الاحتياطية لأشهر في السنة ومخاطرها على حياته، ولا خوف على مواطنته مهما غاب عن البلاد حسب القوانين الإسرائيلية فيعود إن أراد بعد أن يبلغ سن الإعفاء من الخدمة. هذه الحالة تزيد الأعباء على الجيش النظامي ومن تبقى في البلاد من الاحتياط، ولعل ما تكشف في العدوان الأخير على لبنان من الحالة التي وصل إليها الجيش الاحتياطي أكبر دليل على هذا المأزق.
هذه الحقيقة وعلى ضوء التحديات الكبرى أمام الدولة تجعلها تفتش عن سد مثل هذا الفراغ، ويصير مفهوما لنا أكثر معنى الذي جاء في توصيات لجنة إنشاء الخدمة الوطنية- المدنية من خلاصة ذكرناها عن إضاعة طاقات الشباب اليهود.
إذا وظيفة الشاب العربي هي سد الفراغ في المرافق الحاصل نتيجة لتجنيد الشباب اليهود وبالذات الاحتياط ، الذين يتجندون طبعا ليس “لبكنيك” إنما لمحاربة وقمع أبناء شعب وأمة هذا الشاب والذي بتطوعه يعطيهم فرصا وإمكانات أكبر. المساعد على القتل كالقاتل فما الفرق بين أن يحمل الشاب العربي بندقية في مواجهة أبناء شعبه وبين أن يتيح بتطوعه لشاب يهودي إضافي أن يحمل هذه البندقية؟!
أما من الناحية الاقتصادية:
لجنة “عبري” لم تغفل هذا الجانب وإنما ضمنت دراستها وتوصياتها فصلا عن ذلك، وحسبها فإن تكلفة المتطوع لن تتعدى ال-20 ألف شيكل سنويا تتحملها بغالبيتها المؤسسات التي تستوعب المتطوعين مما لا يحمل الخزينة العامة حملا إضافيا.
لكن ما لم تقله لجنة “عبري” وليس صدفة اللهم إلا إذا كانت هناك توصيات سرية، هو كم وكيف ستوفر هذه الخدمة على الدولة؟!
أولا: جندي الاحتياط يتقاضى راتبا يساوي راتبه الذي يتقاضاه في مكان عمله، ويدفع المشغل المستقل أو الدولة راتبا إضافيا لمن يحل محله، حين يحل محله متطوع غير مكلف فلكم أن تتخيلوا كم هي المبالغ الموفرة على خزينة الدولة وجيب المشغلين المستقلين.
ثانيا: ولنفرض أن المتطوع كان سيقبض شهريا من أي عمل يعمله 5000 شيكل شهريا كتكلفة راتب (يعني بروطو)، بحساب بسيط فدخله السنوي 60 ألف شيكل. وإذا كانت تكلفته كما قلنا 20 ألف شيكل على حسب لجنة “عبري”، فبحساب بسيط يخسر سنويا 40 ألف شيكل في الحد الأدنى وكل المكاسب المعروضة عليه لن تعوضه عن هذا المبلغ من ناحية، ومن الأخرى، فهل يعقل أن الدولة ستوزع “حسناتها وزكاتها” على الشباب العرب في هذه الخطة؟!
ولا ضير في إعادة ما أوصت به لجنة “عبري”:
“اللجنة توصي بفتح إطار الخدمة المدنية لأبناء وبنات الوسط العربي بهدف إيجاد بديل للخدمة العسكرية لهم بإقامة بديل يسمح للشباب العرب بخدمة الجمهور والمجتمع والدولة”.
الأبعاد الاقتصادية على التجمعات العربية:
لجنة “لبيد” آنفة الذكر أوصت: ” هذه الخدمة يمكن القيام بها تطوعا وفي إطار جمهورهم كمرحلة أولى ” إذا ما هي وأين المرحلة الثانية؟!
إضافة ما هي المرافق في الوسط العربي التي يمكن أن تستوعب المتطوعين، وإذا شغلها المتطوعون فأين سيعمل ذووهم، الذين يعانون من نسب بطالة مرتفعة بدون ذلك؟!
صحيفة هآرتس نشرت في كانون ثاني 2005 أن نسبة البطالة في “جفعات- أولجة” تضاعفت نتيجة لتطبيق الخطة هناك. هذا في بلدة يهودية فما بالك بتطبيقها في كفر مندا مثلا؟!
يبلغ الثامنة عشرة في سخنين مثلا ما لا يقل عن 500 شاب وشابة سنويا، فهل تستطيع سخنين استيعاب 500 متطوع؟! وإلى أين سيرسل الباقون خصوصا إذا علمنا أن المتطوع يحمل شهادة وراءها وزارة الأمن ويتم التعامل معه كما الجندي، فمثلما لا يختار الجندي مكان خدمته لا يستطيع المتطوع اختيار مكان خدمته؟! وكم بالحري عندما تصير الخدمة في المرحلة القادمة وحسب التخطيط إلزامية وتوقيت ذلك مسألة وقت ليس إلا فهو مرتبط وخاضع لسلة احتياجات الدولة الأمنية؟!
إذا فالمتطوع ليس فقط يوفر مبالغ طائلة على الدولة كما جاء أعلاه، وإنما يضرب أمكنة عمل أهله أولا وقبل كل شيء، وهذا بغض النظر عن الأبعاد السياسية الوطنية كما ذكرنا، وكل ذلك مقابل مغريات وإغراءات كلها فتات في نهاية المطاف، كما سيثبت لاحقا.
الحقوق والواجبات:
من بيان شارون السياسي أمام الكنيست اقتبسنا أعلاه:
” الرغبة في تحقيق المساواة في تحمل الأعباء (أية أعباء؟) والتي ستقود إلى المساواة بين فئات المجتمع الإسرائيلي”
مبدئيا، ربط حقوق المواطن بالواجبات هو مبدأ مناقض للحقوق الإنسانية وعنصري في آن. حقوق المواطن ديموقراطيا وقبلها إنسانيا تجاه الكيان الذي يعيش فيه هي مطلقة في حين أن واجباته نسبية، وإن لم تقل ذلك قلت:
أن الطفل والعاجز والمريض والمعوق لا يستحقون كامل حقوقهم لأنهم لا يستطيعون تقديم كامل واجباتهم، هذا من ناحية أما الأخرى فربط حقوق أبناء القوميات الأخرى في دولهم غير مربوطة بالخدمة الأمنية البتة، فكم بالحري إذا كانت الخدمة الأمنية موجهة ضد أهلهم أبناء شعبهم وأمتهم. أية إنسانية هذه التي ستوفر لي حقوقي فقط إن حملت السلاح أو تطوعت أمنيا ضد أبناء شعبي؟
ميدانيا: قيل الصورة تغني عن ألف كلمة، ولنا رد قاصم على كل هذه الدعاية الكاذبة في صورة العرب الدروز الماثلة أمامنا يوميا. على العرب الدروز فرضت الخدمة الأمنية العسكرية قسرا وبالقانون، يعني وبغض النظر عن مدى تقبلهم أو عدمه والكفاح المستميت الذي يتحمل تبعاته المئات من الشباب وأهاليهم، فهم حسب القاموس الإسرائيلي يقدمون واجباتهم.
هل هذا أعطاهم المساواة؟
بغض النظر عن مظاهرة أبناء مدارس يركا العطشانين لمياه الشرب في نهاية الأسبوع، التي قطعت شركة المياه القطرية ضخها للقرية، فليدخل كل منّا إلى أية قرية “درزية” يختارها، فهل حالها أفضل من جاراتها “السنيات” أو “المسيحيات”؟! أليس العكس هو الصحيح في غالب الحالات؟!
وليدخل إلى معالوت وجارتها البقيعة أو إلى يكنعام وجارتها الدالية أو إلى كرميئيل وجارتها بيت جن؟!
ألمجالس المحليّة:
حسب معلومات إحصائية قبل سنوات عن ميزانيات المجالس المحلية الدرزية مقارنة مع اليهودية المساوية لها في عدد السكان، لم تتغير كثيرا في السنوات الأخيرة إن لم تزد فالصورة هي كالآتي:
عسفيا 2 مليون شيكل يوكنعام 6.5 مليون.
أبو سنان 3.4 عراد 11.6.
البقيعة 2.3 شدروت 12.4 .
جولس 3.2 نتيفوت 9.8 . وهكذا…
ألأرض:
يخوض أهالي الدالية وعسفيا مؤخرا وكما يعلم القاصي والداني معركة على ما تبقى لهم من أراض، فما هو الحاصل عندهم وحسب بيان الهيئة الشعبية للدفاع عن الأرض الذي أصدرته مؤخرا:
كان يملك أهالي الدالية وعسفيا “الدرزيتين” سنة 1948 بعد قيام الدولة 70000 دونم تبقى لهم منها بعد عمليات المصادرة السلطوية المختلفة الأوجه 16 ألف دونم ، تدور معركتم على نية السلطات مصادرة 7 آلاف دونم منها. فهل حقق لهم تقديم واجباتهم حقوقهم؟!
التعليم:
في العقدين الأخيرين من القرن الماضي أجرت مجموعة من الأكاديميين الدروز الموالين للسلطة دراسة عن التحصيل الجامعي لدى الدروز مقارنة بالوسط العربي بشكل عام، كذلك أصدر مكتب الإحصائيات المركزي (هليشكا همركزيت لستاتيستيكا)دراسة في هذا الصدد، ومن المعطيات:
أولا: عدد الطلاب الجامعيين لكل 1000 نفس في الطوائف المسيحية 19.9 طالبا
عند المسلمين 8.1 لكل 1000 .
عند الدروز 3 لكل 1000.
ثانيا: عدد الأكاديميين الدروز 374 أكاديميا منهم 30 امرأة.
في كفر ياسيف وحدها 476 أكاديميا.
ثالثا: هل تحسن الوضع اليوم؟
يوم 05\3\31 نشرت صحيفة هآرتس التقرير الرسمي لوزارة المعارف حول مستوى تحصيل جيل ال-18 في إسرائيل لتلك السنة، وحسب هذا التقرير:
59% من عدد خريجي الثانويات في الوسط اليهودي لتلك السنة حاصلين على شهادات “بجروت-ثانوي”.
39% في الوسط العربي عامة.
منها تؤهل حاملها الدخول للجامعة 86% في الوسط اليهودي.
76% في الوسط العربي بشكل عام.
69% في الوسط العربي الدرزي. وبعملية حسابية بسيطة، إذا أخذنا نسبة التسرب (عدم الوصول للثانويات أساسا) نصل إلى أن 16% فقط من الخريجين الدروز يحملون شهادات ثانوية تؤهلهم دخول الجامعات!!!!!
تخيلوا مثلا لو أن 16 شابا فقط من كل 100 شاب يهودي معهم شهادات تؤهلهم لدخول الجامعات فأي زلزال كان سيحدث؟!
فأين هي المساواة في الحقوق مقابل تقديم الواجبات؟!
أهذا ناتج عن خلل جيني عند الطلاب الدروز أم من المصيبة: “الخدمة الأمنية”؟!
المنافع الإغراءات والمغريات من الخدمة الأمنية:
السلطات طبعا تؤمل المنضمين لسلك الخدمة الأمنية بمنافع هي في صلبها مغريات وإغراءات. لجنة عبري لإنشاء الخدمة الوطنية- المدنية لم تفدنا “بسلة” المنافع، اللهم إلا ما جاء في توصياتها بشكل عام وكالآتي:
“الحفاظ على أولوية وأفضلية الخدمة الإلزامية… اللجنة توصي بتبني النظام السائد بشأن حقوق من يخدم في الخدمة القومية والامتيازات التي يستحقها والموازية للحقوق والامتيازات المعطاة في الوحدات الغير قتالية”
وما هي هذه الامتيازات القائمة اليوم في الوحدات الغير قتالية؟!
شهادة: بطاقة من السلطات الأمنية تشهد أنك قمت بواجبك الوطني!!!!!
قروض الإسكان: كان الجندي المسرح يحصل على قرض أكبر جزء منه يتحول إلى هبة مع السنين. أبطل!
قسائم بناء: كان الجندي المسرح يحصل على قسيمة مؤجرة ويدفع مقابل إيجار. أبطل واستعيض عنها بدفع أثمان القسائم، صحيح أقل قليلا من سعر السوق ولكن بشروط تجعل الحصول عليها شبه مستحيل. ولنا في الحاصل في بيت جن أكبر مثلا تدفع مقابل استعمال القسيمة 84 ألف شاقل لا تملك سقف دارك ومقابله يدفع الباني فوقك 84 ألف وهكذا حتى الطابق الثالث!
كلفة سنة تحضيرية في الجامعة: بعد ضياع 4-5 سنوات بعد الثاني عشر يمنون على الجندي المسرح ليستعيد المعلومات بسنة تحضيرية؟!
هبة استيعاب: أجرة استئجار بيت لمدة سنة بعد التسريح من الخدمة أو ما يساويها للبدء بمشروع اقتصادي.
هذا كل ما في الأمر، ومرة أخرى بحساب بسيط هل هذا يساوي ماديا ما يخسره المتطوع خلال السنوات التي يخدم فيها مجانا؟!
والأهم : هل كل ملك الدنيا، ليس هذا الفتات، يغني عن الانزلاق الأخلاقي بأن يقبل الإنسان أن يكون سوطا في يد جلاد أبناء شعبه وأمتّه ؟!
وسائل التصدّي:
حركات مناهضة الخدمة الإجبارية بين العرب الدروز وبالذات “ميثاق المعروفيين الأحرار” وبحكم قربها من القضية ونضالها، وقناعتها بمدى الـتأثير العكسي للتطوع على نضال الشباب العرب الدروز ضد الخدمة الإجبارية المفروضة عليهم، طرحت ومنذ سنة 2001 آلية تصدّ على شكل عقد “مؤتمر وطني قومي” لبحث قضية التجنيد والتجند ( التطوع)، هذا الطرح لم يلق التجاوب المطلوب.
صحيح أن الأحزاب الوطنية وبالذات التجمع والجبهة عملوا كثيرا في محاربة هذا المخطط وما زالوا لكن ذلك لن يكون كافيا وحده. ومن المهم الملاحظة أن الجبهة تفصل في عملها بين مسميات الخدمة الأمنية وتشن معركتها بتركيز على الخدمة المدنية ومن منطلقات ضميرية فردية على عكس ما يفعله التجمع الذي يطرح كل أنواع الخدمة الأمنية كسلة واحدة ومن منطلقات قومية جمعية، ولا أقول هذا الكلام بحكم انتمائي إنما رغم انتمائي وقناعة راسخة على ضوء التجربة: أن أي فصل بين أشكال الخدمة الأمنية (إجبارية تطوعية في الجيش والأذرع الأخرى، خدمة في الشرطة المدنية أو الشرطة الجماهيرية، خدمة في الخدمة الوطنية أو المدنية)، أي فصل لن يخدم القضية فالقضية لا تختزل للخدمة المدنية وما هذه إلا نتيجة لتلك ومرتبطة عضوية معها وهي الخطوة الأولى إلى فرض الخدمة الإلزامية انتقائيا بدء طبقا للحاجة تصاعديا مع ازدياد الحاجة الأمنية الاقتصادية للدولة والتي هي في ازدياد مستمر على ضوء الوضع العام.
يوم 04\12\19 اتخذت لجنة المتابعة للجماهير العربية قرارا بتبني عقد المؤتمر الوطني للتصدي لكل أشكال الخدمة خلال ثلاثة أشهر!!! فاستبشرنا خيرا، وشكلت لجنة تحضيرية عقدت أولى اجتماعاتها يوم 05\1\27 ومن يومها صمتت!!!
على لجنة المتابعة أن تحيي، وحالا قبل فوات الأوان، القرار وعلى الأحزاب والحركات الوطنية تصعيد أوجه النضال والانطلاق بزخم أكبر للحد من الاستشراء الذي تشهده ساحتنا من انتشار الخدمة الأمنية بين شبابنا، ودعونا ألا نطمر رأسنا في الرمال كالنعام.
الخلاصة:
الظروف لا تعمل في صالحنا ومن أي زاوية حولنا وقد قيل :الثوري هو الثائر في الزمن غير الثوري، وحتى إن كنا كذلك، وهكذا نحن، فلن نستطيع منع تنفيذ المخطط كلية وسيكثر الساقطون في براثن هذا المخطط أكثر مما قد سقط حتى اليوم، لكن المهم أن ننقذ على الأقل طيّبي النوايا من أهالينا وشبابنا وهم الأكثرية العظمى من أبناء شعبنا لننقذهم من الوقوع في براثن هذا المخطط الجهنمي.، واجبنا هو ليس فقط وطنيا وإنما أيضا أخلاقيا .
المحامي سعيد نفاع
رئيس ميثاق المعروفيين الأحرار
كانون الثاني 2007