على رسلك يا حماس! كل الخطوط الحمراء قُطعت في غزّة!

تشرين الثاني 2007

في ال23 من حزيران 2007 غداة ال-14 منه، ذلك اليوم المشئوم في غزة حين وجهت البندقية الفلسطينيّة من يد الأخ إلى صدر أخيه، عقدنا مؤتمرنا الخامس. الأمر الطبيعي أن تشغل أروقة المؤتمر، رغم أهميّة القضايا التي كانت مطروحة نتائج الصراع الذي كان قد اندلع في غزّة، وضمنّا بياننا الختامي موقفا مفاده تلخيصا: ” أننا غير منحازين في الصراع الدائر لكننا لسنا حياديين ونستنكر الاقتتال وإراقة الدم الفلسطيني مهما كانت الحجج، محذرين في الوقت نفسه من المشروع الصهيو-أميركي تجاه المنطقة وفي صلبها قضيّتنا الفلسطينية، مطالبين اعتماد الحوار المرتكز على الثوابت الفلسطينيّة”.

 

ليس سرّا، وأستطيع أن أفهم ذلك في سياق التعدديّة، أن في الحزب الآراء مختلفة في بعض الأمور، فالبعض “فرك” حينها يديه هناء أن غزة ارتاحت من بعض المفسدين الضالعين في المشروع الأميركو-إسرائيلي، حتى لو كان الثمن اقتتالا مؤقتا سيجيء بعده الفرج، مؤمنين أن النتيجة ستوقف الانحدار نحو التفريط بالثوابت الفلسطينية. ولكن ليس سرّا كذلك أن البعض الآخر اعتبر أن الذي حصل في غزّة  هو انقلاب على الشرعيّة تماما كما تفكر حركة فتح، غير مؤمنين أن فتح ورغم حالها الداخليّة في وارد عندها التنازل عن الثوابت الفلسطينيّة. هذا التباين ورغم أهميته لم يشكل في الحزب حالة تنافر أو احتداد وبقي في سياق التعددية في الرأي والاجتهاد، مع غلبة للرأي الأول.

 

في بقيّة أنحاء الساحة الوطنيّة الفلسطينيّة الانقسام كان أحد وواضح المعالم، فالجبهة الديموقراطية وفي مركزها الحزب الشيوعي وغيرهم اتخذوا موقفا داعما لفتح متبنين مواقفها كليّة. ومن الجهة الأخرى الحركة الإسلاميّة الشماليّة موقفا داعما لحماس دون تحفظ مع قلّة البوح به على الملأ، أمّا الجنوبيّة فهي أميل إلى الوسطيّة كالتجمع مع اختلاف عنه في تغليب الرأي الثاني على الأول.

 

رغم هذا هنالك إجماع، وهذا على الأقل ما برز في اجتماع لجنة المتابعة، أن الواجب الوطني يقتضي العودة إلى الحوار الوطني ووقف كل أشكال الاقتتال. من هذا المنطلق انطلقت المبادرة المشتركة للاتصال بطرفي النزاع تمّت جزئيا بالاجتماع إلى الرئيس الفلسطيني وتعذّر حتى الآن تكملة المبادرة بالاجتماع إلى حماس. ولكن التباين أعلاه بين قوانا الفاعلة على الساحة الداخليّة ظهر جليا في هذا اللقاء، ممّا سيجعل التتمّة قضيّة رفع عتب ليس إلا، إلا إذا تحلينا بشجاعة أكبر، خصوصا وأن الحوار مشروط لدى الطرفين فتح وحماس بشروط أبعد ما تكون عن نقاط التقاء، ولسنا اللاعبين الوحيدين في الساحة إن لم نكن الأضعف.

 

علينا جميعا أن يذكر أن هنالك إجماع من نوع آخر لا تشوبه شائبة، وهو الإجماع الحاصل على الساحة الصهيونيّة، إجماع من الارتياح والفرح و”دفوفه” الدم الفلسطيني المسفوك المراق وبالذات على الساحة الغزيّة، و”درابيكه” الاستعداد الذي تنتظره عند القيادات الفلسطينية للتنازل عن الثوابت والمدعوم، حسب تمنياتها، بالحاصل في غزّة.

 

هنالك آراء واجتهادات شتّى يصل بعضها أن حماس هذا الذراع من الإخوان المسلمين والذي يحكم اليوم ولأول مرّة بقعة من العالم العربي، لا يستطيع إلا أن ينجح ليثبت للعرب، وللمسلمين قبلا، أنه قادر على ذلك، وهنالك من يضع حماس والحاصل في غزّة جزء من مشروع إيراني. ومن الناحية الأخرى هنالك آراء تضع فتح وقيادتها الحاليّة في خانة من تنازل عن الثوابت الفلسطينيّة وانزلق نهائيا في المشروع الصهيو- أميركي لا بل تذهب إلى أبعد من ذلك بتصنيفها مهندسا شريكا في هذا المشروع وليست ضحيّته.

 

بالمناسبة، تعتقد حماس، ومما يرشح ومن أعلى المستويات، أنه “ربّما” أنها ارتكبت خطأ استراتيجيا بأن دخلت الصراع على سلطة وهميّة، وكان الأولى بها أن تبقى غطاء مقاوما دون أن تضع نفسها في موقع النقيض الطبيعي للقمة خبز الجائعين ونقطة ماء العطشانين ما دامت لا تسيطر لا على مفاتيح الأمرين، رغم اعتقادها أن الأمر “فرض” عليها بل أكثر من ذلك ألقي بأحضانها على يد الناس خلاصا لهم من وضع سابق.

 

بغضّ النظر عن هذا وذاك حقيقة هي أن الحاصل على الساحة الفلسطينية في مناطق ال-67 من فلسطين هو مأساة كبرى في مسيرة شعبنا الوطنية الفلسطينية، وليس صدفة أن يخلص مفكرو الحركة الصهيونيّة إلى أن المشروع الوطني الفلسطيني أو الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة انتهيا، كما جاء على لسان هآرتس مؤخرا. ومن الناحية الأخرى السؤال المقلق:

ما هو التأثير على ضلع شعبنا الفلسطيني الثالث عرب ال-48 ؟

إذا كان مسلّما أن القيادة الفلسطينية المتمثلة في السلطة الفلسطينيّة، تنازلت عن الثوابت الفلسطينية الثلاثة الأساس: الدولة كاملة السيادة والحدود والقدس وحق اللاجئين بالعودة (ليس حق العودة)، مثلما يعتقد البعض،

وهذا هو المهر في “عرس” أنابوليس. وإذا كانت حماس جزء من مشروع إخواني- إيراني أو إذا استمرّت بالتنكيل وقلب أفراح الناس أتراحا والمناسبات الوطنيّة مآتم. فإننا نحن هذا الضلع الثالث “غير المنحازين واللسنا محايدين” سنضيع “أسرلة” ولن يبقى بين أضلاع المثلث أي رابط ، ونبوءة المفكرين الصهيونيين بانتهاء المشروع الوطني الفلسطيني ستصير أقرب كثيرا ممّا يتمنى أكثر المتفائلين منهم.

 

وما العمل؟

على المستوى الحزبيّ، عدا الرقيّ بعملنا حفاظا على ضلعنا الثالثة، المطلوب موقفا يترجم “عدم الانحياز وعدم الحياديّة” ميدانيا، بدفع المبادرة الداخليّة قدما وتتمتها وبجرأة وقطع الحواجز للقاء قيادات حماس بعد أن تمّ اللقاء بقيادة السلطة وعلى رأسها الرئيس أبو مازن، ولتقال الأمور بوضوح: لا نقبل التنازل عن الثوابت ولا نقبل تحويل الأفراح أتراحا والمناسبات الوطنيّة مآتم، لا نقبل التخوين ولا نقبل المزايدات.

المفاوضات ضرورة حتميّة ولكنها بحاجة لضرورة حتميّة أخرى هي غطاء مقاوم يكون بديلا إذا اقتضت الضرورة واستعداد لدفع الثمن إذا اقتضاه البديل، فعلى الطرف الآخر أن يفهم أن البديل عن عدم الاعتراف بالحقوق غال. إسرائيل تذهب إلى أنابوليس باستعداد “ولو على عينك يا تاجر” للمفاوضات، ولكنها لا تنام لها عين عن تجهيز جيشها وإعادة تأهيله.

الوضع الفلسطيني اليوم على ساحة ال-67 لا يوفر هذا البديل، بل أكثر من ذلك في الشق الأول نشهد تنازل كليّ عنه وفي الشق الثاني نشهد تحويله إلى التنكيل وقلب الأفراح أتراح والمناسبات الوطنية مآتم، لنخرج مبررين ب”الحق على مين؟”.

” الحق على” كل من يسقط خيار المقاومة من يده و”الحق على” كل من يحوّل بنادقها لصدور أبناء شعبه و”الحق على” كل من يكون حياديا أو منحازا.

 

النائب المحامي سعيد نفاع

التجمع الوطني الديموقراطي

تشرين الثاني 2007

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*