تشرين الأول 2010
(قراءات في محاضرة لبروفيسور روت غابيزون في جامعة تل –أبيب عشيّة الذكرى التاسعة)
للقاريء الذي لا يعرف العبريّة فالمعنى العربيّ ل-“أور” هو نور وهذا كان اسم قاضي المحكمة العليا رئيس اللجنة، ومن هنا جاء عنوان هذه المقالة. عشنا مؤخرا وما زلنا الذكرى العاشرة لهبّة القدس والأقصى أو أكتوبر، وما يؤرقنا هو ليس فقط سقوط 13 شهيدا فيها وإنما أن مؤسسات الدولة لم تجد مسئولا عن مقتلهم وبعضنا اعتقد أنّ لجنة “أور” والتي اعتقد غالبيتنا حينها سوف تضفي علينا النور، فهل فعلت؟
من أقام اللجنة كان يعرف حقّ المعرفة أن اللجنة لن “تعلّق مشانق” القتلة على عكس بعضنا من الذين ظنوا بحسن نوايا أن هذا ما كان سيكون، ولكن اللجنة في نهاية تقريرها “قطعت قول كل خاطب كجهيزة”، بقولها:
“تعي اللجنة أن إقامتها تمت في ظل اندلاع أزمة جماهيرية عميقة وحالة من هيجان الخواطر الصاخبة والأليمة وتعلم أن آمالا كبيرة تعلّق على إقامة لجنة تحقيق رسميّة، وهذه الآمال هي أن يساهم عملها في تخفيف الآلام وفي إعادة علاقات الثقة…”
وتضيف: “إذا كانت اللجنة قد وضعت فوق كل اعتبار تمسكها في بحث حقائق الأحداث بصورة حقيقيّة وصادقة، فهي لا تتنازل عن الرجاء بأن يساهم عملها، في نهاية المطاف، في تقريب القلوب بين اليهود والعرب في إسرائيل.”
وهذا نابع من كتاب تفويضها أصلا، إذ أن الكتاب لم يعطها تفويضا أن تجد المسئولين عن القتل وأكثر من ذلك لم يفوضها فحص السماح لأريئيل شارون الدخول إلى الحرم والذي كان دخوله كما هو معروف الشرارة، وفوضها أن تفحص كذلك دور القيادات العربيّة حتى لا تبقى السلطة والشرطة وحدهما معرضتين لمواجهة النتائج.
التوقعات من أن تتوصل اللجنة إلى هويّة المذنبين وأن توصي بمعاقبتهم، هي توقعات كبيرة من هذه اللجان. وهذه التوقعات الكبيرة تشرح لماذا يشعر العربي بخيبة أمل كبرى من نتائج التقرير، حيث لم ترد أية توصية بتقديم أي شخص للمحاكمة، ولم يتم تحميله مسئوليّة قتل الشباب العرب. المسئوليّة الكبرى التي ألقيت على قادة كبار في الشرطة ولم تخفّف من الشعور يأن اللجنة لم تقم بوظيفتها الرئيسيّة وهي أن تعمل عدلا بالتسبب في تقديم قتلة الشباب للمحاكمة.
وأقصى ما حدث في ما يخًص القتلة أن الشرطة وبناء على توصيات اللجنة أعادت التحقيق مع أفرادها ووصلت إلى نفس النتيجة التي سبقت، أن لا مسئولين عن قتل الشهداء، وحازت على صكّ غفران من النيابة والمستشار القضائي.
ربّما أن التوصية الوحيدة التي نُفّذت من توصياتها هي تحسين استعداد الشرطة لمواجهة مثل هذه الحالات مستقبلا إذا وجدتها اللجنة غير مستعدّة لمثل هكذا حالات، ولعل التدريبات التي تجريها أذرع الأمن تباعا منذها في قرانا استعدادا لكل طاريء البيّنة.
قالت بروفيسور روت غابيزون في محاضرتها :
“أحداث أكتوبر، على غرار أحداث يوم الأرض تعتبر علامة فارقة على طريق الحياة السياسيّة للوسط العربي في إسرائيل. يتمثّل أحد التأثيرات الرئيسيّة لتقرير لجنة “أور” في استعداد الشرطة بشكل أفضل للتعامل مع المظاهرات التي يحيي فيها المشاركون ذكرى اندلاع الأحداث، حيث يتّسم الاستعداد بالحوار، وكما جاء في التقرير، فإن قادة الجمهور العربيّ الذين يحضّون الجمهور على الاحتجاج والتظاهر وعلى إحياء هذه الأحداث أيضا، يبذلون قصارى جهدهم لضمان عودة المتظاهرين إلى بيوتهم سالمين. إن هذا الأمر الهام هو إحدى العبر المستخلصة من الأحداث ومن تقرير لجنة التحقيق.”
ومع هذا فإن أهم استنتاج جاءت به اللجنة هو وضعها في مقدمة أولويات المجتمع الإسرائيلي بأن العلاقات اليهوديّة العربيّة في إسرائيل هي موضوع استراتيجي في الدولة، وأن الدولة لا تعيره الاهتمام الكافي اللائق كموضوع استراتيجي. ويجيء تنفيذ التقرير الجزئي مؤشرا لعدم رغبة حكومات إسرائيل وعدم قدرتها على التعامل بصورة استراتيجيّة صائبة مع القضايا الحسّاسة المشحونة لمكانة الأقليّة العربيّة في إسرئيل.
الواقع هو أن حكومات إسرائيل ترى في مجرّد وجود الأقليّة العربيّة خطرا استراتيجيّا فكيف لها أن ترى في العلاقات أولويّة استراتيجيّة؟!
واللجنة عندما تتحدّث عن المساواة فإنها تقصد عدم التمييز، المساواة الشخصيّة في التمثيل، وليس الحقوق الجماعيّة. ولا يمكن كانت أن تصل لغير ذلك لأن اللجنة اعتمت ثلاث فرضيّات منها انطلقت: أن إسرائيل دولة يهوديّة وديموقراطيّة، وأنه يمكن التمييز بين علاقات اليهود بالفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل، وبين علاقات مواطني دولة إسرائيل، اليهود والعرب، بالفلسطينيين الذين هم ليسوا مواطنيها، وأن السبيل إلى تحقيق هذه الرؤيا في دولة إسرائيل يكمن في احترام سلطة القانون والامتناع عن العنف أو تشجيع انتهاج هذا الأسلوب.
تخلص غابيزون إلى القول:
“الصورة القيميّة المثاليّة والصحيحة التي وضعتها لجنة أور هي صورة غير قابلة للتحقق وذلك لأنها تعتمد جزئيا على الافتراضات أو على تحديد وقائع غير واقعيّة ولا يمكن تحقيقها”.
والخلاصة أن لجنة أور ليس فقط لم تحقق لنا معاقبة قتلة أبنائنا وإنما لم تحقق لنا أي شيء في حقوقنا ولا الحياتيّة والتي جزء من دماء أبنائنا الذين سقطوا أُريق ثمنا لها ولكنه جزء قليل فالجزء الأكبر هو ثمنا لحقوق أكبر يبدو أن في سبيلها ستُراق دماء أخرى.
لجنة “أور” ليس فقط أنها لم تضفي علينا نورا وإنما رسّخت سحب أدواته منّا !
أوائل تشرين أول 2010 النائب المحامي سعيد نفاع