شباط 2014
تراودني الفكرة الكامنة وراء العنوان منذ أشهر وبالذات على ضوء ما قبل وما بعد الانتخابات المحليّة وليس في الناصرة فقط ، خصوصا ونحن نعيش زمن “الرفاه الوطنيّ- يعني حين لم يعد العمل الوطني اعتقالات وفصلا من العمل وإقامات جبريّة ووو..”، إذ كان الهاجس والهدف الأساسيّان في هذه الانتخابات عند بعض كثير، ليس الوصول إلى كرسيّ رئاسة المجلس المحلّي رغم شرعيّة الأمر، وإنما إسقاط الجبهة.
ربّ قائل أن مقالتي هذه نتاج رأي مسبق تجاه الحزب الذي انتميت إليه على مدى عقد من الزمن واختلفت معه وعلى “ذمّة” البعض على كرسيّ وموقف قائمته اليوم، ولذا أرى أن أستهل مقالي هذا بكلمات شخصيّة سدّا للطريق على “متقوّلين” في هذا السياق، ربطتني وما زالت تربطني علاقات جيدّة جدا مع العشرات من كوادر التجمع وبعض القيادات احترمها وتحترمني لا بل أكثر من ذلك، علما منهم ومني حقيقة الأمر.
عندما أعلنت عشيّة الانتخابات أن الجبهة هي الأحقّ بالدعم رغم اختلافي الفكري والسياسي الجزئي مع عصبها، أشرت أني أتفق معها كليّا اجتماعيّا، وما يحدوني اليوم أن أكتب هذا المقال هو هذا الجانب بالأساس، وعلى ضوء الطوق الذي يحاول من يحاول إحاطتها به ليخنقها، ولشديد الأسف والغرابة بمؤازرة بعض منها يدرون أو لا يدرون.
كل من يعرف تاريخ حركتنا الوطنيّة الفلسطينيّة قبل وبعد “طورانيّي العثمانيين”، يعرف أن الحركة الصهيونيّة دأبت على ضرب مواطن قوانا، وأهمها موطن القوة الاقتصادي ،الأرض، وموطن القوة الاجتماعي، تركيبتنا الاجتماعيّة الوطنيّة، ومَن بحاجة إلى بيّنة فليراجع تعليمات وتوجيهات حاييم فايتسمان للمنظمة الصهيونية في العام 1920 حين كان رئيسها، وليبحث لماذا ما زال في حيفا شارع يُطلق عليه اسم حسن شكري .
وحتّى لا أتعبنّك عزيزي القاريء، فقد وجه حاييم وايزمن اللجنة التوجيهيّة في المنظمة الصهيونيّة أن تضع استراتيجيّة للتعامل مع العرب تسهيلا للهجرة اليهوديّة، فخرجت تلك بدراسة أهم مركباتها: أنه يجب رصد الخلافات بين المسلمين والمسيحيّين وتنميتها وإيجادها حيث لا توجد، وخلق قيادات بديلة للجان الوطنيّة الإسلاميّة المسيحيّة، وما لبثت أن “فطرشت- من فطروش أو فقعت – من فقع” اللجان الوطنيّة الإسلاميّة (!) برئاسة حسن شكري.
التحدّي الأساس الذي نواجه اليوم كأقليّة قوميّة عربيّة فلسطينيّة هو ليس على وجودنا الوجوديّ (البقاء)، رغم كلّ خزعبلات الترانسفيريين من ليبرمانيّين وبنتيّين وأشباههم، التحدّي الأساس هو على شكل هذا الوجود هذا البقاء، وشكل أدوات هذا الوجود ومنها الأحزاب والمجالس المحليّة في سياقنا، ولا يستهيننّ أحد بهذه الأداة.
عندما كانت المعركة على المجالس بين القوى الوطنيّة زمن الشقاء الوطنيّ، وبين العائلات من أتباع ” مفدال بروغ – كينج” أو “مباي بن غوريون- آبا حوشي” كانت المعالم واضحة، أمّا اليوم زمن الرفاه الوطنيّ، فغابت المعالم لا بل غيّبت المعالم وبأدوات ذاتيّة في الكثير من الأحيان أحزابا وحركات. وهنا لا بدّ من الإشارة وبالقلم العريض أن بعض أوساط الجبهة غيّبت تميّز طروحات الجبهة فكريّا وسياسيّا واجتماعيّا في الانتخابات القطريّة والانتخابات المحليّة، وغلّبت في الكثير من الأحيان “الذاتويّة” على “الموضوعيّة”.
أقول وبكل موضوعيّة وكصديق للجبهة اليوم رغم أني ولدت وترعرعت في صفوفها ورغم مآخذي عليها، أقول: الجبهة اليوم أكثر من أي وقت مضى هي الوحيدة التي تعكس الوجه الحقيقي النيّر لشعبنا في زمن نحن بأمس الحاجة للحفاظ على هذا الوجه، هي البوتقة الوحيدة التي ينصهر فيها أبناء شعبنا اجتماعيّا بكلّ انتماءاتهم في زمن يريدوننا مسلمين سنّة وشيعة إثناعشريّة وشيعة إسماعيليّة ودروز وكاثوليك وأورثوذكس، هي الوحيدة التي تجسّد موطن قوتنا الأهم في وجه الزحف الطائفيّ والتخلّف الاجتماعيّ والنهج الانتهازيّ، ولذا على كل الوطنيّين “شقاء وليس رفاها” من غير الجبهويّين وعلى الجبهويين أولا أن يدركوا أنّ الجبهة حاجة موضوعيّة حياتيّة ليس فقط لأهل الناصرة وإنما لحركتنا الوطنيّة الفلسطينيّة أكثر من أي وقت مضى .
الانتخابات اليوم في الناصرة هي ليست مجرّد انتخابات محليّة، خصوصا ونحن نرى من الذين يمسكون أطراف حبل الطوق حول عنق الجبهة محليّا وقطريّا وإقليميّا، الانتخابات في الناصرة على كلّ ما جاء أعلاه وأكثر، رغم ما يمكن أن يُقال وهو كثير، فلنترك الآن “المقال لحين المقام” .
أواسط شباط 2014
سعيد نفاع