المستفاد من تجربة الدالية وعسفيا في فكّ الدمج

تموز 2008

تدأب لجنة الداخلية في الكنيست مؤخرا على تحضير اقتراح قانون فك الدمج بين الدالية وعسفيا للقراءة الأولى بعد مرّ الاقتراح بالقراءة التمهيدية بأكثرية مطلقة في الهيئة العامة للكنيست وصلت 68 عضوا من أصل 120 كامل الأعضاء  في الكنيست شارك منهم في الجلسة 69 عضوا، أي أنه لم يعارض الاقتراح سوى واحد هو وزير الداخليّة. بعد هذا الانجاز لحق بالركب اقتراح فك الدمج لقرى الشاغور، الدير ،مجد الكروم والبعنة وكذلك باقة الغربية وجت في المثلث فمر الاقتراحين في القراءة التمهيدية وأتبعا للأول للتحضير للقراءة الأولى في لجنة الداخلية التي من المتوقع أن تقر المشروعين للقراءة الأولى، هذه الأيام.

ليس معنى هذه الخطوات أن الحل صار من ورائنا، فالطريق ما زالت طويلة مليئة بالعقبات خصوصا وأن الحكومة بوزاراتها المرتبطة، الداخلية والمالية، ما زالت تقف بحزم ضد المشروعين، إضافة ل”فاعلين” في الأحزاب الصهيونية من بين ظهراني الأهل في كل القرى موضوع المشروعين.

وحتى إذا مرّ المشروع في التحضير للقراءة الأولى ما من ضمان أن يطرح على الهيئة العامة للإقرار قبل نهاية الشهر، موعد خروج الكنيست للعطلة الصيفية لثلاثة أشهر، وحتى لو طرح وأقر سيعود للجنة الداخلية للتحضير للقراءتين الثانية والثالثة، وهذا لن يكون قبل شهر 11\2008، ضف إلى ذلك أن المشروع المطروح للتحضير أمام اللجنة إذا أقر يمهل وزير الداخلية مبدئيا 6 أشهر من يوم إقراره لتعيين موعد للانتخابات، مما يعني أن الانتخابات المنفصلة وفي أكثر الحالات تفاؤلا لن تجري قبل ربيع العام القادم.

 

كيف كان لهذا الانجاز أن يتم؟

المؤسسة الإسرائيلية رأت بدمج السلطات المحليّة العربية إنجازا لها عللته طبعا بالتوفير على الميزانية وتحسين الإدارة حاصلة بداية على موافقة الأهالي أمام وعود تحويل بلداتهم بعد الدمج إلى “جنات” تبين سريعا أن وضعها زاد سوء، مما أثبت ما طرحته القوى الوطنيّة من أن الدمج ما هو إلا ضرب لإنجاز تحقق للأقلية العربية بإدارة شؤونها المحليّة ذاتيا رغم كل الإشكاليات لا بل المساويء التي رافقت هذه الإدارة من تكريس للعائلية وغيرها.

بلغ الأمر أن ضمنت المؤسسة الإسرائيلية قائمة إنجازاتها التي عممتها بمناسبة احتفالات ال-60 لقيام الدولة، إقامة أو تأسيس أول مدينة درزيّة!

حقيقة هي أن الأهل في معظم بلداتنا سلّمت بهذا “القدر” إحباطا من إمكانية التغيير أو إعادة الأمور لما كانت عليه سابقا من استقلالية الإدارة المحلية للقرى، إلى أن انطلقت الشرارة الجديّة الأولى من عسفيا في اجتماع شعبي حاشد في ربيع العام الماضي، دعي كاتب هذه السطور ليلقي الكلمة الأخيرة فيه مؤكدا أن تحقيق الهدف ليس بمستحيل رغم أننا في صدد معركة على ما تعتبره إسرائيل في ذكراها ال-60 إنجازا لها، شرط الوحدة والإصرار والتعاون مع القيادات السياسية الحقيقية وأولا العربيّة، والاستعداد لاتخاذ خطوات صارمة ميدانيّة مهما كلف الثمن، وهذا يتطلب وضع استراتيجيّة عمل، وضعت لاحقا وتوبعت بدقّة.

لم يكن لهذا الإنجاز أن يتم لولا الوحدة التي كللت المساعي بين كل الأطياف في البلدتين عسفيا والدالية محيّدة كل من راهن على فشل النضال مستندا على المؤسسة وبعض أزلام أحزابها، هذه الوحدة اضطرت من يدعون “القيادة” اللحاق بالركب وفي الكثير من الأحيان خوفا من انكشاف أمرهم، ولم ينطل ذلك على الأقل على اللجنة الشعبيّة لفك الدمج، ووعيا منها لأهمية الوحدة وتعاونها مع القيادات المخلصة حقا عربيا وعربيا درزيا، لم يجرفها الانجاز الأولي فتابعت العمل اعتبارا من أن ما تحقق في القراءة التمهيدية ما هو إلا خطوة أولى في رحلة طويلة جدا ومليئة بالعقبات مما أذهل قيادات الأحزاب التي حاولت التحايل على الانجاز الأولي ودفنه في أدراج بيروقراطية اللجان المختصة.

ما من شك، وكان هذا واضحا في انطلاقة اللجنة الشعبيّة في قرى الشاغور ، أن ما تحقق في الدالية وعسفيا كان حافزا إن لم يكن الحافز لانطلاقتها المجددة، فقد دعيت لاجتماعها هذا طارحا أمامهم التجربة التي كانت في قرى الكرمل فتبنتها اللجنة الشعبيّة وانطلقت موحدة استثمارا للظرف المؤاتي، فلم يطل المشوار وأقر مشروع قانون فك دمجها وهذا كان حال باقة الغربية وجت.

 

القيادات والإنجاز !

كما قيل أعلاه هذا ما كان على المستوى الشعبي، أمّا على المستوى القيادي إذا صحّ التعبير، فقد دأبت المؤسسة الإسرائيلية على التهجم على القيادات العربيّة المخلصة وخصوصا على بعض أعضاء الكنيست المكافحين منهم المتصدين لسياستها و”شعارها” :

“ماذا يفعل لكم أعضاء الكنيست هؤلاء، إنهم متلهون بالقضايا السياسية تاركين مصالحكم؟”

الدرس الذي يجب أن يستفاد من هذا الانجاز هو : أن النجاح في نضالنا ممكن شرط التكافل بيننا كأهل، وبيننا كأهل وقيادات مخلصة لا شعبويّة ولا انتهازيّة. فلا اللجان الشعبية وحدها دون رديف قيادي مخلص، ولا القيادات وحدها دون رديف شعبي موحد مستعد للتضحية والتصدي، بقادرة على تحقيق الانجازات.

لولا حصول هذه المعادلة في معركتنا الأخيرة في الدالية وعسفيا وثم مجد الكروم والدير والبعنة، وثم باقة الغربية وجت، لولا ذلك لما تحقق هذا الإنجاز، وفي هذا سقط قناع “شعار” المؤسسة لدق الأسافين بين الأهل وقياداتهم العقائدية المخلصة حقا، وفي أيدينا جميعا أهل وقيادات عقائدية، أن يبقى هذا “الشعار” في المكان المناسب له، مزابل قرانا.

 

وأخيرا:

انطلاقا من ” لا تكرهوا أمرا لعله خير لكم”، لعلّ ما تعرض له حكمنا المحليّ من مؤامرة سلطوية دمجت وحلّت مجالسنا وأحضرت لنا جنرالت جيش متقاعدين لإدارتها إخراجا ل”حكم عسكريّ” حديث، لم يكن ليتأتى لها ذلك لولا أن أدلينا بقسطنا سوء في الإدارة بسبب القواعد الحمائلية العائلية والطائفية التي اتبعناها على حساب كيفية المنتخبين، ومن ثم عدم تعاوننا معها حتى عندما كانت جيّدة وفقط لأنها منّا، فكيف نفسّر امتناع بعضنا عن دفع ثمن المياه التي نشربها عندما تكون الإدارات منّا في حين نصطف بالدور لنقوم بالتزاماتنا للرئيس الجنرال كما يحصل اليوم في بعض بلداتنا.

إدارة شؤوننا المحليّة على أيدينا هي إنجاز كان يجب أن نحافظ عليه رغم كل مساوئه، فلعلّ التجربة مع  ال”حكام العسكريين” أو ال”حكام المعينين” حتى لو كانوا منّا، تكون لنا درسا بشكل عام، وخاص على ضوء نجاحنا في الكرمل والشاغور والمثلث، كي لا نعطي المؤسسة التعليل والتبرير لضربنا مجددا وهي متربًصة كانت وما زالت وشهيتها منفتحة.

النائب سعيد نفاع

تموز 2008

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*