تشرين الأول 2007
الحرب كوسيلة تعامل مع العالم العربي هو استراتيجية إسرائيلية راسخة في الذهنية الصهيونية، ولسنا بحاجة إلى بيّنات لإثبات ذلك، ومع هذا إن كان من مراقب تنقصه البيّنة فرفض إسرائيل للمبادرة العربية بيروت 2004 هي أم البيّنات.
تعتقد إسرائيل أن في محيطها ما زالت هنالك بعض حبات جوز عصيّة على الكسر وعلى رأسها سوريّة، فتحاول بين الفينة والأخرى جسّ قشر تلك الجوزة لعلها تصدعت فيهون كسرها، أو لعلها تحركها إلى منحدر تتدحرج إليه يصدعها. اختراق أجواء سورية الأخير جاء من هذه المحاولات، وبغض النظر إن قصفت الطائرات الإسرائيلية هدفا محددا أو لم تقصف، لم يدفع ذلك سوريّة إلى أي منحدر رغم ما يمكن أن يقال عن موقفها وطول تحملها.
لا تستطيع إسرائيل أن تبادر لشن حرب على سوريّة، لكنها لن تمتنع عن الحرب مع سورية إن وجدت الذريعة، وذلك على ضوء العديد من الأمور التي تظلل الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة في كل ساحاته، من العراق شرقا مرورا بلبنان وفلسطين غربا. لكن هنالك كذلك مجموع استحقاقات إسرائيلية تمنعها من أن تشن الحرب في المستقبل القريب، لكنها استحقاقات مثلما تحوي موانع للحرب يمكن أن تكون مدعاة لحرب إذا تعثر أحدها، أخذا بالاعتبار أن في إسرائيل لا توجد اليوم قيادات يمكن اعتبارها تاريخية بأي معنى، فهي بمجملها يصح فيها التعبير أنها قيادات رمادية لا لون أساسي لها، حائطها “عائب” ويمكن لأي اهتزاز أن يسقطه.
ألاستحقاق الأول، مؤتمر أو لقاء السلام في واشنطن:
لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية أن تقدم في هذا الاستحقاق إي شيء يذكر في اتجاه الثوابت الفلسطينية غير الكلام الإنشائي العام. فلو فرضنا أن حكومة أولمرت قدّمت أي “تنازل” في أي ثابت، فسيكون هذا مدعاة لأنسحاب حزب اليمين المتطرف “يسرائيل بيتينو- ليبرمان” وحتى “شاس- اليهود الشرقيين المتشددين” وفي ذلك سقوط الحائط وهذا ما لا يريده وما لا يستطيعه أولمرت.
هذا الاستحقاق هو بحد ذاته يكوّن حاجزا أمام إسرائيل لأن تبادر بشنّ حرب على سورية في المستقبل القريب، على الأقل هذا ما يحتّمه هذا الاستحقاق على إسرائيل من تصرف تجاه سيّدها في البيت الأبيض وشريكها في المفاوضات في رام الله، لكنه وبنفس القدر يخبيء في ثناياه خطرا لحرب تشنّ حماية لما يمكن أن يقدّم وحماية للحكومة من السقوط المحتّم إن قدّم.
ألاستحقاق الثاني، تقرير لجنة فينوغراد لفحص نتائج حرب لبنان والتزام براك رئيس حزب العمل:
من غير المتوقع أن يجيء تقرير فينوغراد النهائي بإضافات صارخة تختلف عمّا جاء في تقريره المرحلي في أيار الماضي، ولكن هنالك أمرين غير واضحين البـّتة يمكن أن يكون لهما أثر وإسقاطات بعيدة المدى.
الأول شكل التقرير، إذا كان التقرير شامل توصيات شخصيّة بحق أولمرت أو غيره، فلهم الحق بالدفاع عن أنفسهم أمام التوصيات ممّا يحول اللجنة إلى شبه محكمة ستطول مداولاتها وسيبقى أولمرت بحكم غير المسئول حتى تبت اللجنة نهائيا في طعونه وطعون غيره، وهذا يطيل حتما في عمر حكومته. وإذا لم يشمل التقرير توصيات شخصيّة، وهذا ما متهم اليوم ديوان أولمرت بتسريبه إلى وسائل الإعلام التي تناقلت مؤخرا هذا الأمر، فسيطمئن أولمرت أن تقرير فينوغراد من ورائه، ولكن هذا الأمر ورغم التسريب ما زال غير واضح يلفه الغموض.
في الحالة الأولى من المستبعد أن يشن أولمرت الحرب على سورية في نفس الوقت الذي يشنّ فيه حربا ضدّ التوصيات الشخصية ضدّه. أما في الحالة الثانية فالإمكانية واردة ليرفع خطر الحرب عليه من براك وحزبه.
حرب براك هي الأمر الثاني الغير واضح، فحسب تعهده لحلفائه في برايمرز حزب العمل، سينسحب من الحكومة بمجرد أن يصدر التقرير بغض النظر عمّا يمكن أن يحوي، إذا ما كانت دعوى البقاء في الحكومة لهذه الفترة الانتقالية ؟ هذا التعهد والذي بحد ذاته غريب، كيف يمكن أن ينفذ ؟ وماذا يمكن أن يحصل إذا لم ينفذ؟
من المستبعد أن ينفذ براك وعده وسيجد التبريرات، لأنه لن يقدم على إسقاط أولمرت وحكومته ليهدي النصر لغريمه زعيم حزب الليكود نتانياهو الذي ما زال متقدما عليه في كل الاستطلاعات، هذا عدا عمّا يرشح وبهمس أن أولمرت الذي سرّه فوز براك برئاسة حزب العمل، يعدّه للتوحد مع كديما أو ما يتبقى منها قناعة منه أن هذا الحزب إلى زوال أو على الأقل إلى “هزال” في الانتخابات القادمة، أخذا بالاعتبار أن كرهه لنتانياهو لا يفوقه كره، كل ذلك إذا اضطرته لجنة فينوغراد أو التحقيقات الجارية بحقه إلى التنحّي.
هذه “الحرب” الداخليّة المتولدة عن هذا الاستحقاق بقدر ما هي مدعاة لعدم شنّ حرب على سورية، تخبيء في ثناياها جملة من الأسباب لشنّ الحرب، فإذا اندلعت “الحرب” بين باراك وأولمرت سيفرك نتانياهو أكفّه هناء في انتظار المنتصر الجريح منهما لينازله، وعندها ليس أكثر من باراك وزير الأمن بحاجة لحرب على سورية لينتصر على الإثنين معا وهكذا سيكون حال أولمرت، أما إذا اندلعت بين باراك-أولمرت من جهة ونتانياهو من الجهة الأخرى، عندها لن تشغلهما حرب على سورية للانتصار على نتانياهو.
ألاستحقاق الثالث، إعادة بناء الجيش:
هذا الاستحقاق بالنسبة للأحزاب الصهيونية هو استحقاق وطني من الدرجة الأولى هي مهمة وطنية تتخطى الأحزاب، فلا يمكن أن يخطّروا إعادة البناء ب”حرب” داخلية على شكل انتخابات وعلى هذا هم مجمعون ومتفاهمون وإن كان صمتا لا قولا، ولا تغرّن أحد حربهم السياسية المستمرة فهم لا يستطيعون وقفها على الأقل “على وجه” الناخب.
وما دام هذا الاستحقاق الوطني لم يكتمل، ولم يكتمل، فلا يستهيننّ أحد بما كشفته حرب لبنان من قصورات في هذا الجيش والتي لا يمكن إعادة تكملتها حتى في المدّة التي انقضت منذ الحرب، لذلك لن يخاطروا بالمبادرة إلى حرب والحالة هكذا وهذا الاستحقاق ماثل، وهذا يبعد شبح الحرب ولو إلى حين، رغم الحاجة الماسّة لإعادة الثقة في الجيش أو ما يسمونه في قاموسهم إعادة قوة ردعه، لن توفر له ذلك أي حرب على غزّة لا القائمة اليوم ولا إن صارت اجتياحا كاملا.
طبعا الأمر ليس متعلقا فقط بتكامل البناء، فالعائق الأكبر هو القناعة السائدة أن حرب “النزهات” انتهت، ولن تكون سوريّة لقمة سائغة فإذا لم تكن المقاومة اللبنانية كذلك فكم بالحري سوريّة. ضف إلى ذلك أن القرار يؤخذ في مطابخ البيت الأبيض ويؤكل في مطابخ تل أبيب، وينقص المطبخين الآن الكثير من التوابل.
خلاصة الأمر:
هنالك استحقاقات كثيرة أخرى لها دورها في الحسم في قضية الحرب والسلم بين سوريّة وإسرائيل دون أن ننسى أن هنالك جوزة أخرى اسمها إيران تنوجد في نفس كومة الجوز الموجودة فيها سوريّة، لكن حواجز الاستحقاقات التي سقناها تبقى الأهم على الجبهة السوريّة الإسرائيلية، ورغم ما فيها من موانع لشنّ حرب في المستقبل المنظور، لكنها هي ذاتها يمكن أن تتحول إلى مداع للحرب التي ما من شك أن شبحها يحوم في الأجواء لن يمنعه من الحط إلا تطور يقلب الموازين والمعادلات.
ربما من نافل الكلام، القول: أن الحرب لن تشنّ ولن تمتنع بناء على الاستحقاقات أعلاه، فالنيّة للحرب على سوريّة و\ أو إيران كخيار استراتيجي في المشروع الأميركو-صهيوني قائمة بهذه الاستحقاقات وبدونها، وما الاستحقاقات التي سقنا إلا حواجز أمام توقيت إشعال الفتيل بالوقود أو مداع لتوقيت إشعاله ليس إلا، فالفتيل مبلل بالوقود حتى الثمالة بهذه الاستحقاقات وبدونها.
النائب سعيد نفاع
التجمع الوطني الديموقراطي